من معارك المسلمين

> غزوة بدر (ج1)

تسمّى غزوة بدر بغزوة الفرقان، وغزوة بدر الكبرى، فبعد أن هاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المُنوّرة، وبدأ بإنشاء دولته، حرص على تحقيق ما يضمن الاستقرار نوعًا ما من معاهدات أبرمها مع بعض القبائل المحيطة بالمدينة، إلّا أنّ ذلك لم يضمن الاستقرار الكافي للمسلمين، سواء داخل المدينة، أو خارجها؛ فاليهود وبعض المشركين يعيشون بينهم، وعلاقة قريش بالقبائل المجاورة قويّة، كما أنّ القتال كان لا يزال ممنوعاً على المسلمين، ومنهاجهم الإعراض عن المشركين، فنزل قوله تعالى:((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ)).[الحج:39]

 ثمّ تغيّر الوضع من كفٍّ وإعراضٍ عن المشركين إلى السماح بقتالهم، وقد سمع رسول الله باقتراب قافلة قريش العائدة من الشام ويرأسها أبو سفيان، فقرّر مهاجمتها، إذ إنّ هذه القافلة كانت مُحمَّلة بأموالٍ لقريش، وخرج مع ثلاثمئة وبضعة عشر رجلًا، وكان معهم من البعير والخيل سبعون بعيرًا، وفَرَسان اثنين، الأول للزبير، والثاني للمقداد بن الأسود، آخذين بعين الاعتبار أنّ ذلك سيكون ضربة لاقتصاد قريش، حيث لم يكن يحمي القافلة سوى أربعون رجلًا، أو نحو ذلك، ورأى النبي أنّ مهاجمة قوافل قريش المُتّجِهة إلى الشام هو الحلّ الأنسب للقوّة الإسلاميّة من حيث العدد والعُدّة، وضمان الرجوع السريع إلى المدينة، نظرًا لأنّ هذه القوافل تَمُرّ بالقُرب منها، ولِكونه القائد الأعلى للجيش الإسلامي، اهتمّ بالاستعداد للمواجهة، وذلك بتنظيم الجيش، وإرسال العيون، لاستطلاع الأخبار، ثمّ توزيع المَهامّ على أصحابه، حيث  استخلف ابنَ أم مكتوم على المدينة ، ثمّ أعاد أبا لبابة بن المنذر إلى المدينة، واستخلفه عليها عندما وصل إلى الروحاء. 

وعَيّن مصعبَ بن عُمير قائدًا للواء المسلمين، وكانت راية اللواء بيضاء اللون، قسّم جيشَه إلى كتيبتَين: مهاجرين، وأنصار، وكلّف عليًّا بن أبي طالب بحمل علم المهاجرين، وسعدًا بن معاذ بحمل علم الأنصار، وعَيّن الزبيرَ بن العوّام قائدًا لميمنة الجيش، والمقدادَ قائدًا لميسرته، تحرُّك الجيش الإسلاميّ بدأ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بالمسير مع جيشه على الطريق الرئيس المُؤدّي إلى مكّة المُكرّمة، ثمّ انحرف إلى اليمين باتِّجاه منطقة النازية قاصدًا مياه بدر، وقبل وصوله إليها، في منطقة الصفراء بَعث بسبس بن عمرو الجهنيّ، وعديّ بن أبي الزغباء الجهنيّ إلى بدر يتحسّسان أخبار القافلة، ووصلت الأخبار إلى أبي سفيان بأنّ رسول الله خرج مع أصحابه؛ للإيقاع بالقافلة، فبعث ضمضم بن عمرو إلى مكة يستصرخ أهلها؛ لحماية القافلة. إلّا أنّ أبا سفيان لم ينتظر وصول المَدد من أهل مكة، بل بذل أقصى ما لديه من دهاء وحنكة للهروب من جيش الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فعندما اقتربت قافلته من بدر سَبَقها، ولَقِيَ مجدي بن عمر وعَلِم منه بمرور راكبين بالقُرب من بدر، فسارع أبو سفيان بأخذ بعض فضلات بعيرَيهما، ووجد فيها نوى التمر، فعَلِم أنّ جيش النبيّ قريب من بدر، لأنّه علف أهل المدينة، ممّا جعله يسارع إلى القافلة مُغيِّراً اتّجاهها تاركاً بدراً يساره، فنجت القافلة.

سمع أهل مكّة بما جاء به (ضمضم) رسول أبي سفيان ، وسرعان ما تجهّزوا، وخرجوا إليه في ما يُقارب الأَلْف مقاتل، منهم ستمئة يلبسون الدروع، أمّا البعير والخيل فكان معهم منها سبعمئة بعير، ومئة فرس، وعلى الرغم من أنّ أبا سفيان أرسل إليهم خبر نجاة القافلة، وأخبرهم بالرجوع، إلّا أنّ أبا جهل رفض الرجوع، وعزم على المسير بالجيش إلى أن يصل بدراً، فيقيمون هناك ثلاثة أيام يأكلون، ويشربون، ويُغنّون حتى تسمع بهم قبائل العرب جميعها، بهدف فرض السيطرة والهَيبة لقريش، وتدعيم مكانتها.

أراد رسول الله أن يصل أوّلاً إلى مياه بدر، ليمنعَ المشركين من الاستيلاء عليها، وبعد أن اقترب من أدنى ماء من بدر، نزل بها، وكان قد علم الحبّاب بن منذر من رسول الله أنّ المَنزل الذي نزله الجيش هو من باب الحرب، وليس أمراً من الله لا يُمكن تجاوزه، فأشار عليه بخُطّة مُحكَمة مَفادها أن ينزل الجيش بأدنى ماء من المشركين، ويُبنى عليه حوض يُملَأ بالماء ليشرب المسلمون منه دون المشركين، فأخذ رسول الله بمشورته. ونزل الجيش الإسلاميّ المَنزل الذي أشار إليه الحبّاب بن منذر، وتَحسُّباً للطوارئ اقترح سعد بن معاذ بناءَ مَقرٍّ للقيادة، بهدف الحفاظ على حياة الرسول برجوعه إلى أصحابه في المدينة فيما لو هُزِم المسلمون، فتَمّ بناؤه على تَلٍّ مُرتفع يُطِلّ على ساحة المعركة، وتَكفّل سعد بن معاذ مع شباب من الأنصار بحمايته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى