فوائد الاستقراء ومخاطر الاستنباط في الحالة السياسية

> الحالة السياسية في ما لا يزال يعرف حتى اليوم بـ "الجمهورية اليمنية" هي جسم حي يتفاعل مع كل المتغيرات داخلية كانت أم خارجية، ومن الملاحظ أن شدة التفاعل تتأثر بمدى قوة الجذب والدفع التي تتعرض لها.

في هذا الحيز سأحاول تبيان أهمية موقفين يؤثران بشكل مباشر على أداء شركاء هذه الحالة السياسية:

الموقف الأول ويجسد منطق "الاستنباط" الذي ينظر إلى الواقع السياسي منطلقاً من مفاهيم وقوالب مسبقة ولا يحيد عنها قيد أنملة.

أما الموقف الثاني ويستند إلى منطق "الاستقراء" الذي ينظر لديناميكية ومتغيرات الحالة السياسية وهو منطق يعارض استجلاب وتكرار القوالب الجامدة الصورية في الموقف السياسي.

فماذا يعني الاستقراء والاستنباط في الحالة السياسية؟

منطق الاستنباط في الحالة السياسية يهتم بإسقاط المفهوم على الواقع دون الالتفات لأي متغيرات في هذا الواقع، وكأنما الصورة أو النظرية التي يتم إسقاطها على الواقع ستكون قادرة على استيعابه دون حشر أو تضييق، تماماً مثلما يفترض بائع الأقمشة أن نوعاً من القمصان يجب أن يلائم كل الأجسام في كل الأوقات.

السياسيون المناصرون والممارسون لمنطق الاستنباط يتمسكون بالنظرية أو ما يسمونه "الثوابت" ولا يترددون في تخوين كل من يحاول مناقشتها أو التشكيك بالنظرية.

أمامنا مثل التشدد في ثوابت "المرجعيات الثلاث" و "نظرية الوحدة أو الموت" التي ملأت المساحة السياسية والإعلامية ومازالت، وهي ما يمكن اعتباره كمثل لحالة التفكير الاستنباطي الصوري في الحالة السياسية في "الجمهورية اليمنية".

إذن منطق الاستنباط هو إسقاط النظرية على الواقع دون الالتفات إلى احتمال أو إمكانية تخلف النظرية عن الواقع تماماً مثلما لم يعد قميصها يناسب جسم الحقيقة.

وفي الجهة المقابلة لا يستند منطق الاستقراء على رؤى أو نظريات مسبقة، فهو منطق متحرك يستقي مكوناته من الجزيئات التي تعتمل على أرض الواقع لتكون المفهوم الأشمل أو الهدف الأكبر. هذا المنطق يستجيب للتطورات المتسارعة التي تشهدها الحالة السياسية والتعامل معها بمرونة دون الارتطام بقوالب نظرية جامدة.

ومن المشاهدات التطبيقية على استخدام المنطق الاستقرائي الواقعي هي تلك الاستراتيجية التي انتهجها وينتهجها المجلس الانتقالي ومشاركته في مشاورات الرياض مؤخراً وأيضاً حضوره القوي في تشكيلة مجلس القيادة الرئاسي، وهو بذلك الموقف يبدي مرونة وتفاعل عالي المستوى مع متغيرات الواقع السياسي، ولم يثبط مواقفه وتحركاته في قوالب النظرية التي يحاول تحديثها لتلائم اهدافه الاستراتيجية كمحصلة نهائية. هذا مثل واضح في الحالة السياسية للتدليل على إمكانية استيعاب المتغيرات السياسية وتوظيفها إيجابياً لصالح الاستراتيجيات الكبرى، وهي بالأساس طريقة ناجحة لاستقراء جزيئيات المتغيرات ومحاولة صياغتها بطريقة تجعل جسم الواقع يفرض قياس الرداء الذي يستحق أن يرتديه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى