​اليمن: الغلاء يؤلم الجميع رغم فجوة الأجور

> محمد راجح

>
يحاول الخمسيني أحمد مصلح، عامل في مجال البناء والمقاولات في العاصمة اليمنية صنعاء، إيجاد توازن وتوافق بين ما يحصل عليه من أجر يومي في عمله والإنفاق على احتياجات أسرته اليومية التي بالكاد يستطيع تغطيتها بالمبلغ الذي يحصل عليه ويصل إلى 5500 ريال (9.8 دولارات وفق سعر صرف الدولار في صنعاء).

يقول مصلح الذي يعيل أسرة مكونة من 7 أفراد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الغلاء يلتهم كل ما يتقاضاه، حتى إنه ليس بمقدوره توفير أي شيء للإنفاق على أي بنود أخرى كالصحة والتعليم.

ارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات الأساسية

كثير من اليمنيين أجبروا على التعايش مع هذا الوضع الذي أنتجته الحرب والصراع الدائر منذ عام 2015، بالرغم من الصعوبات التي يواجهونها لتدبير احتياجاتهم المعيشية، لاسيما العاملين بأجر يومي زهيد. وتسجل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تدنيا في الأجور مقارنة بمناطق الجنوب الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، إلا أن الصعوبات المعيشية تلاحق الجميع، في ظل ارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات الأساسية.

في عدن (جنوب) التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، يؤكد وليد الوصابي، الذي يعمل بأجر يومي في مخزن تجاري لـ "العربي الجديد"، أنه يتقاضى 8 آلاف ريال في اليوم (7 دولارات وفق سعر صرف الدولار في مناطق سيطرة الحكومة).

ويشير الوصابي إلى أن ما يحصل عليه لا يغطي تكاليف احتياجات أسرته المعيشية من غذاء وإيجار المسكن وأجرة المواصلات العامة، بينما جرى الاستغناء عن الكثير من الاحتياجات والخدمات.

ووفق تقرير إحصائي اطلعت عليه "العربي الجديد"، فإن الأجور في اليمن زادت بنحو الثلثين خلال الفترة من 2014 إلى 2021، ولكنها ليست كافية لمواكبة ارتفاع الأسعار، إذ ارتفع الأجر اليومي للعامل غير الماهر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من 3 آلاف ريال إلى نحو 5 آلاف ريال، بينما زادت في مناطق الحكومة إلى ما يصل إلى حوالي 9 آلاف ريال.

ويشير التقرير إلى أنه من أجل استيعاب زيادة تكاليف المعيشة، يجب أن تزيد الأجور بمعدل خمسة أضعاف في مناطق الحوثيين وأكثر من ثلاثة أضعاف في مناطق الحكومة اليمنية، لضمان قدرة العامل اليمني العادي على مواكبة ارتفاع الأسعار. ويسد الناس هذه الفجوة في القدرة الشرائية من خلال العمل لساعات أطول، والاقتراض من الأصدقاء والأقارب، أو خفض الإنفاق على الضروريات مثل الطعام والخدمات الصحية.

ويحذّر مسؤولون وخبراء اقتصاد من زيادة انعدام الأمن الغذائي في اليمن وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة، خصوصاً المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية. فكل ذلك مع تعدد الأزمات الاقتصادية والغذائية يمكن أن يؤدي إلى تهديد بناء السلام وتقويض الهدنة وجهود الاستقرار في اليمن.

ويكشف مصدر مسؤول في وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية في عدن، في حديث لـ "العربي الجديد"، عن استعدادات تجري لتنفيذ مسح الأمن الغذائي وسبل المعيشة في اليمن، من قبل برنامج الغذاء العالمي ومنظمات الأمم المتحدة، بمشاركة وزارة التخطيط وجهات حكومية أخرى، وذلك في أكتوبر المقبل.

فجوة غذائية تتسع

ويوضح المصدر أن هناك فجوة غذائية تتسع باستمرار في اليمن، والتعامل معها يقتضي الوقوف على حجم الاحتياجات، والتي بموجبها يجري العمل على حشد الدعم الإنساني والتنموي من قبل المانحين والمجتمع الدولي وتدخلات وخطط الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي ومتطلبات دعم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي للعام القادم.

بدوره، يقول علي سيف كليب، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن إطالة أمد الصراع في اليمن فاقمت المشاكل الاقتصادية والمعيشية لغالبية السكان، خاصة مع فقدان نسبة كبيرة منهم لمصادر الدخل وسبل العيش وانهيار الأمن الغذائي وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل مضاعف، خاصة أن اليمن بلد مستهلك يستورد معظم احتياجاته من الخارج.

ويستورد اليمن 90 % من احتياجاته الغذائية الأساسية، والتي ارتفع سعرها بشكل حاد مع انخفاض قيمة الريال مع بداية الصراع، في حين تضاعفت تكلفة المعيشة طوال سنوات الحرب، وزادت الحاجة للعمل المطلوب لإطعام أسرة مكونة من سبعة أفراد لمدة شهر من 48 إلى 80 ساعة أسبوعيا، في حين انخفضت مستويات التوظيف إلى حوالي 60 %، وفق تقارير محلية.

ووصلت نسبة الفقر في اليمن إلى نحو 80 % من السكان، مقارنة بنحو 49 % في آخر عام قبل اندلاع الحرب عام 2015، فيما يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 17 مليوناً إلى مساعدات لتلبية احتياجاتهم اليومية، وفق الأمم المتحدة.

وتآكلت احتياطيات النقد الأجنبي للدولة تدريجياً، وتخلى البنك المركزي اليمني عن تمويل استيراد السلع الأساسية والوقود على مراحل، خاصة مع انحسار الدعم الخارجي لملايين الأسر المتضررة من الحرب.

انقسام المؤسسات المالية والنقدية

وتسبب الصراع، الذي تركز منذ مطلع عام 2020 في الجانب الاقتصادي، في انقسام المؤسسات المالية والنقدية، وتجزئة العملة المحلية، عدا عن فوارق في سعر صرف العملات الأجنبية التي تتداول بسعرين مختلفين في كل من صنعاء وعدن، إذ تصل نسبة الفارق إلى حوالي 100 %، حيث يبلغ سعر الدولار في عدن نحو 1129 ريالا، فيما يصل في صنعاء إلى حوالي 559 ريالا.

ويقول الخبير في الاقتصاد الاجتماعي ناصر القاضي لـ "العربي الجديد"، إن ارتفاع تكاليف المعيشة وانقطاع رواتب الموظفين المدنيين منذ سبتمبر من عام 2016 قضى على الطبقة المتوسطة في اليمن ووسّع رقعة الفقر وأفقد نسبة كبيرة من اليمنيين قدراتهم في مواجهة الاحتياجات المعيشية الأساسية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى