​التلوث في اليمن... مبيدات محظورة تدمر البيئة وتقتل النحل

> «الأيام» وجدي السالمى*

>
أثرت الحرب الدائرة في اليمن على قطاع الزراعة وخاصة في مجال المبيدات، إذ تراجعت عمليات الرقابة على استيرادها في ظل عدم قدرة حكومتي صنعاء وعدن على منع دخول أنواع محظورة ومهربة تسببت في تدمير البيئة وقتل النحل.

فقد الأربعيني اليمني غلاب الحكمي 10 خلايا نحل من بين 135 خلية يملكها، في مارس الماضي، بعد رش مبيدات في مزارع القات المجاورة للمنحل بمديرية القفر في محافظة إب (وسط اليمن)، وبدلًا من الحصول على 300 كيلوغرام من العسل في الموسم، بات الحكمي يتوقع إنتاج 47 كيلوغراما، حسب ما يقول، مضيفًا :"قمت بإجراءات لإنقاذ المتبقي من الخلايا، عبر نقلها إلى مكان آخر وشراء المزيد من النحل، واستبدال الملكات الضعيفات".

انخفاض إنتاج العسل إلى 1580 طنا بعدما كان 2381 طنا
انخفاض إنتاج العسل إلى 1580 طنا بعدما كان 2381 طنا

ويرعى النحل على أشجار السدر والسمر، وفي مزارع المانجو والفرسك (نوع من الخوخ) والرمان والبرتقال والقات، بحسب النحال الحكمي الذي خسر وزملاءه خلاياهم جراء تفاقم ظاهرة رش المبيدات، ما أسفر عن نفوق 105 آلاف خلية في 6 محافظات، هي "صنعاء، تعز، الحديدة، ذمار، حجة، وعمران" خلال الفترة من عام 2015 حتى 2021، وفق تأكيد هلال محمد الجشاري، مدير إدارة وقاية النبات بوزارة الزراعة في حكومة صنعاء (تابعة للحوثيين).

ويستخدم المزارعون مبيدات حشرية، مثل أسيتامبريد Acetamiprid الذي ينتج تحت أسماء تجارية مثل Assail وChipco، وهذا النوع هو الأخطر، لأن مكوناته تنتشر وتصل إلى كل أجزاء النبات، وبسببها تنفق الحشرات التي تقوم بعملية تلقيح النباتات مثل النحل، كما يستخدم المزارعون المبيدات الملامسة (تقتل الحشرات التي تتحرك، أي تلامس السطح المعالج)، مثل دلتامثرين Deltamethrin وهو مركب كيميائي سام يستخدم مبيدًا حشريًا يعمل عن طريق تسميم الجهاز العصبي لدى الحشرات، حسب ما يقول المهندس رفيق محمد الحكيمي، عضو مجلس إدارة الرابطة التعاونية للنحالين اليمنيين، مضيفًا:"يؤدي جمع النحل الرحيق الملوث بالمبيدات إلى تسممه ويموت قبل وصوله إلى الخلية، وفي حالة استخدام مبيدات بطيئة التأثير، ينقل النحل الرحيق ويخزنه في الخلية، لكنه يموت داخلها، ما يؤدي إلى انهيار الخلية نتيجة تراكم النحل الميت داخلها".

التأثير على سلاسل الإنتاج

تناقص عدد خلايا النحل من مليون و322 ألف خلية في عام 2014، ووصل إلى مليون و197 ألف خلية في عام 2018، يمتلكها 100 ألف نحال يمني يعتمدون عليها في معيشتهم، بحسب بيانات تقرير صادر عن الأمم المتحدة في أغسطس 2020 بعنوان "التأثيرات المحتملة لكوفيد - 19على سلاسل إنتاج العسل"، وتتراوح خسارة النحالين نتيجة رش المبيدات في المزارع ما بين20 % وحتى 100 % من الخلية، بحسب المهندس الحكيمي، الذي يقول "على مدار 35 عامًا من عملي، شاهدت تعرض المناحل لأضرار، لكني لم أشاهد نفوقًا للنحل بهذه الحدة في مختلف مناطق البلاد".


و"بدأ الأمر بملاحظة تشكل كتل دبقة (لزجة) من النحل الميت أمام مدخل الخلية، بسبب محاولة النحل التخلص من الرحيق السام، إضافة إلى ترنح النحل المصاب خلال الطيران"، كما يشرح الحكيمي قائلًا :"تصاعدت الظاهرة منذ عام 2016، لكن الأمر تفاقم بشكل خطير منذ عام 2020 ".
وقتلت المبيدات 15 ألف خلية نحل بمحافظة ذمار (جنوب صنعاء) في إبريل 2020، وفي عام 2021، نفقت 942 خلية جراء رش المبيدات في مديريات صوير، العصيمات، والسوادية بمحافظة عمران (شمال اليمن)، فيما نفق، خلال الفترة بين يوليو  وأكتوبر 2021، نحو 1200 خلية نحل في مناطق حرض وميدي ووادي حيران ومستبا، وكحلان، وعفار، في محافظة حجة (غربي البلاد)، بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات الزراعية، بحسب المهندس الحكيمي.

وخلال نوفمبر 2021، تضرر 100 نحال بمنطقة دبُع في مديرية الشمايتيين بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، جراء تسمم خلايا النحل بالمبيدات، كما نفقت في مديرية ماوية شرق مدينة تعز 270 خلية خلال عامي 2019 و2020، ونفق نحو 3500 خلية نحل خلال الفترة من 2015 وحتى 2021 في مديريتي شرعب السلام والتعزية شمالي محافظة تعز، بسبب رش المبيدات الزراعية، بحسب ما أكده رضوان حزام، رئيس جمعة النحالين في التعزية وشرعب بمحافظة تعز.


ولا يقتصر التهديد على المبيدات، إذ تنبه مذكرة موجهة من الرابطة التعاونية للنحالين اليمنيين إلى مكتب وزارة الصحة التابع للحوثيين بمحافظة تعز، في 26 يونيو/ حزيران 2019، إلى تلقي الرابطة شكاوى من النحالين بمحافظة تعز من تعرض نحلهم للموت جراء حملات الرش التي ينفذها مكتب وزارة الصحة لمكافحة البعوض في المحافظة.

خسائر كبيرة

يجب التنسيق بين المزارع والنحّال قبل عملية رش المبيدات، وفق المادة رقم 16 من القرار الوزاري رقم 16 لسنة 2018، بشأن نظام تربية النحل، والتي تنص على "إبلاغ النحالين الموجودين في مناطق الرش قبل 5 أيام من بدء الحملة، لأخذ الاحتياطات اللازمة لوقاية النحل من التسمم بالمبيدات، ويجب الرش بعد غروب الشمس لتجنب الأضرار المباشرة على النحل"، وهو ما لا يعمل به وفق ما وثقه معد التحقيق عبر إفادات النحالين، ومنهم الحكمي الذي أكد عدم إبلاغ المزارعين لهم بمواعيد رش مبيدات في مزارعهم.


وأثر نفوق النحل على إنتاج العسل، إذ "انخفض من 2381 طنا في عام 2018، بحسب كتاب الإحصاء الزراعي السنوي لعام 2018 الصادر عن وزارة الزراعة التابعة لحكومة الحوثيين في مارس 2019، ووصل إلى 1580 طن في عام 2020، وفق تقرير "التأثيرات المحتملة لكوفيد - 19على سلاسل إنتاج العسل"، ويعزو التقرير انخفاض الإنتاج إلى نفوق النحل بسبب التلوث بالمبيدات، وبحسب المهندس الحكيمي، فإن الإنتاج تراجع إلى مليونين و380 ألفًا و567 كيلوغرامًا في عام 2018 بعد أن كان مليونين و646 ألفًا و617 كيلوغرامًا في عام 2014، وهو ما يعاني منه النحال الثلاثيني سامي عبد الله، الذي يعمل منذ 15 عامًا في محافظة إب، متوقعا أن يفقد 60 % من إنتاج العسل هذا العام، بعدما نفقت 170 خلية نحل من بين 300 خلية يملكها، مضيفًا:"نقلنا الخلايا من منطقة الشريجة بمحافظة لحج (جنوبي اليمن) إلى منطقة نقيل القاعدة بمحافظة إب في ديسمبر 2021، وبعد أيام، تلقيت خبر نفوق خلايا من نحلي بسبب رش المبيدات على المحاصيل الزراعية القريبة من النطاق الجغرافي للنحل".

مبيدات محظورة في الأسواق

أجرى معهد التحقيق مسحًا ميدانيًا استهدف 22 محلًا لبيع المبيدات الزراعية في محافظتي تعز وإب، وتأكد من تداول 7 أنواع محظورة، وهي"ميثوميل، ميتيداثيون، بيفنثرين، دايميثويت، سايبرمثرين، مانكوزب وهكساكونازول"، تحت 97 اسمًا تجاريًا، ويقول تاجر المبيدات في مدينة تعز محمد سعيد (اسم مستعار كونه يبيع أنواعًا محظورة)، إن الطلب على المبيدات المهربة مرتفع بسبب سميتها العالية وتأثيرها القوي.


ويجرى التحايل على الجهات المختصة بالرقابة والتفتيش من خلال قيام المهربين بتصميم ملصقات تحتوي على بيانات ومعلومات مزيفة بأن المبيد يعد من الأنواع المسموح تداولها، ليوزّع بهذه الطريقة، ولا يُكشف عن ذلك إلا في حالة الاختبار المعملي، وفق التاجر سعيد.

وجرى استيراد 6 ملايين ليتر من مبيدات "سايبرمثرين Cypermethrin ، ودايميثوات dimethoate" (تستخدم في رش أشجار القات)، رغم أنها محظورة، بين أعوام 2015 و2020، ويدخل إلى السوق 1000 مركب تجاري من المبيدات من دون دراسة الكفاءة الحيوية أو الإبادية، ويفترض أن تقوم بالأمر لجنة تسجيل المبيدات في وزارة الزراعة عبر اختبار كفاءة المبيد والتأكد من كونه لا يضر بالبيئة وصحة الإنسان، بحسب تأكيد المهندس عبد الله الأمير، العضو السابق في لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة في صنعاء، والذي يقول:"الفوضى الكبيرة في قطاع المبيدات لا تؤثر فقط على النحل بل على البيئة والإنسان".

غياب الرقابة

تصنف وزارة الزراعة مبيدات الآفات الزراعية إلى ثلاثة أنواع شديدة السمية (محظورة) وعددها 332 نوعًا، ومبيدات آمنة ومصرح بها وعددها 760 نوعًا، ونوع ثالث يقيد استخدامه بشدة ويشترط أن يكون تحت إشراف فني ومهندس زراعي وعددها 208 أنواع، وفق توضيح المهندس الأمير.

لكن الدكتور عبد الرحمن ثابت، أستاذ سمّية المبيدات وتلوث البيئة بكلية الزراعة في جامعة صنعاء الحكومية، يقول إن تصنيف وزارة الزراعة في صنعاء أو عدن في الوقت الحالي لا يعتد به، لأسباب منطقية، وأبرزها أن إدارة وقاية النبات بوزارة الزراعة في عدن التابعة للحكومة الشرعية لا تمارس نشاطها، وذات الإدارة بوزارة الزراعة التابعة لحكومة الحوثيين في صنعاء لا تقوم بعملية الفحص المخبري العلمي، بسبب توقف أعمال المختبرات نتيجة عدم قدرتها على إجراء التحاليل والاختبارات المعملية للمبيدات المستوردة وعدم توفر المواد والمحاليل والمذيبات المختبرية الكيمائية، لذلك تُصنف مبيدات على أنها مسموحة رغم أنها خطيرة، وتقتل هذه الممارسة النحل والعديد من الكائنات المفيدة الأخرى.

لكن من يتحمل مسؤولية رش المبيدات التي تتسبب في نفوق النحل؟ يجيب المهندس الحكيمي بالقول:"المسؤولية مشتركة بين المزارعين والنحالين والسلطات الحكومية، إذ يتوجب على المزارعين إبلاغ النحالين قبل عمليات الرش، ويتوجب على النحالين الابتعاد عن المزارع التي ترش فيها المبيدات الزراعية، ومسؤولية السلطات الحكومية تتمثل في التطبيق الصارم للقوانين المنظمة عملية تداول المبيدات الزراعية، وتمكين فروع وزارة الزراعة بالقيام بعملية تفتيش مستمرة".

*"العربي الجديد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى