​هل تقود "الدرونز" حروب المستقبل؟ الطائرات من دون طيار أقدم كثيرا مما تظن الغالبية

> أمينة خيري

>
لا تكاد تمر ساعة من دون خبر أو اثنين عن "الدرونز"، حتى بات بعض المتابعين يسمي العصر الحالي "زمن الدرونز"، ويلقب آخرون لعبة الحروب الدائرة بـ"لعبة الدرونز" على غرار لعبة الممالك، وينعتها فريق ثالث بـ"الجواسيس الطائرة".

في البدء كانت قصصا عن مخالفات في مطارات لمسافرين يحاولون إدخال "درونز" لا تسمح بها قوانين هذه الدول، وحكايات عن فوائدها في الزراعة ومراقبة أنابيب الغاز والنفط ورصد التسريبات وكشوف الآثار المدفونة وغيرها.

لكن الأمور تطورت سريعا، وتفاصيل الأخبار اليومية لم تعد تخلو من "درون" أوكرانية تستهدف أهدافا روسية، وأخرى روسية تنطلق بتقنية رؤية ليلية، وثالثة إيرانية تقوض هدنة يمنية، ورابعة تايوانية تناطح القوة العسكرية الصينية، وخامسة أميركية تنال من أيمن الظواهري في أفغانستان، وباتت أخبار "الدرونز" المذهلة والمروعة بلا توقف.

التوقف عند تاريخ "الدرونز" وجغرافيتها وآفاقها وتوقعاتها المستقبلية مهم، لعلنا نعي حقيقة ما يهيمن على مجالاتنا الخبرية والجوية هذه الآونة، كلمة "درون" تعني طائرة ليس لها طيار، لكن يتحكم بها شخص على الأرض، وتستخدم غالبا إما لإلقاء قنبلة أو للمراقبة.

بهجة وقوى عظمى

هذه الطائرات الصغيرة من دون طيار، التي يلعب بها الأطفال تارة ليبتهجوا وهم يتابعون لعبتهم تحلق في الجو، و"تلعب" بها القوى العظمى تارة أخرى، وهي تترقب ما ستسفر عنه هذه الطلعة أو ما ينتج من تلك الضربة، أقدم كثيرا مما تظن الغالبية.

في الحرب العالمية الثانية كانت تستخدم نماذج لطائرات "بدائية" من دون طيار كأهداف للمقاتلين ليصوبوا جهتها كنوع من التدريب الحي، وقتها كانت تسمى "مركبات موجهة عن بعد"، لكن سرعان ما تم التخلي عن الاسم لصالح آخر أكثر يسرا في الاستخدام، فتم اختيار "درون".

ذكر النحل

بحسب قاموس "ميريام وبستر"، كان هناك معنيان لكلمة "درون"، إما ذكر النحل، أو الصوت الرتيب المتصل، لكن أغلب الظن أن التسمية مشتقة من ذكر النحل، لماذا؟ لأن ذكر النحل أكبر وأثقل من عاملات النحل ومعروف بالطيش والاندفاع على الرغم من أنه لا يقوم بمهمات جمع العسل أو الدفاع عن الخلية والحفاظ عليها، هدفه الوحيد هو تلقيح ملكات النحل، وهو ما يؤدي إلى تسهيل المهمات التي تقوم بها أنواع النحل الأخرى فيما بعد.

وسواء كانت "الدرونز" في بداياتها "مركبات موجهة عن بعد" أو "طائرات من دون طيار" أو كما يطلق عليها الجميع حاليا "درون"، فإن جذورها واحدة.

الجذر الأول كان في أثناء الحرب العالمية الأولى في بريطانيا، وربما قبل ذلك بقليل وتحديدا في منتصف القرن الـ 19 حين كان يتم تحميل بالونات الهواء الساخنة بالمتفجرات في الأعمال العسكرية.

وبحسب موقع "درون وورز" البريطاني، فإن الأصول الحقيقية للطائرات من دون طيار تكمن في أول طائرة يتم التحكم فيها عن طريق اللاسلكي في ثلاثينيات القرن الـ20.

هذه الطائرات تم تطويرها على يد البحرية الملكية البريطانية وقتئذ بهدف إجراء تدريبات التصويب، وهو ما تم انتهاجه كثيرا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وبشكل مكثف في سنوات الحرب العالمية الثانية.

في الوقت نفسه، طورت الولايات المتحدة الأميركية طائرة من دون طيار يمكن التحكم فيها من بعد لتدريب المدفعية الأميركية في أواخر الثلاثينيات أيضا.

وقادت أميركا مسيرة تطوير فكرة طائرة من دون طيار بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك للوصول إلى "درون" قادرة على التصويب جو جو، وكذلك أرض جو.

وتم ابتكار موديل سمي "لايتنينج باج" أو حباحب وهي حشرة كالذباب تطير ليلا، واستخدمت بكثرة لأغراض أميركية عسكرية في جنوب آسيا وفيتنام.

وفي نهاية الستينيات، سلمت أميركا إسرائيل 33 درون لتقوم بمهمات المراقبة والرصد في أثناء حرب أكتوبر عام 1973.

العراقي الإسرائيلي الأميركي

هنا يبزغ اسم عراقي المولد إسرائيلي النشأة أميركي الموطن أبراهام كارم (85 سنة) أو أبي كارم الملقب بـ"عبقري الفضاء" حينا وبـ"أبو الدرونز" دائما، فهو الذي صمم الطائرة المعروفة باسم "بريداتور"، التي يحسب لها أنها التي حولت الطائرة من دون طيار من فكرة غريبة غير موثوق في استخداماتها وأداءاتها إلى منظومة عسكرية موثوق فيها، بل وأصحبت بمثابة بداية لثورة تكنولوجية في مجال الطيران المدني والعسكري على حد سواء.

كارم الذي هاجر أبواه من العراق إلى إسرائيل، وهناك بدا من الواضح تماما أنه شغوف جدا بالطيران وتقنياته، تخرج في "تكنيون" (معهد إسرائيل للتكنولوجيا) في حيفا، وبنى "درون" بنفسه تم استخدامه في صفوف الجيش الإسرائيلي أثناء حرب أكتوبر عام 1973.

وتشير قصة أخرى عن "الدرون" وحرب عام 1973 إلى أن إسرائيل كانت تستشعر تحركات ما غريبة على الضفة الأخرى من قناة السويس، وذلك أثناء احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء والضفة الشرقية لقناة السويس، لكنها واجهت صعوبة في ذلك، خوفا من هجوم صواريخ أرض جو المصرية في حال تم إرسال طائرة تحلق على ارتفاع منخفض لتصوير ما يجري، أما الصور الملتقطة من على ارتفاع فتكون غير ذات قيمة معلوماتية لرداءة جودتها.

لذلك فكر الضابط في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شابتاي بريل في استخدام الطائرات المصنوعة كلعب أطفال ومزودة بـ"ريموت كونترول"، على أن يتم تزويدها بكاميرات صغيرة في أسفلها.

إعلانات لا حصر لها على مواقع البيع والشراء "أون لاين" تقدم عروضاً مغرية لشراء "ميني درونز" بغرض اللعب
إعلانات لا حصر لها على مواقع البيع والشراء "أون لاين" تقدم عروضاً مغرية لشراء "ميني درونز" بغرض اللعب

وبحسب ما جاء في صحيفة "جريوزاليم بوست" (مولد درون، 2019) على الرغم من جودة الفكرة، فإنه تم إجهاضها بعد أن تم نقل بريل إلى موقع آخر، ولم يتحمس من خلفه في المنصب للفكرة.

سواء كانت الرواية حقيقية أم لا، فإن ما صرح به أبراهام كارم يشير إلى أنه شخصيا ترك إسرائيل وهاجر إلى أميركا بعد أن فشل في بيع أفكاره المشابهة للجيش الإسرائيلي، وذلك في عام 1974.

في أميركا، واصل كارم شغفه وعمله وابتكاراته في مجال "الدرون"، وفي أوائل الثمانينيات وبعد سنوات من تحويل مرآب بيته إلى ورشة بناء طائرات، عرض كارم طائرته التي بناها بتمويل من "وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية" التابعة لوزارة الدفاع الأميركية.

في العام التالي، وبعد تمدد الورشة من المرآب إلى داخل البيت، خرج كارم بشيء جديد، طائرة غريبة شبه السيجار، وصفتها صحيفة "واشنطن بوست" في مقالة عنوانها "صعود الدرون" (2011) بأنها غيرت طريقة أميركا في إدارة حروبها.

المولود الجديد أطلق عليه اسم "الباتروس" أو طائر القطرس البحري، وتمكن "الباتروس" من التحليق لمدة 56 ساعة متواصلة، وهو مدة غير مسبوقة في تاريخ "الدرونز" التي كانت تتعرض لكثير من حوادث السقوط أثناء التحليق.

في عام 2019، كان أبراهام كارم يمضي جل وقته في محاولة لجعل "السيارات الطائرة" حلمه المقبل المتحول إلى حقيقة، لكن الحلم ما زال قيد التحقيق، وإن كانت سيارات طائرة يجري تطويرها على أيدي مبتكرين آخرين هذه الآونة.

نفع وضرر

ما ابتكره أبراهام كارم ينسب له الفضل والإنجاز، وفي أقوال أخرى الضرر والأذى الناجمين عن استخدام هذه المركبة التي تم تطويرها لاستهداف "أعداء" أميركا في الخارج،
من العراق إلى أفغانستان، ومن باكستان إلى اليمن وغيرها، تتمدد وتتوسع حروب الدرون الأميركية، ويكفي أن نهاية زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري كتبتها درون قبل أسابيع، وقبلها كتبت نهاية سلفه أسامة بن لادن، لكن في مرحلة التقصي والتخطيط.

ويشار إلى أن أميركا توسعت في استخدام الدرونز في مثل هذه المهمات في أعقاب أحداث الـ 11 من سبتمبر، هذا التوسع الذي شجع آخرين على دخول المضمار نفسه، أدى إلى تفجر نقاش وجدل أخلاقي وعسكري بين الخبراء حول عواقب انتشار استخدام "الدرونز"، سواء المسلحة أو غير المسلحة وعواقب ذلك على الأمن الدولي، وحدود هذه الاستخدامات.

المؤكد أن الاستخدامات تتوسع والإنتاج يزيد والمنطقة الضبابية، حيث الحدود والقيود والضوابط تزداد أيضا، بحسب موقع "نيو أميركا" الذي يعنى بدراسة التحديات الناجمة عن التطورات التكنولوجية والاجتماعية المتسارعة، هناك نحو 40 دولة في العالم لديها "درونز" مسلحة أو تستخدم لأغراض عسكرية، وإن لم تكن كلها منتجة محليا.

أبرز هذه الدول أميركا وإسرائيل وبريطانيا وإيران وكوريا الشمالية وإيران وإيطاليا والهند وإسبانيا وغيرها، أما الدول الثلاث الأكبر في مجال تصنيع وبيع الدرونز فهي أميركا وإسرائيل والصين بالترتيب، أما الدولتان الأكثر استيرادا لها فهما بريطانيا والهند.

وفي أقوال أخرى، فإن 102 دولة حول العالم لديها برامج طائرات مسيرة عسكرية نشطة نجحت في تقليل أعداد الجنود المقاتلين على الأرض، واستبدالهم بآخرين يديرون القتال من خلف أجهزة كمبيوتر من على بعد.

المثير أن كثيرا من الدول التي تمتلك "درونز" وتستخدمها لأغراض عسكرية لا تجاهر أو تعلن ذلك، والأكثر إثارة هو أن العمليات التي تنفذها "درونز" عادة لا يمكن تقفي أثرها بالتالي تحميل شخص أو جهة أو دولة ما مسؤوليتها.

لماذا يلقب العراقي الإسرائيلي الأميركي أبراهام كارم بـ"عبقري الفضاء" و"أبو الدرونز"؟
لماذا يلقب العراقي الإسرائيلي الأميركي أبراهام كارم بـ"عبقري الفضاء" و"أبو الدرونز"؟

نشتري ونبيع "الدرونز" 

إعلانات لا حصر لها على مواقع البيع والشراء "أون لاين" تقدم عروضا مغرية لشراء ميني درونز بغرض اللعب، لكن اللعب قد يتحول إلى لعبة قاتلة من دون سابق إنذار وغير قابلة للسيطرة، ويكفي أن المشتري قد يكون أبا يريد مكافأة أبنائه، وقد يكون إرهابيا يود تنفيذ عملية.

وإذا كانت "الدرونز" قادرة على تقليل حجم الخسائر البشرية في الحروب والناجمة عن قيام مقاتلين بالهجوم والتصويب والقصف، فإنها أيضا قادرة على توسيع قاعدة الخسائر البشرية، سواء بتيسير وتوسيع قاعدة العمليات العسكرية أو بتنفيذ عمليات مسلحة على أيدي جماعات وميليشيات غير نظامية.

"الدرونز" جعلت من الفكرة التي ظنها بعضهم خيالية قبل سنوات قليلة واقعا معاشا، "حرب بلا جنود" تدار على هامش الحرب الأصلية، يتم تغذيتها ويجري الدفع بها بإصرار وعزيمة.

قبل أيام قليلة، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 775 مليون دولار، تشمل 15 طائرة مسيرة، وقبل أيام أيضا أعلنت روسيا إسقاط تسع طائرات مسيرة أوكرانية.

حرب "الدرونز" تجري على هامش الحروب الأصلية، لكن فرصها في تصدر الساحة وهيمنتها على مقاليد الحروب واعدة.

*أندبندنت عربية*

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى