تدبَّروا: المرجعيات حاكمة وليس خادمة

> ا من جماعة بشرية (أمة، شعب، طائفة، قبيلة، عشيرة..الخ) إلا ولها منظومة مبادئ وقيم وموجهات عامة، تتخذها مرجعيات حاكمة لشؤون حياتها وناظمة لسلوك أفرادها..

وبغض النظر عن مصدر تلك المرجعيات (الدين، المعتقدات والأعراف الاجتماعية أو الثقافية المتوارثة..الخ)، فإنها تستمد شرعية إلزامها ومشروعية نفاذها على تلك الجماعة وأفرادها، من إقرار وتسليم العقل العام والضمير العام والإرادة العامة الغالبة لتلك الجماعة فيها..

وإذا كانت تجارب ومعارف الإنسانية المتراكمة عبر العصور، تشير الى نسبية ثبات تلك المرجعيات وتفاوت درجة نسبية الثبات تلك من جماعة الى أخرى، وفق درجة تطورها وتفاعلها مع حركة التطورات التي تحدث من حولها، فإن تلك التجارب والمعارف تشير أيضاً الى أن تلك المرجعيات قد استغلت ووظفت خارج سياق مدلولاتها ومقاصدها الحقيقية القائمة في ضمير الجماعة ومفاهيمها المتصورة في ذاكرتها الجمعية، بل وتحولت في مراحل وظروف عديدة، الى مظلات لممارسة اشنع أصناف الطغيان والاستبداد والفساد على تلك الجماعات، وفق تأويلات مصطنعة ومحرفة لها من قبل الطغاة والمستبدين الذين لم يخل منهم عصر من العصور.

تحت مظلات وجوب إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وولاية (إمامة) آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أفتتن المسلمون واقتتلوا ومازالوا يفعلون على مدى أربعة عشر قرناً، وكل منهم له مرجعه من كلام الله وسنة نبيه، وكل منهم يعتقد بأن مرجعيته أصوب وأصح من غيره أو خصمه، أو يصورها كذلك، وما على كل طامع وطامح في سلطة أو ولاية حكم، إلا أن يستعير أو يصطنع له مظلة من تلك المرجعيات والمراجع أو ظلال منها.

لم يقتصر مريدو السلطة والحكم في عصرنا الراهن على مرجعيات الدين، بل تفنن كل منهم في استعارة مظلات مرجعية تتناسب وموضة العصر والمزاج العام لافراد جماعته أو شعبه ومعتقداته السائدة أو الرائجة، فكانت الدساتير والقوانين والديمقراطية والقومية والأممية والاشتراكية والليبرالية..الخ، مظلات عصرية لمرجعيات الحكم في الدولة الوطنية العربية الحديثة، وأبدع الحكام العرب في تفصيل جلابيب لحكمهم التسلطي المستبد بشعوبهم، وفق تلك المرجعيات المعاصرة شكلاً صورياً، وتحت ظلالها مارسوا ابشع صنوف الاستبداد والطغيان والفساد، فأشعلوا حرائق الصراعات والحروب المتفاقمة اليوم على امتداد جغرافية أوطان العرب.

تميَّز وتفرَّد حكام اليمن عن جميع من عداهم عرباً وعجماً، في صناعة وتوظيف المرجعيات السلطوية والجمع والمزج بينها بخلطة سحرية غريبة، تجعل من اغتصاب الحكم والسلطة، فسيفساء خلطة مرجعيات لكل منها وظيفة معينة في نطاق محدد ومرسوم لها!!.

عقيدة متوارثة: السلطة (مغنم للحاكم) لا ينالها إلا ذو سطوة ونفوذ، ومكر وخداع واتقان للرقص على رؤوس الثعابين، ولا تدوم وتستمر مغانمها إلا لمن يجيد تفصيل جلباب الشرعية المناسب لغنيمته (السلطة) وفق متطلبات ومقاسات ورغبات ومزاج كل عصر ومرحلة. وفق هذه العقيدة المتوارثة لدى حكام اليمن، تكون كل المرجعيات التي يستند اليها الحاكم (دينية، دستورية، شعبية، ديمقراطية..الخ) مجرد أداة خادمة لرغبات الحاكم ونزواته في الاستئثار بالسلطة والقضاء على معارضيه ومنافسيه عليها وكل متطلع وطامع وطامح فيها بصورة مشروعة أو غير مشروعة، وليس أداة حاكمة وناظمة لمسؤوليات الحاكم وواجباته أمام شعبه وكافلة لحقوق ومصالح ذلك الشعب، حسب السائد المتعارف عليه في جميع نظم الحكم الحديثة.

لقد كان حصيلة أيدلوجية الحكم تلك، أضغاث خيالات دولة واحلام مخنوقة وأمنيات مبددة ومجتمعات مبعثرة ونخب مخصية فكراً وارادة، وفتن وحروب يلد بعضها بعضاً، وشواهد تلك الحصيلة شاخصة أمام أجيال اليوم:

دولة جمهورية على انقاض ملكية سلالية طائفية، بحكم قبلي أسري وراثي بجلباب جمهوري.

مشروع دولة مدنية يمنية موحدة قائمة على الرضا والاتفاق، يستبدل بالضم والالحاق القسري للجنوب لحكم جمهورية القبائل (الوحدة الغنيمة).

يتسابق ثم يتصارع فيتحارب حكام جمهورية القبائل على هضم غنيمة الوحدة (الجنوب) بعد ابتلاعه، فتسقط منظومة حكمهم وتتشظى، وكل منهم يرفع راية ودستور مشروع الحلم الموؤود ذاك اليوم؟!.

ينكثون بعقودهم وعهودهم، ثم يشنون الحروب للمطالبة بتنفيذها!! (الجيد يحلف ويفجر والفسل يوفي بيمينه) فالعهود والمواثيق ليست سوى مظلة صورية للخطوة التالية للانقضاض على الخصم والسلطة، وعند الضرورة ليست سوى استراحة مخادع ووسيلة مراوغ لاعادة ترتيب أوراقه وتحالفاته لتوجيه الضربة القاضية لخصمه.

من اسقط مشروع حلم الوحدة بالأمس يتوشح بعلمها اليوم ويدعو للجهاد في سبيل الدفاع عنه؟!

ومن ركب موجة اسقاط النظام بالأمس يرفع راية الشرعية الدستورية اليوم لاسقاط مجلس القيادة الرئاسي؟!.

ومن انقلب على السلطة الانتقالية بالأمس ويدير الشمال تحت راية الحق الإلهي لائمة آل البيت في إمامة المسلمين، يطعن بشرعية مجلس القيادة في عدن ويوصمه بغير الشرعي وبالمرتزق لقوى العدوان والاحتلال الإقليمي والأمريكي؟!.

ومن أضاع الجمهورية والدولة بصنعاء، أتى للذود عنها وعن الوحدة في عدن والجنوب؟؟!!

أرأيتم مثل خلطة المرجعيات السحرية اليمنية هذه؟!.

قطعاً سنستمر بالخلط والعجن والطحن القائم ما استمرت خلطة المرجعيات والشعارات والبكائيات الزائفة هذه.. أفلا يتدبرون؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى