حول الجهة المختصة باعتماد القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي

> ثار جدل قانوني حول تحديد الجهة المختصة باعتماد القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي، فرأى البعض أن رئيس مجلس القيادة هو المختص باعتمادها، بينما رأى آخرون أن مجلس القيادة الرئاسي المكوّن من رئيس وسبعة أعضاء هو المختص بذلك الاعتماد

تمهيد
ومن الطبيعي أن نعالج هذا الموضوع على ضوء أحكام الدستور وتعديلاته ذات الصلة ويجدر بنا في هذا المقام الإشارة إلى التطورات السياسية التي مرت بها البلاد منذ عام 1990م وحتى اليوم، والتي أدت إلى إجراء عدد من التعديلات على دستور 1991 اتسمت بعضها بكونها صادرة وفقًا لأحكام تعديل الدستور، بينما تمت تعديلات أخرى خلافًا لقواعد تعديله، ومن أبرزها تلك التعديلات التي تمّت في عام 1994 في أعقاب الحرب التي جرت صيف ذلك العام، والتي اعتبرت لكثرتها بمثابة دستور جديد، ومن بينها إلغاء مجلس الرئاسة الذي كان ينص عليها دستور عام 1991م واستبداله بمنصب رئيس الجمهورية.

ونتج عن الأزمة السياسية والأحداث العنيفة التي رافقتها عام 2011 إطلاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي أدخلت تعديلات مؤقتة تسري خلال مرحلة انتقالية كان من نتائجه تسليم رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، الذي تولى بعدئذ الحكم في أعقاب انتخابات رئاسية جرى التوافق فيها على أن يكون المرشح الوحيد فيها خلافًا لأحكام الدستور، الذي ينص على إجراء انتخابات تنافسية، وقد قاطعت الأغلبية الكبيرة من المواطنين في المحافظات الجنوبية هذه الانتخابات لتأييدهم الكاسح للحراك الجنوبي القائم آنذاك.

وبالإضافة إلى هذه التعديلات تعرضت أحكام الدستور إلى تعديلات أبرزها تطور الوضع السياسي بعد حرب 2015 الذي تبلور من ناحية بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، وبروز دوره الكبير على الساحة السياسية والأمنية وما أثاره هذا المجلس من ردود أفعال عنيفة تجسدت بصراع قصير الأمد عام 2019 نتج عنه توقيع اتفاق الرياض الشهير.

وقد أدت التطورات السياسية التي أعقبت اتفاق الرياض إلى تنظيم مجلس التعاون الخليجي مشاورات دعا كافة الأطراف اليمنية للمشاركة فيها بما فيها حركة أنصار الله المعروفة بالحوثيين الذين رفضوا الحضور، وعليه اقتصرت المشاركة فيها على الأطراف التي تخوض الحرب ضد الحوثيين، ونتج عن هذه المشاورات تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي فوضه رئيس الجمهورية بممارسة كافة صلاحياته وصلاحيات نائبه تفويضًا لا رجعة عنه.

وعلى ضوء هذه التطورات السياسية والأمنية أصبح لدينا ثلاث وثائق دستورية لا غنى لنا عنها، عند قيامنا بتحديد الجهة المختصة دستورًا باعتماد القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي والتي أصبحت مثار جدل بين بعض الأوساط القانونية.

رأينا في تحديد الجهة المختصة بوضع هذه القواعد:

أولًا: عرض القواعد الدستورية لهذه المسألة.

نجد أن هذه القواعد متناثرة في نظامنا الدستوري في وثائق دستورية ثلاث، يتسم بعضها ونعني بالتحديد أحكام الدستور بالديمومة وعدم التوقيت بينما تتسم الوثيقتين الأخريين وهما الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وقرار رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، ونقل السلطة الذي سنشير إليه بقرار نقل السلطة بالتوقيت لكونهما لا يسريان حسب نصوصهما إلا خلال فترة مؤقتة هي الفترة الانتقالية التي لا زالت سارية حتى اليوم.

والملاحظة الهامة الأخرى أن هاتين الوثيقتين ونعني تحديدًا الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وقرار نقل السلطة لم تلغيا مواد الدستور، بل علقتا فقط بعض أحكامه خلال الفترة الانتقالية وحسب، وعليه سنتناول تحديد تلك الجهة المختصة على ضوء أحكام كل وثيقة من تلك الوثائق الدستورية الثلاث

أولا: وفقًا لأحكام الدستور

نشير أولًا إلى أن مشروع أي قانون يمر وفقًا للدستور بعدة مراحل قبل أن يصبح ملزمًا لكافة المواطنين والجهات الرسمية

أ - إقرار القانون

تحصر المادة 100 من الدستور حق التصويت على مشاريع القوانين أي إقرارها بمجلس النواب وحده دون غيره، ويعتبر القانون مقرًّا إذا كانت نتيجة التصويت تبنيه بالإجماع أو بالأغلبية ويعتبر إقرار مجلس النواب للقانون بمثابة شهادة قانونية على اكتساب مشروع القانون صفة القانون المكتمل الأركان

ب - إصدار القانون

ولكن إقرار مجلس النواب للقانون لا يفيد أي الجهات التنفيذية في الدولة ملزمة بتطبيق أحكامه لأن هذا الإلزام لأجهزة وأفراد السلطة التنفيذية يحتاج إلى أمر من رئيس الجمهورية أي رئيس السلطة التنفيذية يلزم تلك الأجهزة والأفراد بتطبيق أحكام القانون وتنفيذه. ويرتدي هذا الأمر صيغة قرار جمهوري بإصدار القانون وفقًا لصلاحية رئيس الجمهورية في الفقرة 8 من المادة 119 من الدستور التي تخوله صلاحية إصدار القوانين

ج - نشر القانون

والمرحلة الأخيرة تتجلى بإلزام كافة المواطنين باحترام القانون وعدم مخالفة أحكامه. ومن الناحية القانونية يعتبر القانون ملزمًا لكافة المواطنين من التاريخ المحدد قانونا لسريانه. ولا يعتد بهذا التاريخ الادعاء بالجهل بالقانون لأن نشره يعد قرينة قانونية على معرفة كافة المواطنين به.

وفيما يتعلق بموضوعنا يكون رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور هو المختص بإصدار القانون ونشره ويكون مجلس النواب هو المختص بالتصويت عليه أي بإقراره.

ثانيًا: وفقًا للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية

جاءت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بتعديل بعض أحكام الدستور تسري كما قلنا خلال المرحلة الانتقالية وتلزم هذه الآلية مجلس النواب باتخاذ قراراته ومنها قراره بنتيجة التصويت على مشاريع القوانين بالتوافق بين أعضائه. ولكن إن لم يتوصلوا إلى التوافق فتلزم الآلية المذكورة رئيس مجلس النواب برفع الأمر لرئيس الجمهورية للبث فيه بقرار ملزم.

وتنص هذه الآلية على صلاحية رئيس الجمهورية المنتخب بممارسة جميع المهام الاعتيادية المناطة به على النحو المنصوص عليه في الدستور، ويمارس مهام التنفيذ التي تشمل أيضًا تأسيس عملية للإصلاح الدستوري وتعالج هيكل الدولة والنظام السياسي وعرض الدستور بعد تعديله على الشعب في استفتاء.

وعليه وفقًا للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية يشترط على مجلس النواب أن يتم إقرار القانون بالتوافق بين أعضائه وليس بالتصويت فإن لم يتوصلوا للتوافق يرفع الأمر لرئيس الجمهورية للبث فيه.

ثالثا: وفقًا لقرار رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل السلطة.

صدر قرار رئيس الجمهورية الخاص بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي وتحديد اختصاصاته واختصاص رئيسه ووضع قواعد أساسية تحكم سير عمله وطريقة التصويت على اتخاذ قراراته. وبالإضافة إلى ذلك نص هذا القرار على تشكيل الفريق القانوني واختصاصه في وضع القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي وتقديم المشورة لمجلس القيادة الرئاسي عند طلب رئيس المجلس منه ذلك.

ومن قراءة نصوص هذا القرار يتضح أنه قد ألغى عمليًا دور رئيس الجمهورية وأشدد على القول إن هذا القرار قد أقام عند ممارسة مجلس القيادة الرئاسي لصلاحيات ومهام رئيس الجمهورية المفوض بها رسميًا نظام المجلس الرئاسي بدلاً من نظام رئيس الجمهورية، الذي مع ذلك لم يلغ منصبه من الناحية الشكلية الرسمية.

ونستند في رأينا هذا على الأدلة التالية:

1 - إن الفقرة من المادة الأولى من القرار توضح أن رئيس الجمهورية قد فوض مجلس القيادة الرئاسي بكامل صلاحياته وفقًا للدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بصورة لا رجعة فيها.

2 - تلزم الفقرة من المادة الأولى مجلس القيادة الرئاسي بمبدأ القيادة الجماعي وإلى السعي لتحقيق أقصى درجة من التوافق.

3 - تحدد الفقرة ز من المادة الأولى من قرار نقل السلطة ثمانية اختصاصات لرئيس مجلس القيادة الرئاسي وليس من بين هذه الاختصاصات إصدار القوانين أو نشرها.

4 - تضع الفقرة ك من المادة الأولى وفقراتها الفرعية 1 و 2 و 3 و 4 القواعد التي ينبغي على مجلس القادة اتباعها عند اتخاذ قراراته وأولى هذه القواعد تنص على اتخاذ القرارات في المجلس بالتوافق بين أعضائها (الفقرة ك ).

- عند عدم التوصل إلى توافق يتخذ القرار بالأغلبية البسيطة، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي صوت إليه رئيس المجلس (الفقرة الفرعية 1 من الفقرة ز للمادة الأولى من القرار).

- إذا تعذر الوصول إلى أغلبية بسيطة يعقد اجتماع مشترك مع هيئة رئاسة لجنة التشاور والمصالحة الفقرة الفرعية 2 من الفقرة ك من المادة الأولي للقرار).

- تتخذ القرارات في الاجتماع المشترك بالأغلبية البسيطة وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه رئيس المجلس (الفقرة الفرعية 3 من الفقرة ك للمادة الأولي للقرار)

- وإذا تعذر الوصول إلى أغلبية بسيطة في الاجتماع المشترك يحسم رئيس مجلس القيادة الرئاسي القرار (الفقرة الفرعية 4 من الفقرة ك للمادة الأولي من القرار).

- الفقرة ل من المادة الأولى تنص على أن يصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي المراسيم والقرارات لإنفاذ قرارات المجلس خلال 24 ساعة بعد التصويت عليها.

- ونلاحظ في هذا الصدد أن قرار رئيس الجمهورية في الفقرة ل ينص على صلاحية رئيس مجلس القيادة الرئاسي القرار بإصدار المراسيم والقرارات لإنفاذ قرارات المجلس ولكن قرار نقل السلطة لم يحدد المجالات التي تندرج فيها صلاحية رئيس مجلس القيادة الرئاسي بإصدار المراسيم.

- كما نلاحظ الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية قد سنّت قبل صدور قرار نقل السلطة سنة إصدار رئيس الجمهورية المراسيم دون توضيح المجالات التي تنظم بمرسوم يشملها وتعبير المرسوم تعبير لم يستخدمه المشرع الدستوري اليمني كما لم يتبعه العرف الدستوري اليمني، ونعتقد أن المقصود منه التفرقة بين المجالات التي تنظم بواسطة إصدار قرار يسمى قرار رئيس الجمهورية والمجالات التي تنظم بقرار يسمى قرار جمهورية يصدره رئيس الجمهورية وذلك حسبما هو متبع في الدستور والعرف الدستوري اليمني

- ونلاحظ أخيرًا أن الفقرة أ من المادة الثالثة من القرار تنص على تشكيل الفريق القانوني وتعهد إليه مسألة صياغة القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي وهيئة التشاور والمصالحة والفريق الاقتصادي ورفعها إلى رئيس مجلس القيادة الرئيسي لاعتمادها وتصدر بقانون.

كما أوكل للفريق القانوني مهمة تقديم رأيه الاستشاري لمجلس القيادة الرئاسي بناء على طلب رئيس المجلس

ونرى في هذا الصدد أن الفريق القانوني ملزم بوضع قواعد فرعية لتوضيح أحكام القواعد المنظمة لسير عمل المجلس وطريقة اتخاذ قراراته شريطة انه من الطبيعي ألا يتعدى الفريق القانوني إلى المساس بتلك القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي المنصوص عليها في قرار نقل السلطة أو أن تكون هذه القواعد الفرعية مناقضة أو متصادمة أو متعارضة أو لا تنسجم مع القواعد المنظمة لأعمال المجلس المنصوص عليها في قرار نقل السلطة.

ب: رأينا الدستوري في تحديد الجهة المختصة باعتماد القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي

حيثيات الرأي
- حيث إن قرار رئيس الجمهورية نقل كامل صلاحياته وصلاحيات نائبه إلى مجلس القيادة الرئاسي.

- وحيث إن قرار رئيس الجمهورية المشار إليه يلزم مجلس القيادة بمبدأ القيادة الجماعية وتحقيق أقصى قدر من التوافق بين أعضائه.

- وحيث إن قرار رئيس الجمهورية قد حدد طريقة اتخاذ القرارات في مجلس القيادة الرئاسي وفي الاجتماع المشترك.

- وحيث إن قرار رئيس الجمهورية قد حدد ثماني اختصاصات حصرية لرئيس مجلس القيادة يمارسها وحده دون غيره ليس من بينها اعتماد القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي.

- وحيث إن إقرار القواعد المنظمة لسير عمل مجلس القيادة الرئاسي يمس صميم عمله بل ومصير قرارات مجلس القيادة الرئاسي.

- وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بنقل كامل صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي إلا ما استثني هي بالتحديد اختصاصات ثمانية أوكلت لرئيس هذا المجلس ليس من بينها أي اختصاص يتعلق باعتماد القواعد المنظمة لأعمال المجلس المذكور.

- وحيث إن الفقرة ل من المادة الأولي تلزم رئيس مجلس القيادة باتخاذ المراسيم والقرارات لإنفاذ قرارات المجلس خلال 24 ساعة من التصويت عليها.

- وحيث إن التفسير القانوني لكلمة اعتماد القواعد المنظمة للمجلس يقصد بها في رأينا وفقًا للحيثيات أعلاه هو إقرار تلك القواعد بقرار يصوت عليه المجلس.

- ونظرًا لأن قرار نقل السلطة قد ألزم المجلس المكوّن من رئيسه وسبعة أعضاء سماهم بالاسم بمبدأ القيادة الجماعية.

- وحيث إن قرار نقل السلطة نص على أن تصدر هذه القواعد بقانون.

- وحيث إن كافة التعديلات الدائمة والمؤقتة على الدستور لم تمس صلاحية مجلس النواب بالتشريع إلا وفقًا لما أوردته الآلية التنفيذية المشار إليها آنفا.

- وحيث إن مجلس النواب ملزم بموجب الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بأن يتخذ قراراته بالتوافق لا بالتصويت، فإن لم يتم التوصل إلى التوافق بين أعضائه يرفع الأمر إلى رئيس الجمهورية للبث فيه.

- وحيث إن رئيس الجمهورية قد فوّض مجلس القيادة الرئاسي بكامل صلاحياته بما فيها تلك الصلاحيات التي تنص عليها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ومنها حسم موضوع القانون الذي لم يتم التوصل إلى توافق بشأنه بين أعضاء مجلس النواب.

ولكل هذه الأسباب نرى ما يلي:

يختص مجلس القيادة الرئاسي باعتماد ما يتوصل إليه الفريق القانوني من قواعد منظمة لأعمال المجلس وفقًا للأسباب والحيثيات أعلاه

كالجري في الأول من يونيو 2022

تنبيه
> كتبت هذا المقال قبل اطلاعي على ما سرب من مشروع قانون حول القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي ومذكرته التفسيرية وأن رأيي الذي أوردته حول هذا الموضوع يتفق مع ما أوردته المذكرة التفسيرية من أن مجلس القيادة الرئاسي يبت في مسألة هذه القواعد إما بالموافقة أو بالتعديل أو بالرفض اقترح أن يكون اعتماد رئيس مجلس القيادة الانتقالي للقواعد المشار إليها على النحو التالي (يعرض رئيس مجلس القيادة الرئاسي على المجلس مسودة القواعد القانونية المنظمة للمجلس وهيئة التشاور والمصالحة والفريق الاقتصادي والفريق القانوني إما بالموافقة عليها أو بتعديلها وينفذ رئيس مجلس القيادة الرئاسي قرار المجلس بصيغة "يعتمد رئيس مجلس القيادة مشروع القانون حسب قرار مجلس القيادة الرئاسي الصادر بتاريخ      .....)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى