رمضان بين ماض وآت

> في سنوات الطفولة الأولى، ما قبل مرحلة الصوم التي عشت جزءا كبيرا منها في شارع التقدم أحد مكونات حارة القاضي الكبرى في كريتر تشكّل لدي الوعي الطفولي بشهر رمضان من خلال ثلاثة أمور أساسية وهي: مشكلة الجوع التي تظهر في رمضان وكيف يمكن حلها، إذ عادة لا يتبقى طعام في البيت (بتعمد) بغية دفعنا كأطفال للتعلّم والتدرّب على الصيام. والأمر الثاني هو ظهور بائع (اللحوح) ومعه (التريب) بنوعيه الحار (أبو بسباس) وغير الحار بدون بسباس، الذي كنا ننتظر ظهوره كالهلال في الحارة، عادةً بعد الساعة العاشرة صباحاً في كل يوم لنملأ بطوننا بعانتين إلى ثلاث، لحوحا وتريباً، الأمر الثالث المرتبط برمضان هو أننا سنحصل على ملابس وأحذية جديدة للعيد الذي يأتي في نهاية رمضان.

كان شراء كسوة العيد أمرا ميسرا للجميع فكل شيء متوفر بأسعار زهيدة وهناك خيارات كثيرة في الأسعار والنوعية. ذلك زمان قد مضى بكل ما فيه وتغيرت ذكريات أجيال كثيرة تلت، وتغيرت تفاصيل صغيرة كانت تنمو بفعل الزمان وبفعل الأنظمة والسياسة فيما تلت من عقود، وتلك سنة الحياة، لكن هذا الشهر بقي مُرحّب به، وله مكانته المميزة التي يُحسب حسابها في رؤوس أصحاب القرار والمسؤولون عن حياة الناس.

كان الهدف إبقاء اليسر وتيسير ما يمكن من إمكانيات لجعله شهرًا غير مرهق للناس، بل تمتزج فيه الفرحة مع الروحانية التي يحملها ولكي تستطيع كل الناس بمختلف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية أن تحتفل بهذا الشهر والعيد الذي يليه بكل بهجة وسرور.

ما هي ذكريات الأطفال في وقتنا الحالي التي ستتشكل في عقولهم، عن رمضان وأيامه ولياليه وأعياده؟ بالتأكيد لا نعلم شيئًا، لكننا نستطيع أن نقيس مشاعرنا في أعمارنا هذه، ومن واقع مسؤولياتنا كأرباب أسر وآباء، ومدى تمكننا من التفاعل مع هذا الشهر ماديا وروحيا، ومدى مقدرتنا في التأثير على ذكريات أطفالنا التي سيتذكرون من خلاله طفولتهم.

أكثر ما أخشاه هو اللبس في استخدام مفردات مثل الجوع الطبيعي والجوع القسري أو بالأحرى التجويع الذي يمر به الناس، أكثر ما أخشاه هو ضياع الفروق للأسف الشديد بين المادي والروحي، أخشى ما أخشاه اليوم هو تلاشي الرحمة بين الناس وهم واقعون جميعا تحت ظروف قاسية ماديا ونفسيا.

بالرغم من قساوة الحياة إلا أنها لا تخلو من الرحمة التي نحن بحاجة ماسة لنشرها والتذكير بها.. الرحمة والتراحم والتآزر بين القلوب والأرواح التي هي في الحقيقة أحد أهم أهداف الخالق الذي فرضها علينا في كل وقت ولا سيما في هذا مثل هذا الشهر. كل عام والجميع أرق أفئدة وأكثر رحمةً وتراحماً وتعاوناً وتآزراً، ورمضان كريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى