​مات زوجها فبدأ عملها.. بائعة اللحوح في أسواق صنعاء الشعبية

> محمد المخلافي

> على رصيف أحد الأسواق الشعبية في العاصمة اليمنية صنعاء، تقعُد أم صلاح (41 عامًا) فوق كُرسيها المتشقِّق، دون أي غطاء يحميها من أشعة الشمس، وقطرات المطر، منذ أن بدأت عملها في بيع "اللحوح" بعد وفاة زوجها قبل 5 سنوات، ليتحول عملها مع مرور الوقت إلى مشروع ناجح بالرغم من المعوقات التي تواجهها أثناء تسيير العمل.

تقول أم صلاح لـ ”المشاهد": "تدهورت حالتنا المعيشية بعد مرور عدة أشهر من وفاة زوجي، وبدأت أبحث عن عمل أستطيع من خلاله توفير لقمة العيش، فلجأت لإعداد "اللحوح" في المنزل، وبيعه في الشارع، بغرض تأمين قوت يومنا"، مضيفة: "لم أتوقع في يوم من الأيام أن أعمل في الشارع، لكن الظروف الصعبة التي عشتها أجبرتني على ذلك، وجدت نفسي وحيدة أواجه متاعب الحياة من أجل إعالة 4 أطفال، عندما تخلى عنهم القريب، ونسيهم فاعلو الخير".


ساعات عمل طويلة

ينذر الوضع الإنساني في اليمن بالخطر مع وصول انعدام الأمن الغذائي لأعلى نقطة منذ بدء الصراع عام 2015، وفق برنامج الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي يذكر أن نحو 19 مليون شخص (أكثر من 60 % من السكان)، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في الفترة بين يونيو وديسمبر، ويشير إلى أن معدل سوء التغذية في أوساط النساء والأطفال من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم.

وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين مع استمرار النزاع في البلاد منذ ثمان سنوات، مما دفع النساء إلى التوجه نحو المشاريع الصغيرة والأصغر، بالرغم من غلاء مواد الإنتاج، وارتفاع أسعار الغاز والوقود، وضعف القدرة الشرائية، كما هو الحال مع أم صلاح، التي تعمل في المنزل لساعات طويلة، إذ تبدأ بتجهيز ما تنتجه منذُ طلوع الفجر، وحتى الساعة التاسعة صباحًا، لتذهب بعد ذلك إلى السوق رغم تدهور صحتها النفسية والجسدية بسبب عملها الشاق الذي أهلك سنين عمرها.

تقول: "في العامين الماضيين بدأت بتوزيع “اللحوح” لبعض البقالات، ويصل دخلي اليومي أحيانًا إلى 10 آلاف ريال إذا أنفق أصحاب البقالات كل الكمية، وأتعرض للخسارة إذا لم تنفق بضاعتي، لكون اتفاقنا أن ما تبقى يعود لي في اليوم التالي".

إساءات على الرصيف

تتعرض أم صلاح للإساءة والمضايقة من كل من حولها، كما تقول، مضيفة: جميع من يعرفوني ينادونني بغير اسمي، حتى صاحب الصيدلية التي أجلس أمامها منعني من وضع مظلة تحميني من الشمس بقوله "قومي يا ملحلحة خليني أطلب الله، قطعت الطريق".

خلال السنوات الماضية من الحرب والحصار، دفعت الحاجة الكثير من الأسر لإنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة في المنازل، وبدأ الإنتاج المنزلي ينمو بمعدل كبير أفضل من فترة ما قبل الحرب، إذ حققت النساء اللواتي تلقين الدعم والتمويل، نجاحات كبيرة، وأصبحت مشاريعهن الصغيرة تحقق عائدات جيدة، حد قول الصحفي والمحلل الاقتصادي رشيد الحداد، مضيفًا أن أصحاب المشاريع الصغيرة والأصغر من النساء اللاتي افتتحن مشاريع منزلية كالخياطة وصناعة الكعك، والمخبوزات اليمنية الشعبية، واجهن صعوبات وتحديات متعددة في مجال العمل نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج في مشاريعهن الصغيرة، مما أدى إلى تراجع هامش الربح، وتسبب بتوقف الكثير منهن عن ممارسة أنشطتهن.

وتعد المشاريع الصغيرة ملجأً للكثير من الأسر اليمنية للحصول على اللقمة في زمن الحرب، لكن الظروف المادية الصعبة منعت الكثير من الأسر من إنشاء مشاريعها الصغيرة، وذلك نتيجة ظل قلة الاهتمام من قبل الدولة والمنظمات المجتمعية بهذهِ المشاريع التي قد تسهم في التخفيف من البطالة.
وتتحدث مروى العريقي، مدير تحرير منصة "هودج" (منصة يمنية مهتمة بالمرأة) قائلة: "نحتاج إلى تشريعات تسنها الدولة، تسهل افتتاح مشاريع للأعمال الصغيرة والأصغر للشباب، وللنساء، حيث يمارس فيها الشخص مهنته التي يحبها، ويستطيع من خلالها أن يقدم خدمة جديدة أو منتجًا بطريقة غير مألوفة”.
وتضيف العريقي: "هناك مشاريع تمولها مؤسسات بنكية، لكن هذه المؤسسات في الأخير ربحية، ونحن بحاجة إلى مؤسسات تملكها الدولة، وإلى مشاريع تنموية مستدامة لا تقف عند حد التأهيل، كما في المشاريع التي تقدمها منظمات المجتمع المدني".

ولا بد من تفعيل النقابات والجمعيات والمبادرات لتأهيل المرأة اليمنية، حتى يكون لها دور فاعل في المجتمع، وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا لتتغلب على كل الأزمات والظروف المصطنعة، كما تقول لـ ”المشاهد” منار خليل، وهي ناشطة مهتمة بالشؤون الإنسانية.

تمويلات مشروطة

وعلى الرغم من التهميش الذي تواجهه المرأة اليمنية، إلا أنها استطاعت خلال السنوات الماضية أن تقاتل ببسالة، وتتحدى كل الظروف المحيطة بها، لتوفر حياة كريمة لها ولأسرتها في ظل الواقع الصعب في البلاد، حد قول منار.
وذكر تقرير صادر عن الصندوق الاجتماعي للتنمية، أن عدد المشاريع المنجزة والتي تحت التنفيذ في قطاع المنشآت الصغيرة، خلال الفترة من 2016 وحتى منتصف 2021، بلغ 123 مشروعًا، استفادت منها النساء بنسبة 45 %.

وأشار التقرير إلى أن عدد المشاريع المنجزة والتي تحت التنفيذ خلال النصف الثاني من العام الماضي، 27 مشروعًا، إذ بلغت نسبة النساء المستفيدات 51 %، لكن المرأة اليمنية تجد صعوبات في الحصول على التمويل من المؤسسات البنكية، نتيجة لعدم قدرتها على توفير وثيقة الضمان التي تشترطها البنوك لتقديم التمويل، وعدم امتلاك البعض ما يثبت هويتهن الشخصية، بحسب مصدر مختص بالتمويل في مؤسسة بنكية (فضَّل عدم ذكر اسمه).
وأكد المصدر أن عددًا كبيرًا من النساء يحصلن على التمويل بضمانة عاقل الحارة أو شيخ المنطقة، بسبب عدم قدرتهن على توفير الضمان التجاري، لكن أية جهة تقدم التمويل لا تقبل إلا ضمانات كبيرة ذات قيمة، خصوصًا في فئة النساء اللاتي قد يعجزن عن تسديد الأقساط الشهرية للجهة الممولة.

”المشاهد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى