لم تكن سنوات «الصحوة» كابوساً يتبدد بمجرد الاستيقاظ، بل كانت حقيقة لا يصح إنكارها بمجرد يقظه مازالت افتراضية باعتبار أن بعضاً من روادها قد قفزوا من مركبها تحت الضرورة الظرفية التي أجبرتهم على القفز، دون أن يقدموا مراجعات موضوعية لكل تلك السموم التي سمموا بها عقول المجتمعات العربية والإسلامية. ما حدث لم يكن تنويماً مغناطيسياً، بمقدار ما كان تسللاً من فئة اختطفت الدين ووظفته بنصوصه وتعاليمه وحولته لأطر تلائمها وتناسب أهدافها.
بواقعية، من الخطأ اعتبار أن المجتمعات العربية والإسلامية قد استفاقت من حقيقة حوادث صنعت جهيمان العتيبي الذي استباح المسجد الحرام في الشهر الحرام كما تلك الحوادث المماثلة التي صنعها المدّ الثوري الشيعي المتزامن، فأخضعت الشعوب تحت الرعب والخوف ومررت الأفكار المتعصبة لتحكم علاقات الناس بعضهم ببعض ومنها حكمت تلكم العلاقات المسلمين والعرب مع العالم.
لا شيء يأتي من الفراغ، فلولا أن هزات كبرى ضربت المنطقة الحاضنة لهذه الجماعات لما تأزمت علاقات شعوب المنطقة بالعالم في مرحلة حرب باردة بين معسكرين شرقي وغربي. قد يكون جيل «البودكاست» محظوظاً أنه لم يعيش في حقبة الكاسيت، ولكن هذا الجيل المعاصر مازال يتلقى ارتدادات الصحوة بكافة ما فيها من تعصب، فهو يرى ويتعايش مع إفرازات التشدد والانقسامات المذهبية والتصنيفات المجتمعية القادمة من تلك الحقبة المسمومة.. هذه معطيات لا يمكن اجتيازها؛ فهي ضمن مجريات الحياة وتفاصيلها، فالمحرمات هي الأصل، وإن حاولنا اعتبارها مباحات بحكم اللحظة التي نستدعي فيها الإفاقة الكلية من كتيبات رخيصة صاغت الأحكام الفقهية، وتدخلت في أدق الشؤون الشخصية، حتى أنها حرمت أهم ما حلل الله تعالى، ألا وهو التفكير والتقدير للإنسان.
والاستجابة لتلك الدعوات تُعطي دلالات قطعية على أن الإفاقة لم تكتمل، وأن مخزونات «الصحوة» مازالت وفيرة وتنتظر تنشيطها لتعاود التأثير. ويبدو ما تم لا يكفي، فمازالت المنابر تبث ذات الخطاب المملوء بالكراهية والتخويف، وهي الخصائص التي أسست لتلك الحالة التي منها تسربت الأفكار التكفيرية والرافضة لقبول الآخر مع أنه شريك في الوطن والمصير.