قفز من فوق تسعة جِمال دفعة واحدة...أغرب رياضة في اليمن

> بلال فيصل

>
"أنا لا أتعاطى القات ولا أدخن السيجارة، أشرب حليب الإبل باستمرار، وألتزم بنظام صحي وغذائي محدد" تلك بعض عادات الشاب التهامي حسين عمر جابر قبيصي، الذي حقق رقماً قياسياً في رياضة القفز عن الإبل.

يمارس حسين (21 عاماً) هذه الرياضة منذ كان عمره 15 سنة، ويقول "إنه يتناول الأكلات التهامية الصحية والمفيدة، مثل السمن البقري واللبن والدخن، ويتجنب شرب الماء البارد"  وقد بدأ ممارسة رياضة القفز عن الجمال بالتدرج، فقفز أولاً من  فوق جمل واحد  فجملين فأكثر، حتى وصل إلى القفز من فوق تسعة جمال وهو رقم لم يصل إليه أحد من قبله.


رقم قياسي... 3×9 أمتار

وحول المساحة الطولية للقفزة التي حققها وارتفاعها، يقول إن القفزة من فوق تسعة جمال هي بارتفاع ثلاثة أمتار،  وبطول تسعة أمتار. وقد تم تكريم حسين بكأس المركز الأول، في المهرجان الكرنفالي الذي بدأ في الأول من شهر أكتوبر واستمر لعدة أيام في مدينة الخوخة الساحلية التابعة لمحافظة الحديدة غرب اليمن.
يتدرب حسين بالقرب من منزله ثلاثة أيام في الأسبوع من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، ويشارك في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية كالأفراح سواء بالقفز أو  بالرقصات التهامية التي يتقنها مثل "تقحيلً التسيف أو السيف، التبريش، الحَقفة"، وهي رقصات شعبية تتطلب لياقة بدنية عالية، كما يقوم بتدريب أبناء عمومته "الناشئين" كما يسميهم للقفز عن الجمال، يقول: "يتنافس عدد من  شباب منطقة الحسينية في الحديدة على هذه الرياضة، أشارك معهم والحمد لله ما زلت محافظاً على المركز الأول".

يسمح لأبناء القبيلة بممارسة هذه الرياضة من عمر 15 سنة وعند وصولهم إلى سن 22 يتمكن المتميزون منهم من القفز من فوق 7 جمال. ويتفرد بها أبناء قبيلة الزرانيق بمحافظة الحديدة اليمنية، ضمن ألعاب القوى، ففيها القفز والوثب، وتتطلب مهارات عالية، ولياقة بدنية مناسبة.
وعن قلة الاهتمام بهذه الرياضة، يقول: "للأسف لا يوجد اهتمام حتى بنسبة واحد في المائة، رسالتي للمسؤولين والمعنيين أن  يدعمونا وسنحقق أرقاما قياسية جديدة". ومع أنها ليست معتمدة رسمياً كرياضة ولا يوجد لها اتحاد رياضي محلي كباقي الرياضات تبقى واحدة من الألعاب التقليدية التي يعتبرها أبناء الحديدة خاصة واليمن بشكل عام، جزءاً من موروثهم الشعبي.

نشأتها وارتباطها بالزرانيق

ارتبطت رياضة القفز على الجمال بقبيلة الزرانيق، وهي إحدى القبائل اليمنية، المشهورة، يقطن ابناؤها مناطق ساحل تهامة بمحافظة الحديدة.
وترتبط اللعبة بتقاليد هذه القبيلة وعاداتها بحسب عبدالله القبيصي، (أحد ابناء قبيلة الزرانيق وهو شاب عشريني جامعي)، يقول: "بالنظر إلى تربية أبناء الزرانيق على الشدة والعنف، نفهم إتقانهم للعبة كهذه، كما أن تاريخ القبيلة يؤكد لنا أنها قبيلة قتالية شرسة قامت بثورات متواصلة على من حكم أرضها كالدولتين الرسولية والطاهرية".

تحاكي رياضة القفز على الجمال الأداء القتالي الذي تميّزت به قبيلة الزرانيق، وارتبطت التربية البدنية وأسس اللعبة بالجغرافيا، فالجمل رمز للصحراء التي يعيشون فيها (صحراء تهامة)، وكلما كان الشخص قوياً وزادت مهارته كان قفزه أطول.
تحدث عبدالله القبيصي: كانت هذه اللعبة تقام في مواسم حصاد الزرع وبعد الانتصارات على الأعداء، وقد نشأت منذ نشأت القبيلة وتطورت إلى جانب ألعاب أخرى يمارسها الزرانيق كالوثب إلى مدى يتجاوز الستة أمتار والجري، وكانوا يجسدون الأبطال في القفز ويكتبون أسماءهم ويحكون عنهم الأساطير ويقولون فيهم الشعر الشعبي المشهور في تهامة.


الأطفال أيضاً

يبدأ أطفال القبيلة بممارسة هذه الرياضة من سن السابعة، وفي البداية يقفزون على الجمل وهو على الأرض، وبعد أن ينجحوا في ذلك يضعون جملاً ثانياً إلى جانب الجمل الأول ويقفزون من فوقهما، بعدها ينتقلون إلى تعلم القفز بمساعدة العصا، ومع مرور الوقت، يبدؤون بالقفز من على جمل واحد وهو واقف ثم تتطور مهاراتهم مع مرور السنوات حتى يتمكنوا من القفز فوق سبعة جمال.

يقول القبيصي: "نرى بعض الدول تتباهى في عروضها العسكرية أن الجنود يقفزون من فوق سيارة واحدة" ثم يعقب مازحاً: "نحن في قبيلة الزرانيق نقلل من قيمة ذلك، لأن هذا ما يقوم به أطفالنا وهم في عمر 12 سنة وأقل".
تعتمد هذه الرياضة على السرعة واللياقة والشجاعة، وهي واحدة من أغرب الألعاب الشعبية في اليمن، اشتهرت بأدائها قبيلة الزرانيق منذ عصور، ويخضع من يمارسها لبرنامج تدريبي مكثف منذ سن مبكرة يبدأ من التمرن على على الوثب التدريجي في الهواء ثم القفز بارتفاع يصل أحياناً إلى 6 أمتار.


حبل المعدة وجينات الجد الأول

ويشير القبيصي إلى أن من يمارسون هذه الرياضة يتناولون غذاءً خاصاً كل مكوّناته طبيعية، وإذا خالفوا ذلك فإن المخالفة تنعكس سلباً على أدائهم، كما أنهم يحرصون على المحافظة على رشاقة أجسادهم إذ يلفّون حبلاً دقيقاً حول منطقة المعدة أثناء تناولهم وجبة الطعام ويكون هذا الحبل هو المقياس لحجم الوجبة الغذائية المطلوبة.

واحدة من صفات الجمال التي يتم القفز عنها هي أن يكون جملاً مكتملاً أي شاباً،  فضلاً عن أن تكون كل الجمال متقاربة الحجم.
الوثب عن الإبل هي رياضة خاصة بأبناء قبيلة الزرانيق حصراً، ولا يستطيع غيرهم ممارستها، يعتقد عبدالله القبيصي أن "السبب يعود ربما لجينات الجد الاول للقبيلة زرنق، وهذا ما يعطي الشاب الزرنوقي تلك القدرة".

ونسب الزرانيق يعود إلى زرنق بن وليد بن زكريا بن محمد بن حامد بن معزب بن عبيد بن محمد الفارس بن زيد بن ذؤال بن شبوة بن ثوبان بن عبس بن سحارة بن غالب بن عبدالله بن عك. وقد كانت القبيلة تسمى قديماً بالمعازبة، لكن تلاشى هذا الاسم وطغى اسم الزرانيق.

من المناسبات الدينية إلى المهرجانات

كانت هذه الرياضة القديمة تُمارس في المناسبات الدينية مثل الاحتفال بالمولد النبوي والشعبانية (15 شعبان)، والإسراء والمعراج، وعيدي الأضحى والفطر ، وفي زيارة الأولياء وفي الأعراس، وظلت كذلك منذ الجد الأول لقبيلة الزرانيق، حتى عام 1987 حيث نظم لها أول مهرجان برعاية محافظ محافظة الحديدة آنذاك عبد الرحمن محمد علي عثمان وهو من مشجعي هذه الرياضة بحسب شهادة أبناء الحديدة، فقد قرر في ذلك العام تنظيم أول مهرجان في مدينة الحسينية عاصمة قبيلة الزرانيق التابعة لمديرية بيت الفقيه (60 كيلومتراً جنوب مدينة الحديدة) ، وقد أقيمت فيها سبعة مهرجانات كان آخرها عام 2008، توقف المهرجان لأسباب مختلفة ثم عاد هذا العام، إلا أن هذه الرياضة المثيرة والنادرة لم تتوقف.

وقد جرت العادة أن تنظم قبيلة الزرانيق عصر الاثنين من كل أسبوع منافسة بين شباب القبيلة في القفز فوق الجمال، لتطوير مهاراتهم في اللعبة من جهة، وللحفاظ عليها من الاندثار من جهة أخرى، وإحياء لذكرى هذا التجمع الأسبوعي الذي يقام منذ القدم.

مهرجان شعبي كرنفالي

في الأول من أكتوبر 2022 انطلق مهرجان الحديدة الكرنفالي بمدينة الخوخة الساحلية، برعاية السلطة المحلية، وقد حضر افتتاح المهرجان عددا من المسؤولين الحكوميين يتقدمهم محافظ المحافظة.
المهرجان الذي عاد هذا العام بعد توقف عدة سنوات، كان قد شهد خلال فترته الصباحية تسجيل رقم قياسي جديد في رياضة القفز على الجِمال، وقد  بُدء باستعراض الفرق المشاركة من الخيالة والهجانة والفرق الشعبية للرقص والموروث التهامي.

وحين بدأت مسابقة القفز على الجمال تمكن اللاعب حسين عمر جابر من الحصول على المركز الأول بتحقيقه رقماً جديداً بالقفز على تسعة جمال فيما قفز اللاعب عبدالرحمن جابر على سبعة ليحصد المركز الثاني.
أما في منافسات الجري مع الجمال فقد استطاع اللاعب حمزه شلاع أن يفوز بالمركز الأول، وجاء زميله عبدالله علي في المركز الثاني.

وفي سباق الخيول تمكن الفارس توفيق أبو العيد من إحراز المركز الأول فيما جاء الفارس مهيوب قبيصي في المركز الثاني، وفي سباق الهجن استطاع الهجّان خالد سعيد كليب الفوز بالمركز الأول وحل الهجّان عبدالله علي حسن في المركز الثاني.
وقد كانت هناك محاولات لاعتماد رياضة القفز على الجمال بشكل رسمي، فقد سبق وتم تقديم طلب لتكون رياضة دولية بحيث يتم إدخالها ضمن الأولمبياد، وتم إرسال خطاب لوزارة الشباب والرياضة اليمنية بهذا الخصوص، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض، وعن السبب يقول القبيصي: "هناك تهميش متعمد لكل ما هو تهامي لارتباطات سياسية وخلفيات تاريخية، وهذا انعكس على هذه الرياضية وغيرها".

"رصيف22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى