الهدنة والأهداف الخفية

> جاءت الهدنة لحاجة ضرورية لوقف الحرب بعد أن بلغت مداها الذي تعدى ساحة المعركة وهي اليمن إلى ما وراء ذلك وكان العالم ينظر إلى الحرب في اليمن كملهاة يوزع إشارات غامضة للأطراف المتصارعة ومن تحت الطاولة كأنه يشجع من يريد له تحقيق مقاصده من هذه الحرب وفي جانب آخر ابتزاز دول المنطقة ووضعها في حالة استنزاف مستمر حتى يضمن بقائها تحت مظلته ويمنع الخروج عن ما هو مرسوم لها.

لم تكن الحرب ستستمر أكثر من ستة أشهر وبالكثير ثمانية أشهر لو سلمت إدارتها قيادات عسكرية كفؤة واستثمرت الانتصارات غير المتوقعة للبعض، التي حققتها المقاومة الجنوبية والتي لم تكن تملك غير أسلحتها الخفيفة تصاحبها إرادة وتصميم من قبل المقاتلين الجنوبيين على تحقيق النصر لكن المفارقة العجيبة أنها استمرت وأكملت سنتها السابعة ولم تحسم المعركة على الأرض مع أن ميزان القوى بين المتحاربين كانت لصالح الشرعية على الاقل لسيطرتها الجوية على أرض المعركة بشكل كامل وللقدرة على الحشد بالقوى والوسائط وأيضا إحكام الحصار البري والجوي والبحري وأيضا الحشد الدولي وراءها غير المسبوق، كل هذه العناصر مجتمعة وغيرها تعتبر أهم عوامل تحقيق النصر خاصة وقد كانت المقاومة الجنوبية بإمكانياتها الضعيفة قد تمكنت من هزيمة جيش عفاش وجيش القناديل على أرض الجنوب التي تحررت في غضون ثلاثة أشهر.

كيف جرى سير المعركة وما هي عناصر الفشل الذي ارتكبتها الشرعية..؟

معروفة للقاصي والداني ولا مجال لتكرارها مجددًا وكل هذه النتائج السلبية قادت إلى الوضع الراهن الذي أصبح لا حرب ولا سلام وأصبح اليمن شمالًا وجنوبًا محشورًا في زاوية حادة قد تؤدي إلى حروب تتناسل حول قضايا لا علاقة لها بالسبب التي قامت من أجله هذه الحرب وخاصة ما يجري في الجنوب وبشكل ملفت للعالم كله من حصار تقوم به الشرعية ولا يزال مستمرًا حتى بعد نقل السلطة.

يجري التسويف وضياع الوقت بشكل فاضح من قبل المجلس المؤقت ( الشرعية الجديدة ) لأنها حلت مهام تخفيف الأعباء على المناطق المحررة ولأنها تستعد لخوض حرب أو لنقل تشكيل قوة ردع ضد الحوثي مستقبلًا في حالة فشل المفاوضات ولأنها سمحت للقوات الجنوبية بأن تعد نفسها لمواجهة الحوثي والذي هو قادم لاحتلال الجنوب في أي لحظة يتسنى له ذلك وإنما الجنوب مشغول الآن في الدفاع عن ذاته من الإرهاب المسلط عليه ويعيش حالة بائسة بسبب عدم حل أي من معضلاته القائمة من العهد القديم للشرعية.

الهدنة يتم تمديدها بقوة العامل الخارجي ( الإقليمي والدولي ) وليست برغبة صادقة وبقناعة الأطراف المتحاربة ومع ذلك نلاحظ استرخاء الشرعية والركون على العامل الخارجي في استجداء الحوثي للتجاوب مع متطلبات الحلول المطروحة والتي تقلصت إلى أدنى مستوى وتنازلت الشرعية عن سقوفها العالية والتي كانت مطروحة منذ بدء الحرب بينما الحوثي يضع الآن شروطه وتقوم الشرعية بتلبيتها واحدة تلو الأخرى ومن ضمن ذلك فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ووقف الطيران، أي وقف الحرب من جانب واحد وتمويله بالمشتقات النفطية والآن لديه مطلب جديد وهو نقل البنك المركزي من عدن إلى صنعاء وما خفي كان أعظم.

مع الأسف ضاعت الانتصارات اليتيمة التي حققتها القوات الجنوبية وسط أوهام عودة الدولة العميقة للاستحواذ عليها واستثمارها في تفاوضها مع الحوثي ولم يكن ذلك وحسب ولكن مع إصرار الشرعية على وضع الجنوب على حافة الهاوية وهي بذلك تمارس سياسة توجيه الصدمة لشعب الجنوب لكي يقبل مستقبلًا بأية حلول تنتقص مِن حقه المشروع لاستعادة دولته المفقودة والأكثر خطورة أن عمليات الإرهاب قد تضاعفت بعد نقل السلطة مباشرة وإنشاء مجلس الرئاسة المؤقت وكل ذلك يمارس على الجنوب وكأنه هو الذي عمل الانقلاب على الشرعية.

الهدنة هي وقف المعارك على جبهات محددة لكن في الجانب الجنوبي لم يلتزم الحوثي بها ونشاهده يقوم بخروقات واستهداف القوات الجنوبية في الضالع ويافع بين حين وآخر كما نلاحظ ازدياد وتيرة العمليات الإرهابية في الجنوب وبالذات في عدن وبعض المناطق الجنوبية الأخرى اعتقد من غير العدل أن يمارس الإقليم والعالم بالضغط على الطرفين في الالتزام بالهدنة ويتم تمديدها بين وقت وآخر ولا يمارس الضغط على الجهات التي تمارس الإرهاب ويتركها تقوم بأعمالها الإرهابية ضد الجنوب في عدن والمناطق المحررة الأخرى ونحن من جانبنا ندعو الإقليم والمجتمع الدولي لممارسة الضغط على الجهات التي تمارس الإرهاب وهي معروفة أو على الأقل إدخال قياداتها والمؤسسات التابعة لها ضمن العقوبات الدولية لكي ترتدع عن قتل الجنوبيين يوميًا أو أطلقوا يد الجنوبيين بالدفاع عن أنفسهم وتمكينهم من قيادة أمنهم بأنفسهم دون تدخل من منظومة الدولة العميقة التي تحد من تحركها والتي لم تلزم مؤسساتها الأمنية بتقديم الدعم والمساندة للقوات الجنوبية وعلى الأقل في المجال الاستخباراتي كونهم يملكون قاعدة بيانات للإرهابيين.

من الملفت للانتباه بأنه بعد نقل السلطة مباشرة تم إطلاق سراح أخطر الإرهابيين بشكل متزامن من سجون سيئون وصنعاء التي تسيطر عليهما الشرعية والحوثي وبعدها انطلقت التفجيرات في شبوة والمفخخات في عدن وغيرها مما يعني أن الجنوب سيظل تحت التهديد والابتزاز وأن يظل تحت خط النار وتحت العقوبات والحصار المفروض عليه ومشغول في محاربة طواحين الهواء وفي مكان بعيد تجري المفاوضات السرية والعلنية بين الأطراف الأخرى شرعية وحوثي تحت رعاية دولية وإقليمية حول نهاية الحرب وتسوية الخلافات فيما بينهما وبعد إنجاز تلك المفاوضات بالاتفاق على التفاصيل يأتون لفرض الحلول وسيكون الجنوب مطلوب منه أن يوافق عليها كونه مشترك في الحكومة والمجلس الرئاسي كشهود ما شافوا حاجة وهم في الحقيقية متواجدون صوريًا لكنهم ليسوا متواجدين في المفاوضات السرية والعلنية التي تجري في عواصم مختلفة من العالم ولم يكن أحد يضعهم في صورة ما يجري بل أشغالهم في أمور أخرى وفي نفس الوقت أحراقهم أمام حاضنتهم الشعبية كون الحصار لا يزال قائمًا على الجنوب وأيضًا أطلاق يد الإرهاب ليحصد الضحايا الجنوبيين كل يوم ولهذا نستطيع أن نقول بأن هذه العملية السياسية القصيرة النظر لن تقود إلى تحقيق أمن واستقرار المنطقة لأنه بدون إعطاء الجنوب حقه في استعادة دولته سيكون أي اتفاق ناقص وستظل القضية الجنوبية باقية ما بقي شعب الجنوب حيًا على أرضه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى