فارس العمليات البارع يترجل

> اتصل العميد الركن محمد سيف العلوي أطال الله عمره بصوت حزين قائلا الأخ علي يحي عمر توفى اليوم "السبت الماضي" رحمة الله تغشاه. خبر صادم محزن. قرأت الآية: "والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون". روجعت وحوقلت وتحركنا بصحبة الدكتور عبود عبدالله للصلاة على جسده الطاهر وحضور الدفن والحزن يعصر القلوب.

نعم إنها مصائب متوالدة منذ أكبرها ووالدتها ومولدتها وأبيها وأمها حرب صيف 1994م الظالمة.

ذلك الرجل العملياتي المقدام الذي كان يشكل مع رفاقه في دائرة العمليات الحربية لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية فريقا متكاملا متناغما بقيادة القائد والمدير الفذ المقدم صالح علي زنقل يقود القوات المسلحة بصلاحيات كاملة عززت بقرار لوزير الدفاع العميد الركن صالح عبيد أحمد ورئيس هيئة الأركان العامة العميد الركن هيثم قاسم طالب المعمم لكل صنوف وتشكيلات ووحدات القوات المسلحة فحواه بأن أوامر وتعليمات دائرة العمليات الحربية هي تعليمات وأوامر وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان التي يجب تنفيذها دون تردد.

بالاستناد إلى قانون إنشاء وزارة الدفاع ولائحته التنفيذية ولائحة دائرة العمليات الحربية مع إبداع غزير في أنسب الأساليب لتنفيذها بما في ذلك الأوامر والتعليمات السنوية لوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة ومقررات المؤتمرات السنوية لقادة القوات المسلحة تم إعداد مهام الدائرة وشعبها وجميع منتسبيها والخطط السنوية المفصلة بخطط شهرية وفصلية ونصف سنوية يحلل مستوى التنفيذ بشكل سريع يوميا وبشكل أوسع أسبوعيا وبشكل دقيق شهريا وفصليا كل ثلاثة أشهر ثم نصف سنوي وسنويا والذي يعتبر أصعب الامتحانات لدوائر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة وعلى رأسها دائرة العمليات ذلك التحليل السنوي الذي يجري أمام كل قادة القوات في مؤتمرهم السنوي الهام.

من أخطر مهام دائرة العمليات الواجبات اليومية لضباط شعبة القيادة والسيطرة - المناوبة اليومية- التي تتطلب حضورا ذهنيا وجرأة في اتخاذ القرار، مهام برع فيها كل الضباط وهم المختارين بدقة من مختلف صنوف وتشكيلات ووحدات القوات المسلحة، وسأضرب مثالا بواحد من قرارات هذا الفارس العملياتي النقيب يحي عمر عسكر خريج مدرسة القادة بامتياز.

في منتصف عام 1986م خالفت خط التحليق طائرة ركاب أثيوبية بعد اتخاذ الإجراءات القانونية الدولية معها من قبل برج التوجيه والمراقبة لمطار عدن ولم تستجب الطائرة لها أبلغ البرج المناوبة العملياتية الذي كان ضابطها في تلك اللحظة النقيب يحي، يأمر في الحال بإقلاع زوج ميج 21 والذي كان دوما على أهبة الاستعداد لإرغام الطائرة المخالفة على الهبوط في مطار عدن، تمت العملية سريعا، تصوروا الوقت المطلوب، هي دقائق معدودة، قامت السلطات الأمنية في المطار بتفتيشها وركابها مما اعتبرته صنعاء وأديس أبابا انتهاكا لسيادتها وللقوانين الدولية مع إنكار تجاوزها للخط الدولي صنعاء - تعز - أديس أبابا، مع وجود توتر واضح في العلاقات بين عدن وصنعاء وأديس أبابا، إلا أن كابتن الطائرة اعترف بذلك ودون ذلك في سجل خاص وفق القانين والأعراف، مع ذلك زادت هذه العملية الوضع توترا ومما ضاعف التوتر أن الأخوين محمد علي أحمد وأحمد مساعد حسين كانا على متنها ذاهبان إلى أديس أبابا إلا أن القدر قرر بقائهما في تعز دون علم كل الأطراف بما سيحدث.

اجتمع المكتب السياسي ومعه الجهات المعنية في الدولة والحكومة لمعالجة الوضع، مع كل ذلك لم يُسأل الضابط الآمر بإرغام الطائرة على الهبوط إلا كما هو الروتين اليومي فقط لماذا؟ لأنه استند إلى لائحة معلقة أمامه وبالخط العريض وقوبل تصرفه الإيجابي بالثناء لتصرفه السليم والسريع وهو صاحب الذهنية عالية الحضور.

الأمثلة كثيرة منها رئاسته للجنة فشل البعض في أداء مهامها على طول الحدود البرية وسُميت اللجنة بتقارير الموقف بلجنة النقيب يحي عمر عسكر وهذا نادرا ما يحصل.

مثل هذا التاريخ المجيد يجب ألاّ يبقى حبيس المناسبات المؤلمة، لذا نجدها مناسبة لدعوة الجهات في الدولة والمجلس الانتقالي بشكل عام واللجنة العسكرية الأمنية بشكل خاص إلى الالتفات الجدي لتدوين التاريخ العسكري من أفواه صُنَّاعه والوثائق... إلخ، لما فيه خدمة التاريخ والأجيال القادمة جنوبا وشمالا وقبل فوات الأوان على اعتبار أن التاريخ وعاء أمين لتجارب الأمم ووقود تقدمها.

هو وأمثاله الكثير والكثير عانوا من الإقصاء والتهميش بعد حرب 1994م والذي شكل سببا رئيسا لإصابتهم بأخطر الأمراض مثل أمراض القلب والجلطات وضاعف من آلامهم وأوجاعهم الجسدية والنفسية ومنهم فقيدنا العميد يحي عمر عسكر ، رحمة الله تغشاه وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

*خبير عسكري واستراتيجي

نائب مدير دائرة العمليات الحربية "سابقا".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى