في عدن حرب لم تجد مقاومة

> مسكينة مدينة عدن أنهت معاركها ضد الحوثي المعتدي الغاشم وقاتلته بضراوة مع عدم خبرتها بفنون القتال وخطط التكتيك العسكري وقلة المؤونة والذخائر وعدم خبرة أبنائها في القتال، وفوق ذلك سطرت أروع البطولات في المقاومة واستعادة الأرض وهزيمة المعتدي الغاشم.

انتصرت عدن في ليلة من ليالي الدهر التي لا تنسى في السابع والعشرين من رمضان، واحتفل أهلها بعيد الفطر وعيد النصر وعاد أهلها بشوق إلى إحيائها، جرت الحياة متسارعة في عروق عدن من جديد ونفضت غبار الحرب واكتست حلة جديدة يحذوها الأمل بالنصر على مخلفات الحرب بعد أن أنهكتها ويلات الحرب، عادت الإرادة والسيادة في عدن لأهلها، وأمسكوا بزمام الأمور.

وللأسف لم يفرحوا كثيرًا بالانتصار، أقحمتهم الأقدار في حرب شيطانية خفية لا أول لها ولا آخر، حرب ليس فيها عدو مباشر، ولا هجوم من جهة يستطيعون الرد عليها والتصدي لها، اختلط عليهم الحابل بالنابل ليس في طريقهم عدو ظاهر يجابهونه، لكن حربه وضرره أشد ضراوة من القتال بالدبابات والمدفعية.

أين رجال المقاومة من خطت دماءهم طريق الانتصار؟أين الذين حملوا السلاح وقاتلوا العدو الغاشم؟ أين هم والحرب في عدن على مصالحها في الخدمات الأساسية تتعرض لعدوان غاشم في الكهرباء والمياه والاتصالات والبنوك والمطارات والموانئ والمصافي والطرقات البرية والبحرية؟ حرب قلبت الانتصار حسرة وانكسار، حرب قهرت قلوب الأبطال ومكنت على رقابهم قوى لا تعلم من هم وإلى أي فصيل ينتمون وهل هم أصدقاء أم أعداء؟ لا يفقه أحدهم ما يدور حوله.

الأرض بأيدي أهلها والعدوان لم يتوقف والزحف الغادر نحوها يشتد ضراوة يهجم على الحقوق العامة والخاصة لا يتوقف على الإطلاق، اختلال وانتهاك صارخ للنظام والقانون في عدن على أيدي أبنائها وساكنيها، حدودها مشرعة وأبوابها مفتوحة على مصراعيها، نزوح ولجوء قانوني وغير قانوني مشبوه ومتلبس، زحام ورعب بين الأهالي ممن يفترشون الأرض لا مأوى لهم ولا هوية ولا تعريف ومحل إقامة، والأمن ينتشر في عدن بكثافة فعلًا بلا أثر من ضراوة المعتدي واختبائه المقنن والمتفنن.

يتعرض الأمن للغدر بين الفينة والأخرى لاعتداء تفجير وتدمير، وكل يوم تتعرض عدن للاغتصاب والنهب للحقوق والممتلكات، هجمات بشعة على الأراضي وعقارات الدولة، اختلاس وتزوير وتلاعب بالأرقام والبيانات، وفساد لم يترك مصلحة ولا مؤسسة ولا وزارة، حرب ضد عدن دون أن تجد مقاومة من أحد، أخفى رجال المقاومة الجنوبية أسلحتهم وعادوا إلى بيوتهم، والبعض منهم انتقل من بين صفوف المقاومة إلى متاهات وثغرات المقاولة يبيع ويشتري في سوق الأزمات وتجارة الحرب، لم يعد يتذكر عفة النفس وطهارة الروح والتضحية لأجل الله والدين والوطن..

ها هو اليوم سمسار محتال يدوس بأقدامه على كرامة الوطن وحاجة الشعب، مجهول لا يعرفه أحد ولا يرى بالعين المجردة، ينسل متخفيًا بين القوى اللاعبة في الساحة ينجز مشاريعه بأريحية يتلذذ بعذابات الناس، ينظر بسادية مريضة إلى مصالح الأمة تتهاوى لا كهرباء مستقرة ولا رواتب مستمرة ولا حياة تلبي احتياجات المواطن وتعفه عن السؤال والمذلة.. خيرات البلد مجففة المنابع وإيراداته معطلة التحصيل، فتحت في كل حي من أحياء المدينة أكشاك الصرف اليدوي للإعانات الخيرية التي تصرف من قبل المنظمات والهيئات الدولية، رسمت صورة إنسانية مؤثرة ومؤلمة في عدن عاصمة الترانزيت ومركز التبادل التجاري بين الشرق والغرب..

فشل فرض عليها بالأمر الواقع، وأجبرت المدينة العتيقة على التعامل به كوضع طبيعي لسنوات، تتعاقب الحكومات على الفشل والعجز والضعف المهين تتناقله حكومة من أخرى لا حياة لمن تنادي، حيرة وقلة حيلة جثمت على صدور الناس في عدن لم يعد أحد منهم يتكهن بمستقبل عدن بعد أن تطبعت حياة العجز والفشل والضعف الحكومي والسياسي والفكري والديني،لا ندري ماذا تنتظر الناس في عدن؟ هل تنتظر صحوة الضمير واستفاقة الجانب الحكومي ويقظة السياسيين؟ أم تراها تنتظر من بيده الدبوس فيشك بالونة الشعب المنتفخة فيفجرها لتتدفق شرارات الغضب تحرق الأخضر واليابس يقودها الشيطان الخفي والكذاب الأشر؟ أم تراها تنتظر الوعود الوردية بأن القادم أفضل كما نطق به رئيس مجلس القيادة الرئاسي؟ أم تراها تترقب صوت الهاتف من على منابر المساجد التي ارتجت بهتاف حي على الجهاد فتعود المقاومة الجنوبية للجهاد وتحمي حمى عدن وتدافع عن مصالحها وتحميها من تخريب القوى اللاعبة في الساحة المتخفية خلف المشاورات والمباحثات والاتفاقيات والتعهدات الملتوية والضبابية والمموهة بالشفرات والألغاز وكلمات السر المكتوبة بالحبر السحري الذي لا يفقه أحد معاني الكلمات التي كتبت به ركنت عدن في زاوية الانتظار الأسود تحت الشمس دون مظلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى