​زراعة القطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل

> صالح الجفري

>
مع مطلع العام 1946 بدأ التفكير من قبل الإدارة البريطانية أثناء الاحتلال البريطاني لبلادنا بزراعة القطن في مناطق أبين، ولحج حيث أسست السلطات البريطانية (لجنة أبين) في العام 1948م، ولجنة الإنعاش الزراعي بلحج في العام 1954 بغرض تقديم التسهيلات المالية والفنية للمزارعين في هاتين المنطقتين وشراء القطن الزهر من المزارعين وتسويق القطن الشعر بعد عملية حلجه إلى الخارج.

وبدأت زراعة القطن طويل التيلة من العام 1946 من خلال استجلاب إصناف القطن السوداني / المصرية التابع (لطراز اللامبرت) وأقلمته لتأمين احتياجات مصانع الغزل (التكسير) البريطانية، ودشن الإنتاج التجاري في الموسم 49/48 في منطقة دلتا ابين وفي منطقة دلتا تبن الموسم 55/54، وصدر القطن المحلوج كاملا باسم قطن أبين الذي حظي وقتها بسمعة وشهرة عالميتين واسعه وذلك لصفاته النوعية من حيث الطول والمتانة والنعومة، وشكلت الظروف الطبيعية الملائمة لزراعة القطن وخصوبة التربة في منطقة المشروع أحد أهم العوامل التي ساعدت في التوسع بزراعة القطن خلال الأعوام الستة عشر الأولى من بداية زراعته في الموسم 49/48 من (100) فدان إلى (40000) أربعين ألف فدان في الموسم 63/62 وهي أكبر مساحة زرع بها القطن طويل التيلة في تاريخ البلاد.

أما بالنسبة للقطن متوسط التيلة (الابلند الأمريكي) والذي أُدخلت زراعته لأول مرة في دلتا تبن في الخمسينات وأوائل الستينات للأغراض البحثية وأثبتت تفوقه على القطن طويل التيلة من حيث التبكير في النضج وزيادة الإنتاجية إلا أنه اقل بكثير من القطن طويل التيلة من حيث صفاته النوعية (الطول، المتانة، النعومة)
وبدأ تعميم زراعة القطن متوسط التيلة بعد الاستقلال نوفمبر 67 في مناطق لودر، مودية، ميفعه، حجر، أحور بعد نجاح تجارب القلمة والجدوى الاقتصادية لزراعته تجاريا، وخصصت دلتا تبن لزراعته اعتبارا من الموسم 77/76 بعد إنشاء مصنع الغزل والنسيج أواخر العام 1975 في العاصمة عدن.

تطور زراعة القطن والآثار الاقتصادية والاجتماعية في منطقة دلتا أبين

شهدت منطقة مشروع (لجنة أبين) الواقعة بين وادي بنا غربا ووادي حسان شرقا والتي تقدر مساحتها بثمانين ألف هكتار تقريبا شهدت هذه المنطقة تطورا اقتصاديا وتوافقت الأهداف المحلية مع أهداف سلطة الاستعمار حيث ساد الاستقرار والسلم الاجتماعي بعد فترة طويلة من الصراع بين ما عرف سابقا بالسلطنة اليافعية والسلطنة الفضلية على موارد الماء والكلأ، حيث توفرت الآلاف من فرص العمل في استصلاح الأراضي والخدمات المختلفة لخدمة زراعة القطن في كل مراحله وأُنشئت العديد من الإدارات ذات الصلة بخدمة القطن من إدارة الري وبناء قنوات التصريف التقليدية والجسور التحويلية وإدارة الخدمة الالية وإدارة الوقاية والإرشاد وغيرها من الإدارات ذات الصلة وتركزت جميعها في منطقة المشروع مدينة جعار التي شيدت فيها على جبل خنفر مباني الإدارة التنفيذية للجنة ابين التي راس إدارتها عدد من خبراء الزراعة الإنجليز وتناصف مجلس إدارتها ممثلين عن السلطنتين اليافعية والفضلية، وخلال تلك الفترة شهدت مدن دلتا أبين تطورا حضريا من حيث تخطيط البناء للمساكن وإدخال الكهرباء وعمل شبكة المجاري ونظام البلديات وأُنشئت عدد من المدارس الابتدائية ومدرسة متوسطة في كلاً من جعار وزنجبار وبشكل عام كانت المنطقة قبلة للوافدين من مناطق اليمن جنوبا وشمالا وساعدت عملية الاستقرار في تطور المنطقة وتحسن أحوال المزارعين من خلال عائدات القطن المسوق وما رافقه من تطور وتوسع للنشاط التجاري لمختلف السلع والخدمات محل حاجة الناس.

والجدول التالي يوضح مستوى تطور زراعة القطن مساحة وانتاجا خلال الفترة من الموسم 51/50 إلى الموسم 1996م.
الموسمالمساحة الزراعية / فدانالإنتاج المحقق/ رطل
50ـ5115,00011,376,500
51ـ5211,0008,235,585
52ـ5315,00011,422,922
53ـ5433,00024,770,508
54ـ5526,00019,817,886
55ـ5630,00022,766,402
56ـ5728,00011,522,778
57ـ5827,00020,407,117
58ـ5922,00016,662,310
59ـ6031,00023,357,599
60ـ6119,00014,197,048
61ـ6233,00024,568,841
62ـ6340,00030,167,494
63ـ6431,00023,640,034
64ـ6540,00030,024,062
65ـ6619,000479,740
66ـ6725,00018,858,876
67ـ6813,0009,841,051
68ـ6939,00029,224,133
69ـ7028,00021,100,846
70ـ7131,00023,048,462
71ـ7222,00016,796,235
72ـ7326,00019,245,835
73ـ7424,00017,950,743
74ـ7521,00016,033,309
75ـ7615,00011,341,735
76ـ7710,0007,926,879
77ـ7817,00013,248,667
78ـ799,0006,957,955
80ـ8110,0007,234,571
81ـ8210,0007,611,473
82ـ836,0004,140,540
83ـ883,5002,541,047
84ـ853,5002,548,047
85ـ869,0006,273,725
86ـ875,0003,771,817
87ـ883,5002,606,488
88ـ8912,5009,178,296
89ـ902,5002,076,536
90ـ912,3001,785,078
91ـ927758,459
92ـ934,60015,134
93ـ94309232,211
94ـ953525,481
95ـ962,500394,194
96ـ9715,000112,950,026


ومن خلال القراءة المباشرة لمعطيات الجدول أعلاه يتضح لنا مستوى تطور المساحات والانتاج خاصة خلال عقود الخمسينات والستينات وإلى حدٍ ما السبعينات وربما يعود ذلك اساسا إلى تدفق مياه السيول إلى حوض منطقة الدلتا والأهم هو الاستغلال الأمثل في تصريفها عبر قنوات الري التقليدية من أعلى الدلتا إلى أسفلها وصولا إلى منطقة الكود ومنطقة شقره الساحلية وذلك عبر التطبيق الصارم لتوزيع المياه المتدفقة من وادي بنا غربا ووادي حسان شرقا وفق العرف السائد حينها والذي كانت تؤمنه السلطات الزراعية للجنة أبين عبر مفتشي الري في كل منطقة إضافة إلى دعم تنفيذه من السلطات الأمنية في المنطقة ومن القراءة المباشرة لمعطيات الجدول يمكن للمطلعين ملاحظة مستوى تطور المساحات والانتاج والتي بلغت أعلى مستوى لها مساحةً وانتاجًا في الموسم وأيضا بعض المواسم اللاحقة كما تظهرها البيانات.

اللافت أيضا أنه لم تطرأ أي زيادة على إنتاجية الفدان خلال العقود الثلاثة وظلت بالمتوسط تقريبا (750) رطلاً للفدان.

كما يلاحظ انحسار المساحات المزروعة بالقطن منذ مطلع السبعينات لعوامل نقص تدفق السيول إضافة إلى ما ارتبط بالسياسات لحل المسألة الزراعية وقوانين الإصلاح الزراعي وسوء التطبيق وانعدام الحوافز ونظام خطط الاستزراع المركزي وعزوف الفلاحين عن زراعة القطن وقيام التعاونيات بمنطقة دلتا أبين بتحديد المساحات لزراعة القطن وزراعتها ولأن القطن المحصول الوحيد تقريبا الذي لا يمكن تسويقه إلى عبر القنوات الرسمية اهتمت التعاونيات بزراعته فيما مسائل خدمته لم تكن بالمستوى المطلوب مما اثر على الإنتاج والعوائد المالية من تسويقه عبر هيئة تطوير دلتا أبين التي ورثت لجنة أبين التي تعثرت في إدارتها وتضخم نفقاتها عبر عمالة فائضة عن الحاجه واستهلاك كل رصيدها مما أوصلها لمرحلة العجز عن تمويل شراء القطن من المزارعين في مطلع الثمانينات تقريبا وأخذت قرض من البنك الأهلي اليمني مقابل رهن كل عقاراتها لمبانيها المشيدة على تبه جبل خنفر في مدينة جعار.

تجربة الاستثمار في زراعة القطن

في فترة التسعينات تم تحرير أسعار القطن، وحينها تحولت هيئة تطوير دلتا أبين إلى جمعية دلتا أبين بإدارة مناصفة بين مزارعين ما عرف سابقا باليافعي والفضلي في أوضاع غاية في التعقيد ماليا وإداريا وبالكاد تحصلت على قرض من بنك التسليف لشراء أقطان المنتجين فيما ظلت البنية التحتية للمحلج ذات كلفة عالية جرَّاء قِدمِها وتهالكها ومحدودية إنتاج كل آلة / ساعة / رطل، ودخلت شركة الماز التابعة لنجل شقيق الرئيس الأسبق بامتيازات وتسهيلات وقروض ميسرة للمزارعين وبالذات لمزارعي الري المستديم (الآبار الارتوازية) حيث توافد عليها عدد اكبر من المزارعين وتطورت أسعار الشراء نسبيا، وحققت الشركة حضورا في منطقة الدلتا وحتى منطقة أحور وخلال أعوام عملت على تجهيز محلج متطور تركي الصنع، وظل قرار تحرير أسعار القطن في ساحة غير متكافئة بين إدارة جمعية لجنة أبين المنهكة على كل الاتجاهات وشركة الماز الصاعدة بامتيازات وتسهيلات حكومية سهلت لها كل الصعوبات ولم يسمح بدخول أي مستثمر كما اعتقد سوق القطن، وبعد ثورة الشباب نُهب المحلج ودمرت ونهبت مباني لجنة أبين وكل ما بقي من أصول.

كما يبدو من متابعة زراعة محصول القطن في البلاد العربية خاصة مصر التي كانت تزرع اكثر من (2500000) مليوني ونصف المليون فدان واليوم تزرع (250000) مائتين وخمسين ألف فدان والأسباب قد تختلف بين اليمن ومصر، القطن في دلتا أبين محصول مجهد للتربة وعائدة النقدي محدود قياسا إلى كل مدخلات خدمات إنتاجه التي ارتفعت إلى مستوى كبير جداً في ظل التضخم المتصاعد في البلد إضافة إلى غياب كل الخدمات والإدارات التي كانت في خدمته ولعل خدمة الري أهم العوامل حيث لم تتم أي صيانة للمنشآت من سد باتيس إلى الجسور التحويلية على طول شبكة الري التقليدية ولم تتم الاستفادة من السيول المتدفقة في العديد من المواسم المنصرمة وحتى موسم الخريف، حيث لم تقم الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد الوحدة بأي اهتمامات بمسألة الزراعة وبنيتها التحتية مما أدى إلى تهالك الشبكة وضعف قدراتها في استيعاب أكبر كمية من المياه وبالتالي تصريفها لأكبر مساحة ممكنه من أراضي المزارعين.

ومستقبل زراعة القطن أعتقد يتوقف على برنامج وطني تتبناه أي حكومة قادمة تأخذ في الاعتبار أهمية هذا المحصول النقدي والصناعي إذا ما تم التفكير بإقامة صناعة وطنية تعتمد عليه كمادة خام وتوفر له ولمزارعيه كل أوجه الدعم الفني والإداري والأهم اسعار تحفز المنتجين على زراعته.


مستقبل زراعة القطن

من الأهمية بمكان التذكير بأن البدايات الأولى لزراعة القطن وقيام مشروع لجنة كانت فترة الخمسينات والستينات ازدهرت فيها زراعة القطن مساحة وإنتاجا باعتباره يومها المحصول النقدي الأكثر عائدا والذي هيأت له كل الخدمات الإدارية والفنية والمالية من خلال شبكة إدارية معنية بخدمته إضافة إلى عامل انتظام تدفق السيول في وادي بناء ووادي حسان.

اليوم أي حديث عن مستقبل زراعة القطن في دلتا أبين ينبغي أن يأخذ في الاعتبار العديد من العوامل ذات الأثر الإيجابي وفي صدارتها البنية التحتية في منطقة الدلتا وبالتحديد شبكة الري المتهالكة من سد باتيس والممتدة على طول وعرض المنطقة الزراعية بين وادي بنا، وحسان والتي اثبتت خلال المواسم المنصرمة عدم كفاءتها في استيعاب المياه المتدفقة وذهاب الكثير منها إلى البحر بما يعني انحسار المساحة المزروعة عقب كل موسم إضافة إلى عدم توفر الآليات من الجرارات مختلفة الأحجام والتي هي الأساس في عملية الري والصيانة لقنوات الري التقليدية إضافة إلى ما يرتبط بالتكاليف المرتفعة لمدخلات زراعة محصول القطن من إعداد الأرض إلى جني المحصول الذي يعد من أكثر المحاصيل إجهادا للتربة في ظل أسعار غير محفزة، هذه العوامل وغيرها مجتمعة تظل عوامل كابحة لعدم إحياء زراعة القطن ونرى تبني مشروع وطني لزراعة القطن طويل التيلة يأخذ في الاعتبار اعتماد اللازم ماديا لتنفيذ هذا المشروع ولو على مراحل من البدء أولا بإصلاح وتأهيل شبكة الري ثم اعتماد سياسة سعرية مجزيه تعتمد تكاليف الإنتاج المباشرة وغير المباشرة وتحقق عائد مالي معقول يحفز المزارعين على زراعة القطن إضافة إلى دعوة رجال المال والأعمال للاستثمار في هذا المحصول النقي الهام وهكذا رأي نعتقد النظر فيه لن يتأتى اليوم في ظل واقع الأزمة والحرب التي تمر بها البلد وحتى يحل السلام نتوقع ان تأتي حكومات على قدر من المسؤولية تعالج كم إهدار الموارد طول العقود المنصرمة من مختلف القطاعات الاقتصادية الإنتاجية عامة والقطاع الزراعي خاصة.

وفق خطط واقعية وآليات تنفيذيه تحدد فيها الأولويات لمكونات قطاع الزراعة بما يمكن من النهوض به ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للبلد.

"مجلة الرابطة الاقتصادية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى