> بلال فيصل
"أنا لا أتعاطى القات ولا أدخن السيجارة، أشرب حليب الإبل باستمرار، وألتزم بنظام صحي وغذائي محدد" تلك بعض عادات الشاب التهامي حسين عمر جابر قبيصي، الذي حقق رقماً قياسياً في رياضة القفز عن الإبل.

رقم قياسي... 3×9 أمتار
يتدرب حسين بالقرب من منزله ثلاثة أيام في الأسبوع من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، ويشارك في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية كالأفراح سواء بالقفز أو بالرقصات التهامية التي يتقنها مثل "تقحيلً التسيف أو السيف، التبريش، الحَقفة"، وهي رقصات شعبية تتطلب لياقة بدنية عالية، كما يقوم بتدريب أبناء عمومته "الناشئين" كما يسميهم للقفز عن الجمال، يقول: "يتنافس عدد من شباب منطقة الحسينية في الحديدة على هذه الرياضة، أشارك معهم والحمد لله ما زلت محافظاً على المركز الأول".
وعن قلة الاهتمام بهذه الرياضة، يقول: "للأسف لا يوجد اهتمام حتى بنسبة واحد في المائة، رسالتي للمسؤولين والمعنيين أن يدعمونا وسنحقق أرقاما قياسية جديدة". ومع أنها ليست معتمدة رسمياً كرياضة ولا يوجد لها اتحاد رياضي محلي كباقي الرياضات تبقى واحدة من الألعاب التقليدية التي يعتبرها أبناء الحديدة خاصة واليمن بشكل عام، جزءاً من موروثهم الشعبي.
نشأتها وارتباطها بالزرانيق
وترتبط اللعبة بتقاليد هذه القبيلة وعاداتها بحسب عبدالله القبيصي، (أحد ابناء قبيلة الزرانيق وهو شاب عشريني جامعي)، يقول: "بالنظر إلى تربية أبناء الزرانيق على الشدة والعنف، نفهم إتقانهم للعبة كهذه، كما أن تاريخ القبيلة يؤكد لنا أنها قبيلة قتالية شرسة قامت بثورات متواصلة على من حكم أرضها كالدولتين الرسولية والطاهرية".
تحدث عبدالله القبيصي: كانت هذه اللعبة تقام في مواسم حصاد الزرع وبعد الانتصارات على الأعداء، وقد نشأت منذ نشأت القبيلة وتطورت إلى جانب ألعاب أخرى يمارسها الزرانيق كالوثب إلى مدى يتجاوز الستة أمتار والجري، وكانوا يجسدون الأبطال في القفز ويكتبون أسماءهم ويحكون عنهم الأساطير ويقولون فيهم الشعر الشعبي المشهور في تهامة.

الأطفال أيضاً
يبدأ أطفال القبيلة بممارسة هذه الرياضة من سن السابعة، وفي البداية يقفزون على الجمل وهو على الأرض، وبعد أن ينجحوا في ذلك يضعون جملاً ثانياً إلى جانب الجمل الأول ويقفزون من فوقهما، بعدها ينتقلون إلى تعلم القفز بمساعدة العصا، ومع مرور الوقت، يبدؤون بالقفز من على جمل واحد وهو واقف ثم تتطور مهاراتهم مع مرور السنوات حتى يتمكنوا من القفز فوق سبعة جمال.
تعتمد هذه الرياضة على السرعة واللياقة والشجاعة، وهي واحدة من أغرب الألعاب الشعبية في اليمن، اشتهرت بأدائها قبيلة الزرانيق منذ عصور، ويخضع من يمارسها لبرنامج تدريبي مكثف منذ سن مبكرة يبدأ من التمرن على على الوثب التدريجي في الهواء ثم القفز بارتفاع يصل أحياناً إلى 6 أمتار.
حبل المعدة وجينات الجد الأول
ويشير القبيصي إلى أن من يمارسون هذه الرياضة يتناولون غذاءً خاصاً كل مكوّناته طبيعية، وإذا خالفوا ذلك فإن المخالفة تنعكس سلباً على أدائهم، كما أنهم يحرصون على المحافظة على رشاقة أجسادهم إذ يلفّون حبلاً دقيقاً حول منطقة المعدة أثناء تناولهم وجبة الطعام ويكون هذا الحبل هو المقياس لحجم الوجبة الغذائية المطلوبة.
الوثب عن الإبل هي رياضة خاصة بأبناء قبيلة الزرانيق حصراً، ولا يستطيع غيرهم ممارستها، يعتقد عبدالله القبيصي أن "السبب يعود ربما لجينات الجد الاول للقبيلة زرنق، وهذا ما يعطي الشاب الزرنوقي تلك القدرة".

من المناسبات الدينية إلى المهرجانات
كانت هذه الرياضة القديمة تُمارس في المناسبات الدينية مثل الاحتفال بالمولد النبوي والشعبانية (15 شعبان)، والإسراء والمعراج، وعيدي الأضحى والفطر ، وفي زيارة الأولياء وفي الأعراس، وظلت كذلك منذ الجد الأول لقبيلة الزرانيق، حتى عام 1987 حيث نظم لها أول مهرجان برعاية محافظ محافظة الحديدة آنذاك عبد الرحمن محمد علي عثمان وهو من مشجعي هذه الرياضة بحسب شهادة أبناء الحديدة، فقد قرر في ذلك العام تنظيم أول مهرجان في مدينة الحسينية عاصمة قبيلة الزرانيق التابعة لمديرية بيت الفقيه (60 كيلومتراً جنوب مدينة الحديدة) ، وقد أقيمت فيها سبعة مهرجانات كان آخرها عام 2008، توقف المهرجان لأسباب مختلفة ثم عاد هذا العام، إلا أن هذه الرياضة المثيرة والنادرة لم تتوقف.
مهرجان شعبي كرنفالي
المهرجان الذي عاد هذا العام بعد توقف عدة سنوات، كان قد شهد خلال فترته الصباحية تسجيل رقم قياسي جديد في رياضة القفز على الجِمال، وقد بُدء باستعراض الفرق المشاركة من الخيالة والهجانة والفرق الشعبية للرقص والموروث التهامي.
أما في منافسات الجري مع الجمال فقد استطاع اللاعب حمزه شلاع أن يفوز بالمركز الأول، وجاء زميله عبدالله علي في المركز الثاني.

وقد كانت هناك محاولات لاعتماد رياضة القفز على الجمال بشكل رسمي، فقد سبق وتم تقديم طلب لتكون رياضة دولية بحيث يتم إدخالها ضمن الأولمبياد، وتم إرسال خطاب لوزارة الشباب والرياضة اليمنية بهذا الخصوص، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض، وعن السبب يقول القبيصي: "هناك تهميش متعمد لكل ما هو تهامي لارتباطات سياسية وخلفيات تاريخية، وهذا انعكس على هذه الرياضية وغيرها".