ماذا تبقى من الوحدة المغدور بها؟

> تحولت الوحدة من مشروع نهضوي للجنوب والشمال إلى مشروع كارثي وعوامل تدميره تكمن في أعماق عقلية النخب الشمالية التي عاشت ولا زالت تعيش على أوهام تاريخية طائفية مغلفة بشعارات وطنية براقه وسرعان ما انكشفت وتعرت أمام العالم.

ستظل الأزمة قائمة طالما لم تتعدل عقلية النخب الشمالية تجاه الجنوب واستمرار تجاهل هذه الأزمة ستمتد آثارها إلى أبعد مدى جغرافي وستستخدمها قوى إقليمية ودولية في الصراع السياسي في منطقة الجزيرة والخليج وستعاني منها شعوب المنطقة وهي بذرة لعدم الاستقرار ونافذة للتدخلات الاجنبية.

لم يكن اليمن دولة موحدة على مر التاريخ ولكن هناك من غرس في عقول العامة هذا المفهوم الذي تحول على مدى الثلاثين عاما من عمر الوحدة إلى ميدان للحروب والتدمير وعدم الاستقرار ليس للشمال والجنوب ولكن للمنطقة بكاملها

فشلت الوحدة التي تمت بين الجنوب والشمال لأنها بنيت على أسس هشة وعلى أساطير تم صناعتها في خيال النخب السياسية والقبلية وغرسها في عامة الشعب وهي لم تكن موجودة إلا في خيالاتهم فقط ولم يسندها أي تاريخ حقيقي منذ الممالك القديمة التي لم يرد فيها أي شيء يشير لدولة يمنية موحدة غير أنها كانت تحدث صراعات بين الممالك بهدف كسب أراضٍ وتدمير المدن القائمة وظلت الصراعات متواترة بينها من كر وفر إلى أن أتى الإسلام، ولم نجد دوله تحت اسم اليمن موحدة وكذا استمر الحال في العصور الوسطى إلى العصر الحديث.

هم يعرفون ذلك ولكنهم يتجاهلون الوقائع على الأرض وكانت الغلطة التاريخية الذي وقع فيها الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب أن أقدم على الوحدة دون أخذ الحيطة والحذر وكان غبار الأفكار القومية تغطي الصورة الحقيقية التي حولت هذه الوحدة إلى كارثة.

وكانت النية مبيتة لدى قيادات صنعاء بأن يتم توحيد الجنوب بالشمال والهدف سحب الغطاء الدولي لجمهورية الجنوب وبعدها يتم تصفية كل ما له علاقة بها من بشر ومؤسسات وبعد أن يصبحوا مواطنين يتم القضاء عليهم وهذا ما ورد على لسان محمد عبدالله الفسيل وهكذا تمت العملية بسلاسة بعد سحب البساط عن الدولة الجنوبية والخطورة في الأمر أن هذا الحديث قاله الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قبل الوحدة بسنوات ولم يتسرب أي خبر عنه مما يعني أنهم جميعا كانوا متفقين على هذا النهج التآمري الخطير وصمتوا حتى تمت الوحدة.

سلطنات الجنوب أقدم بقرون من تأسيس اليمن السياسي والذي أنشئ بعد الحرب العالمية الأولى وبعد هزيمة الأتراك وتسليم صنعاء للإمام الزيدي يحيى حميد الدين وحتى لم يكن اليمن الأسفل كما كانوا يصفونه ( تعز و إب ) تابعه لصنعاء وإنما أوعز الأتراك لمشايخ تلك المناطق بالانضمام إلى حكم الإمام الزيدي وبعدما انضموا طواعية تم اقتيادهم مكبلين بالقيود والسلاسل ومشيا على الأقدام إلى صنعاء وتم توزيعهم على السجون هناك وأما تهامة فلم تستسلم وقاومت الإمام الزيدي وقدم الزرانيق أروع مشاهد الشجاعة في الدفاع عن أرضهم ولكنهم وقعوا تحت الخديعة والغدر وتم القضاء على أكثر من عشرة آلاف منهم، والاستيلاء على أرضهم بالحديد والنار وتعاقب ثوار سبتمبر على اضطهاد التهاميين حتى من أتى بعدهم إلى اليوم.

عند استقلال الجنوب حاولت بعض العناصر القيادية في صنعاء الضغط بعدم الاعتراف بالجنوب كدوله وكانوا يريدون الجنوب أن يأتي إلى صنعاء ليسلم مقاليد السلطة وكانت صنعاء محاصره من قبل القوات الملكية والجمهورية بذاتها كانت في مهب الريح ولكن أوعز لهم الرئيس عبدالرحمن الإرياني بأن يتم الاعتراف بالجنوب لعلهم يجدون الدعم والمساندة وان استولت الإمامة على صنعاء سيجدون الجنوب ملجأ لهم.

كانت الحرب الاولى ضد الجنوب سبتمبر 72 م بقرار من مجلس الشورى الذي يقوده الشيخ الأحمر وأعلن (الجهاد المقدس )لاستعادة الجنوب وضمه إلى صنعاء ولكنه هزم وتدخلت الجامعة العربية وبدأت الحوارات حول الوحدة وحتى الاتفاقات التي تمت كان ضحيتها رئيس الوزراء محسن العيني الذي قوبلت بالرفض من قبل قيادة الجيش اليمني وطبقة المشايخ مما اضطره لتقديم استقالته.

أما الحرب الثانية في فبراير 79 م فهي عجيبة وغريبة لأن صنعاء كانت تحضر لها وهذا ما ورد في مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم وفي الجنوب كان التحضير لها من قبل الجبهة الوطنية ولكن بدعم من قيادة الحزب والدولة ( عبدالفتاح اسماعيل رئيس الدولة وعلي ناصر نائبه ) بعيدا عن وزارة الدفاع وهيئة الاركان العامة التي ظلت تراقب الموقف وبعد أن هزمت الجبهة الًوطنية على حدود قعطبة اتخذت رئاسة الدولة قرار بتدخل الجيش الجنوبي الذي حسم المعركة في غضون ساعات قليله وتوغل في عمق الأراضي الشمالية وبعد الحرب تأتي المفاوضات التي جرت في الكويت بين رئيسي الجنوب والشمال الذي اتفقا على تشكيل لجنة تعد الدستور وكان المعيار الرئيسي لكل خمسين ألف مواطن ممثل في مجلس النواب والذي سيكون الغلبة للشمال بشكل كاسح وبعد الانتهاء من إعداده في سبتمبر 81 أوعز للجنة من قبل قيادات الجنوب والشمال بعدم الإعلان عن الانتهاء منه لغرض في نفسيهما.

تأكد للقيادة في صنعاء بأن طريق الوحدة بالقوة المسلحة لن تتحقق فعمد إلى اتخاذ طريق آخر عبر الخداع والغدر والمراوغة والدسائس وتمت الوحدة بتلك الطريقة وفي حين تتم اجراءات الوحدة قام نظام صنعاء ورئيس الجمهورية الموحدة بجلب عشرات الآلاف من الأفغان العرب إلى اليمن وأدخلهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية حتى يضمن حركتهم بحرية وبشكل رسمي والهدف هو التحضير لاجتياح الجنوب بل شكل حزب الإخوان المسلمين من رحم المؤتمر الشعبي العام وباتفاق بين الرئيس والشيخ لمعارضة الوحدة وشغل ماكنة الاغتيالات للكوادر الجنوبية.

لم يستجب نظام صنعاء للإجماع الوطني بعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق تحت إشراف جلالة الملك حسين وبحضور إقليمي ودولي وتم رميها عرض الحائط وقام بحشد الأفغان العرب مع الجيش اليمني وكل ما يسمونهم علماء اليمن الذي أفتوا بشرعية قتل الجنوبيين ومصادرة ممتلكاتهم وكذا حشد كل المعارضين الجنوبيين وجاءت اللحظة التي تم فيها اجتياح الجنوب بالقوة وبعد سبعين يوم حرب سيطرت القوات الشمالية الخليط من الأفغان العرب ومجموعة من الألوية الجنوبية بقيادة عبدربه منصور هادي الذي فتح الطرق للجيوش الشمالية لاحتلال عدن والجنوب بشكل كامل.

كلهم يحدثونك عن الوحدة وعن عظمتها وتاريخها و...إلخ وهم أول من نحرها منذ أيامها الأولى وفي نفس الوقت لا أحد يهتم بالعدالة والمواطنة المتساوية ولا عن كرامة الإنسان وحقه في العيش والحياة الكريمة وبالنسبة لهم الوطن مجرد حفنة من التراب ممكن يبيعه في اول مزاد في سوق السياسية وكلهم متفقين ولم نرى شمالي سياسي أو قبلي أو مواطن استنكر الظلم الذي لاقاه الجنوبيون بعد احتلال الجنوب وما يعانيه الإنسان الجنوبي من اضطهاد لكن تبقى الوحدة بالنسبة لهم كأرض بدون إنسان جنوبي.

تعرض الجنوب لمجازر دموية من قبل نظام صنعاء في ردفان وسناح وزنجبار ومصنع أكتوبر والمعجلة وعدن وغيرها من المناطق الجنوبية ولم نرَ احد من الشماليين كأفراد أو أحزاب أو مشايخ أو منظمات مجتمع مدني أدان أو استنكر تلك المجازر كما لم يدين أحد منهم أعمال القنص للمتظاهرين الجنوبيين في الحراك الجنوبي وقتل آلاف منهم بإطلاق نار مباشر تصوب إلى صدورهم ورؤوسهم واستمر الحال بعد رحيل عفاش لكن كانت التعليمات من الخلف أن يستمر التصويب لكن نحو أرجل المتظاهرين ومن مظاهر الارتهان للخارج كان عفاش يطلب من الأمريكان قتل الجنوبيين بالطائرات وهو سيعلن بأنها طائرات يمنية وهو الذي جلب القاعدة إلى اليمن وهو الذي استثمرها عند الأمريكان وأصبح الجنوب مجرد ميدان للرماية له والأمريكان.

حتى الحوثي اليوم يتقمص رداء الوحدة وهو الذي يعتبر من أقل الأقليات، اغتصب السلطة ويرفع هذا الشعار سيتحول إلى بطل وطني في نظر عامة الشمال وخاصته وسيحصل على شعبية هناك وسيقفون وراءه وقد صرح بذلك كثير من القياديين من الشرعية وفي بعض الأحزاب ومشايخ القبائل لكنهم نسوا بأنه انقلاب على شرعيتهم وأنه أداة بيد إيران ضد مصالحهم الوطنية وضد الأمن القومي العربي وأنه غيّر مفاهيم المجتمع اليمني من عادات وتقاليد ومناهج دراسية وحتى مفاهيم دينية وأصبح يقود المجتمع إلى نمط حياة لا تنتمي إلى التراث اليمني والعربي والإسلامي الصحيح ومع ذلك يتقاضون عن برنامجه الذي حول المجتمع اليمني إلى مجتمع خرافات يُحكم باسم السلالة الضيقة وعليهم ان يكدحوا ليل نهار لكي يدفعوا له الخمس من أموالهم الخاصة والعامة.

ماذا تبقى من الوحدة بعد كل هذه الجرائم التي تعرض لها شعب الجنوب طيلة الثلاثين السنة الماضية، وهذا غيض من فيض من بحر الجرائم المتنوعة ضد الجنوب، إذن من الذي سيقبل بأن يتوحد مع هده العقليات التي دمرت الدولة وارتهنت للخارج وأصبح اليمن جزء من سياسة إقليمية معادية للعروبة والاسلام ولا أعتقد أن تتغير تلك العقلية في المدى المنظور ولكن إن ارادوا الأمن والاستقرار يعم المنطقة فما على النخب الشمالية بمختلف تشكيلاتها إلا ان تراجع نفسها وأن تعود إلى جادة الصواب وأن تتخلى عن الأوهام القاتلة ولن يبنى مستقبل آمن للجميع إلا بتوازن المصالح والاعتراف بالحقوق المشروعة لجميع الأطراف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى