​تحقيق يكشف تلوثًا نفطيًا في سواحل اليمن

> تحقيق / فاروق مقبل الكمالي

> تصوير ميداني/ صلاح بن غالب
تفيد الصور الجوية من الأقمار الصناعية ومواقع تتبع السفن، أن تسربًا نفطيًا من سفينة نفطية لإحدى شركات رجل أعمال يمني، قد لوث مياه اليمن في البحر الأحمر، ومازال منذ جنوح السفينة عند بدء الصراع في 2015.
أوفر سيز هي إحدى شركات رجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، الشركة لديها سبع ناقلات نفطية جميعها خرجت عن الخدمة، وتحولت إلى نفايات بحرية ملقية في منطقة رمي المخطاف بميناء عدن، وفقًا لقاعدة معلومات السفن Equasis.
بعض هذه السفن ملقاة في رمي المخطاف بميناء عدن، ميناء المكلا وساحل سقطرى وأخرى في سواحل لحج، جنوب اليمن.

1
1

 "تامبا " حطام متروك

في يوليو الماضي، بينما كان معد التحقيق يتتبع التلوث النفطي في خليج عدن وسواحل المكلا على البحر العربي، تلقى معلومات من زميل له لسفينة لا يعرف طبيعتها، بالقرب من سواحل محافظة لحج، بالطريق إلى باب المندب. توقع معد التقرير أن تكون هذه السفينة ضمن أسطول شركة أوفرسيز المتناثر على سواحل اليمن.

بعد البحث عن الناقلة عبر الأقمار الصناعية المختلفة وجوجل إيرث، ظهرت في الصور ناقلة نفط بالقرب من منطقة الحجاف (15 ميلًا بحريًا من باب المندب) ، عند العودة بالزمن إلى الوراء يتضح أن الناقلة جنحت في العام 2015، أي قبل نحو ثمان سنوات، لكن لم يتطرق أحد إلى تبعات جنوح السفينة، عدا صحيفة "الأيام" التي نشرت خبرًا، مطلع أكتوبر الماضي، عن تسرب نفطي من سفينة جانحة بالقرب من مضيق باب المندب.

 "وثق معد التحقيق 85 عملية تسرب نفطي من السفينة "تامبا " ، من خلال تتبع وضع الناقلة منذ جنوحها عبر الأقمار الصناعية، جميع التسربات الموثقة حدثت في أزمنة متفرقة خلال الفترة من 2017 حتى 31 أكتوبر 2022 .
ونقلت الصحيفة عن مدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة في لحج، المهندس فتحي الصعو، عن تسرب نفطي من السفينة التي قال إنها تتبع أحد تجار النفط، دون تحديد اسم السفينة أو التاجر الذي تتبعه.

تواصل معد التحقيق مع الصعو الذي أكد ما جاء في صحيفة "الأيام " ، وأكد عدم توافر أية معلومات لديه عن اسم السفينة والجهة التي تملكها، والتي قال إنها تحظى بحراسة أهلية من أبناء المنطقة ، مشيرًا إلى أن ما لديه من معلومات تؤكد أنه تم تفريغ السفينة أثناء جنوحها وفشل عملية تعويمها في العام 2015.


هوية الناقلة ولمن تتبع؟

في نهاية أكتوبر الماضي، تلقى معد التحقيق معلومات وصورة من زميل له، لسفينة مطبوع عليها  "تامبا " "TAMP ".
قاد اسم السفينة لتفاصيل مهمة عن مالكها، وأظهرت قواعد البيانات الخاصة بالسفن أنها إحدى سفن أسطول شركة أوفرسيز، التابعة لمجموعة رجل الأعمال اليمني، أحمد صالح العيسي، منذ العام 2009، وفق ما تكشفه قواعد بيانات السفن Equasis. واستمرت  "تامبا" في الخدمة حتى جنوحها عام 2015، لتتحول إلى حطام بحري بموجب القانون رقم 15 لسنة 1994 بشأن القانون البحري، إذ تعرف المادة 350 الحطام البحري:  "يُقصد بالحطام البحري السفينة وملحقاتها التي توجد متروكة أو غارقة في المياه الإقليمية اليمنية أو الجانحة في أي موقع من شواطئ الجمهورية اليمنية أو بالقرب منها، ويشمل المقذوفات والمواد الطافية وغيرها من الأشياء العائمة".

    المادة رقم 354 من القانون رقم 15 لسنة 1994 بشأن القانون البحري، تنص على أن  "يعاقب كل من استولى أو نقل أي سفينة جانحة أو متروكة أو أي جزء من شحنتها أو ملحقاتها وكذا أي حطام يوجد في المياه الإقليمية اليمنية دون أن يكون مأذونًا له بذلك من الجهة البحرية المختصة، بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ستمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ودونما إخلال بالحق في استرداد الشيء المنقول أو المستولى عليه أو قيمته عند الاقتضاء".

وعلى ضوء ذلك، تعد الناقلة  "تامبا" حطامًا بحريًا، ويتوجب على مالكها وفقًا للمواد 351-355 من نفس القانون،  "انتشال حطامها أو تعويمها، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الغرق أو الجنوح، فإذا لم يتم ذلك خلال المدة المذكورة كان للجهة البحرية المختصة عند الاقتضاء، ودون إنذار سابق، أن تقوم بانتشال السفينة بمعرفتها أو بمعرفة ذوي الخبرة، وذلك على نفقة ومسؤولية مالك السفينة أو صاحب الحق فيها ".


كوارث التسربات النفطية

وثق معد التحقيق 85 عملية تسرب نفطي من السفينة  "تامبا" ، من خلال تتبع وضع الناقلة منذ جنوحها عبر الأقمار الصناعية، جميع التسربات الموثقة حدثت في أزمنة متفرقة خلال الفترة من 2017 حتى 31 أكتوبر 2022 ، و لم نتمكن من توثيق التسربات النفطية خلال عامي 2015 و2016، إضافة إلى الأيام التي تحجب فيها السحب عملية التقاط الصور.

يعرف القانون البحري في اليمن  "الحطام البحري" بأنه: السفينة وملحقاتها التي توجد متروكة أو غارقة في المياه الإقليمية اليمنية أو الجانحة في أي موقع من شواطئ الجمهورية اليمنية أو بالقرب منها، ويشمل المقذوفات والمواد الطافية وغيرها من الأشياء العائمة".
وبلغ مجموع التسربات النفطية من الناقلة خلال العام  2022( 26 حادثة تسرب )، تحولت على إثرها رمال الساحل الذهبية إلى اللون الأسود، وألحقت هذه التسربات أضرارًا كبيرة بالبيئة البحرية والساحلية، مع ملاحظة أن بعض هذه التسربات كانت تتجه نحو البحر، وبعضها نحو الساحل بحسب حالة الرياح.

تناقض هذه التسربات النفطية الموثقة رواية تفريغ البنزين من الناقلة التي كانت تحمل 10 آلاف و937 طنًا من البنزين، في العام 2015.
ويتعامل القانون رقم 16 لسنة 2004 بشأن حماية البيئة البحرية من التلوث، مع كل يوم تلوث بكونه مخالفة منفصلة.

حيث تنص المادة 3 من القانون على أنه "يحظر على أي شخص أو سفينة أو طائرة أو جهاز نقل زيت تصريف مادة ملوثة في المنطقة الخالية من التلوث" و"كل تصريف يتم في أي يوم من أيام استمرار التصريف المحظور مخالفة منفصلة".
كما تنص المادة 5 من نفس القانون على أنه "يحظر على أي سفينة مسجلة في الجمهورية أن تصرف مادة ملوثة في أي مياه واقعة خارج نطاق المنطقة الخالية من التلوث إلا في الحدود والمعايير والأساليب التي تسمح بها القوانين والاتفاقيات الدولية النافذة، ويعد كل تصريف يتم في أي يوم من أيام استمرار التصريف المحظور مخالفة منفصلة".

محاولات تفكيك الناقلة

يؤكد مصدر في الهيئة العامة لحماية البيئة أن "مجموعة العيسي" تركت السفينة تحت حراسة مسلحين من أبناء منطقة الصبيحة بلحج، جنوب اليمن، وأنه ليس لديهم معلومات عن اسم السفينة ومالكها، ولا أحد بمقدوره الاقتراب منها.
لكنه يؤكد أنه تسلم صورًا من صيادين مؤخرًا (وقت العمل على هذا التحقيق)، تظهر أنهم شاهدوا أشخاصًا ولديهم معدات كهربائية وأدوات التقطيع من أكسجين ولحام وغيره، وبدأوا العمل على تقطيع الناقلة لبيعها كخردة، على الرغم أن المادة رقم 354 من القانون رقم 15 لسنة 1994 بشأن القانون البحري، تنص على أن "يعاقب كل من استولى أو نقل أي سفينة جانحة أو متروكة أو أي جزء من شحنتها أو ملحقاتها وكذا أي حطام يوجد في المياه الإقليمية اليمنية دون أن يكون مأذونًا له بذلك من الجهة البحرية المختصة، بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ستمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، ودونما إخلال بالحق في استرداد الشيء المنقول أو المستولى عليه أو قيمته عند الاقتضاء".


كيفية التعامل مع الحطام البحري؟

في الناقلة  "TAMBA" الأمر لن يختلف عن بقية ناقلات النفط التابعة للعيسي، والمتروكة في سواحل اليمن، والتي تسببت ومازالت بالكثير من التلوث البحري، فقد أوصت الهيئة العامة لحماية البيئة، في فبراير الماضي، الجهات الحكومية العليا، بضرورة الإسراع بتفريغ المواد النفطية المخزونة داخل صهاريج ومحركات السفن المتهالكة، والإسراع في تعويم السفن المتهالكة وإخراجها إلى خارج محيط ميناء عدن الدولي، وتفكيكها.

لكن الإشكالية تظل في عملية التفكيك التي قد ينجم عنها أضرار واسعة الانتشار على البيئة البحرية وعلى المواطنين والعاملين في عملية التفكيك.
واطلع معد التحقيق على خطة تفكيك قدمتها مؤسسة الأمل لتجارة الخردة وبيع وشراء جميع أنواع النفايات القابلة لإعادة التدوير، من أجل تفكيك الناقلة "شامبيون 1" الجانحة في ميناء المكلا منذ العام 2013، وهي أيضًا إحدى ناقلات "مجموعة العيسي" المتهالكة.

وتقول المؤسسة إن تفكيك السفن يتركز حاليًا في بلدان قليلة هي باكستان، الهند، بنغلاديش والصين.
ويمكن إيجاز تلك الخطة بأنها تركز على ضمان التفريغ الكامل للناقلة من كل البقايا النفطية ومياه التوازن والصابورة والمواد السامة والمعادن الثقيلة والوقود الخاص بالمحرك، ونقل كل ذلك إلى أوعية خارج البحر، ووضع خطة للإدارة السليمة للنفيات السائلة والصلبة، وتحت إشراف الجهات المختصة، يلي ذلك المرحلة الثانية: التفكيك أفقيًا ورأسيًا من الأعلى إلى الأسفل، مع مراعاة جوانب العزل لكل ما يتم تفكيكه.

"المشاهد نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى