​من معارك المسلمين

> حرب العاشر من رمضان 1973م (ج2)

في تمام الساعة 14:00 من يوم 6 أكتوبر1973 نفذت 220 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي القناة (كان أقصى عمقٍ ممكنٍ للطائرات المصرية خط المضائق في منتصف سيناء، وعليه غطت الضربة الجوية النصف الغربي من سيناء عدا هجوم واحد قصف مطارًا جنوب العريش). عبرت الطائرات على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ للغاية (حوالي 30 م) لتفادي الرادارات الإسرائيلية، وقد استهدفت المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصافي النفط ومخازن الذخيرة.

الشهيد نقيب طيار عاطف السادات شقيق الرئيس المصري آنذاك انور السادات، استشهد في أول تشكيل جوي أثناء مهاجمة المطارات الاسرائيلية
الشهيد نقيب طيار عاطف السادات شقيق الرئيس المصري آنذاك انور السادات، استشهد في أول تشكيل جوي أثناء مهاجمة المطارات الاسرائيلية

جاء في تقرير قائد القوى الجوية عقب الهجوم أن الضربة حققت 95 % من أهدافها الموضوعة، وخسرت أحد عشر طيارًا شهيدًا منهم ستة طيارين في الغارة على مطار الطور قرب شرم الشيخ ويعود ذلك لفقدان عنصر المفاجأة بسبب ملاقاتهم أربع طائراتٍ فانتوم كانت تقوم بدوريةٍ اعتياديةٍ فوق شرم الشيخ فجرت معركة غير متكافئةٍ بسبب التفوق النوعي لطائرة الفانتوم وقتئذٍ.

بعد عبور الطائرات المصرية بخمس دقائقَ بدأتِ المدفعية المصرية قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكلٍ مكثفٍ تحضيرًا لعبور المشاة، فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح المياه. في تمام الساعة 14:20 توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث مواقعُ النسق الثاني، وقامت المدفعية ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها.

العبور

في تمام الساعة 6:30 مساء كان ألفا ضابطٍ وثلاثين ألف جنديٍّ من خمس فرق مشاة قد عبروا القناة، واحتفظوا بخمسة رؤوس جسورٍ واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، وذلك فيما عدا لواءٍ برمائيٍّ مكونٍ من عشرين دبابةٍ برمائيةٍ وثمانين مركبةٍ برمائيةٍ عبر البحيرات المرة في قطاع الجيش الثالث وبدأ يتعامل مع القوات الإسرائيلية. في تمام الساعة 20:30 اكتمل بناء أول جسرٍ ثقيلٍ، وفي تمام الساعة 10:30 مساء اكتمل بناء سبع جسورٍ أخرى وبدأت الدبابات والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمةً الجسورَ السبعَ وإحدى وثلاثين معدية نهرية.
الفريق سعد الدين الشاذلي مهندس حرب أكتوبر 1973 مؤسس وفائد أول فرقة مظلات مصرية
الفريق سعد الدين الشاذلي مهندس حرب أكتوبر 1973 مؤسس وفائد أول فرقة مظلات مصرية

ولم يأت صبيحة يوم الأحد 7 أكتوبر إلا وكانت القوات المصرية  قد أنجزت عبورها لقناة السويس وأصبح لدى القيادة العامة خمس فرق مشاةٍ بكامل أسلحتها على الضفة الشرقية للقناة، بالإضافة إلى ألف دبابةٍ، وتهاوى خط بارليف الدفاعي واستولى الجيش المصري على تحصيناته (عدا حصن لسان بور توفيق جنوب شرق السويس الذي سقط يوم 11 أكتوبر)، وتحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. خلال يوم السابع من أكتوبر واصلتِ القوات المصرية توسيع رؤوس جسور فرق المشاة وسد الثغرات فيما بينها ضمن نطاق كلٍّ من الجيشين الميدانيين. وكانت القوات الخاصة وقوات الصاعقة المحمولة جوًا قد قامت في اليوم السابق بالإسقاط في مؤخرة القوات الإسرائيلية لتنفيذ كمائنَ ضد قوات الاحتياط المتقدمة من الخلف نحو الجبهة على أربعة محاور؛ رمانة، والطاسة، وممر الجدي، وممر متلا، مما أرغم العدو على التحرك ببطءٍ وحذرٍ، وأخّر وصول قواته إلى الميدان لساعاتٍ كانت حاسمةً في تثبيت الوجود المصري شرق القناة. جرى كذلك تحسين الموقف الإداري والتعبوي (اللوجستي) للقوات لإعطائها دفعةً قويةً لمعاركها التالية. أثناءَ ذلك دَعّمتِ القواتُ الإسرائيليةُ موقفها بالتدريج على الجبهة ودفعت بخمسة ألويةٍ مدرعةٍ وثلاثمئة دبابةٍ لتعويض خسائر الألوية المدرعة الثلاثة التي كانت تتمركز في المنطقة خلف تحصينات خط بارليف.

قامت مجموعة الصاعقة المؤلفة من 220 فرداً التي أُنزلت بالحوامات في "رمانة" على المحور الساحلي يوم 6 أكتوبر بتعطيل تقدم لواءٍ مدرعٍ نحو الجبهة لأكثرَ من ثلاثين ساعةً (كانت مهمتهم القتالية إعاقة التقدم لست ساعاتٍ فقط) قبل انسحاب المتبقين (25 فرداً) في 8 أكتوبر حيث استشهد نحو 200 جندي صاعقة بعد نفاد الذخيرة في مسيرٍ دام خمسة أيامٍ على الأقدام كانوا فيه يكمنون بالنهار ويتسللون في الليل.

فيما تمكنت القوات السورية من التوغل إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا. أما في نهاية الحرب فقد تمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق بعض الإنجازات، فعلى الجبهة المصرية تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسبَ استراتيجيةٍ سواءً باحتلال مدينتي الإسماعيلية أو السويس أو تدمير الجيش الثالث أو إجبار القوات المصرية على الانسحاب إلى الضفة الغربية مرة أخرى، أما على الجبهة السورية فتمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان واحتلالها مرة أخرى، وتعد حرب أكتوبر آخر الحروب العربية الاسرائيلية الكبرى وهي وإن لم تحقق نصرا عسكريا كبيرا إلا أنها قد حققت نصرا معنويا خاصة بعد هزيمة العرب في حرب يونيو 1967 وأثبت الجندي العربي أنه قادر على هزيمة إسرائيل، كما أنها قد حققت تلاحمًا عربيًا لم يتكرر في تكاتف عدة دول عربية شاركت في هذه الحرب وتقديم السلاح في هذه المعركة بينها سلاح النفط، كما ساهمت اليمن الجنوبي حينها في إغلاق مضيق باب المندب أمام حركة الملاحة الإسرائيلية كمساهمة منها في هذه الحرب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى