​من معارك المسلمين

> معركة بلاط الشهداء

لم يكن توغُّل المسلمين في هذه البلاد لأول مرة، فقد سبق إليها السمح بن مالك سنة 102 هـ، وحدثت معركة كبيرة استشهد فيها السمح، ثم انسحب عبدالرحمن الغافقي ببقية الجيش من المعركة، وفي سنة 107 هـ توغَّل عنبسة بن سحيم الكلبي حتى بلغ مدينة ليون واستولى عليها، واستشهد في أثناء عودته، وتقهقر المسلمون إلى مدينة تربونة، وفي سنة 114هـ، تابع عبدالرحمن الغافقي فتح هذه الأقاليم، فاستولى على أكيتانيا، ثم استعان دوقُها بشارل مارتل ملك الإفرنج، والتقى الجيشان في سَهْل بواتييه قرب تور، ودارت معركة رهيبة سبقتها مناوشات استمرَّت ثمانية أيام، كان النصر في بدايته لصالح المسلمين، ثم صاح فجأة صائح، فقال: إن الإفرنج قد استولوا على غنائم المسلمين، التي أبقاها عبدالرحمن بعيدة عن مكان المعركة كيلا تُثقِل المسلمين، فلما سمع الجنود هذا الصوت، اضطربوا وخافوا على غنائمهم الكثيرة أن تسقط

بأيدي الإفرنج وتنادوا لتخليصها منهم، لكن عبدالرحمن صاح فيهم أن يثبتوا لأنه استشعر فيها المكيدة، فاضطربت أحوالُ الجيش وضاع صوت عبدالرحمن وسط الغوغاء، بل انكشف مكانه فرُمي بسهم قاتلٍ وسقط شهيدًا، ثم انسحب الجيش تحت جنح الظلام تاركًا القتلى والغنائم التي اضطربوا من أجلها، ولم يتبعهم شارل مارتل للإجهاز عليهم، فقد اكتفى بهذا النصر، كما خشي أن يكون انسحابهم لكمين، لأنه كان حَذِرًا ومتأنيًا إلى درجة الجُبْن، وتُعَد هذه المعركة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي؛ إذ لم يُحاوِل المسلمون بعدها التقدم إلى هذه البُلدان فيما بعد، وتوقَّفت الفتوحات الإسلامية عند جبال البرانس (البيرنيه).

 ومن العِبَر التي أخذت من هذه المعركة أن الفتح لغرض الحصول على الغنائم مسدود، فقد كان معظم مَن في الجيش يسعَون إلى الفتح من أجل الغنائم، كما كانت قلوبهم مُعلَّقة بها، ولقد اكتشف عبدالرحمن هذا في نفوس جيشه، وحِرْصَ معظم أفراده على جمع الغنائم والعودة إلى ديارهم مثقلين بها؛ لذلك جمعها في مكان أمين وعيَّن قسمًا من جنوده لحراستها، ولم يشأ أن تكون معهم حتى لا ينشغل الجند بها، ومع ذلك فإن هذا الإجراء لم ينفع مع مَن تعلَّقت قلوبهم بها، فنسُوا ذكر الله وما أعد الله للمجاهدين، فكانت الغنائم نقطةَ الضعف عندهم، ومنها جاءهم الفشل.

معركة سومنات في الهند

معبد سومنات
معبد سومنات
سومنات هو اسم صنم للهنود، يُعَد من أعظم أصنامهم، يحجُّون إليه كل ليلةِ خسوفٍ، فيجتمع عليه ما يزيد على مائة ألف إنسان، ويزعمون أن أرواح الموتى تجتمع عنده ليُوزِّعوها من جديد على مولودين جدد، وهذا يدل على عقيدة التناسخ، كما يزعمون أن البحر في مده وجزره يعبد هذا الصنم.

 ووطَّد السلطان محمود نفسه للوصول إلى هذا الصنم؛ للقضاء على هذه الخرافة، ونزع العامل الرُّوحي من الهنود؛ ليتعرَّفوا بعدها على فساد اعتقادهم فيتوجَّهوا للإسلام، وكانت المسافة إليه طويلة والرحلة شاقة، وهناك مُنقطَع من الأرض للوصول إليه؛ حيث القفر وقلة الماء، ومع ذلك قصده وحمل الماء على ظهر عشرين ألف جمل، فلما قطع المسافة بدت له قلاع شحنت بالمقاتلين، وعندها آبار قد غورها الهنود كيلا يستفيد منها.
السلطان محمود غزنوي
السلطان محمود غزنوي

 لكنه فتح القلاع وتوجَّه إلى (أنهلوارة)، فاستولى عليها بعد فرار حاكمها (بهيم)، وقصد سومنات بعد أن استولى على قلاع كثيرة، وهدم ما فيها من أصنام، وبدت له مفازة أخرى مقفرة، وقد تحصَّن فيها عشرون ألف مقاتل فقاتلهم وألحق بهم الهزيمة، ثم وصل إلى (دبولوارة) فقاتله أهلها، فهزمهم واستولى عليها.

 ثم وصل إلى سومنات في منتصف ذي القعدة، وكان خروجه في العاشر من شعبان، فنظر إلى قلعة الصنم فإذا هي حصن حصين قد بُني على البحر، وأهله على الأسوار ينظرون إلى المسلمين، ثم زحف إليهم يوم الجمعة، واشتبك الفريقان ورأى الهنود من المسلمين قتالًا وصبرًا لم يعهدوا مثيلًا له..

 وصعِد المسلمون الأسوار ونادوا بالتكبير وحمي وطيس المعركة، ودارت المعارك في ساحات الصنم، فكان الهنود يقاتلون فوجًا فوجًا بعد أن يتمسحوا بصنمهم، واحتدمت المعارك على باب الصنم حتى تراكمت الجثث وكاد الفناء يستوعبهم، فلما شاهدوا القتل ويئسوا من نصر سومنات لهم، ركبوا البحر هربًا، وكان عدد القتلى في هذه المعركة من الهنود خمسون ألفًا. وأمر السلطان محمود الغزنوي بهدم الصنم سومنات وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى