حضرموت تلك الأرض الطيبة أرض الأحقاف وأهلها الطيبون، الموغلة في التاريخ والحضارة والأصالة، مدينة العلم والعلماء والمساجد والأربطة الدينية التي أنجبت الكثير من الشخصيات التي لها بصماتها وإبداعاتها في شتى مجالات الدين والعلوم والاقتصاد والتجارة والسياسة والأدب والشعر والفن والغناء، كما كان لأبناء حضرموت شرف نشر الدعوة الإسلامية في دول شرق آسيا وفي دول القارة الأفريقية، ويكفيهم فخرا أن القاضي العلامة والعالم الجليل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث والعالم في الفلسفة والتاريخ أن أصوله ترجع إلى مدينة حضرموت العريقة، والتي تعد من أكبر المحافظات الجنوبية مساحة وأكثرها ثراء، فهي تختزن في باطنها الكثير من الثروات النفطية والمعدنية التي تكفي أهلها وتفيض عن حاجتهم.

تتجاذب حضرموت اليوم مشاريع ورؤى واهواء سياسية مختلفة ومتنافرة يمثل كل مشروع من هذه المشاريع والرؤى فريقا من أبنائها، فهناك اليوم من يتوقون ويراودهم الحنين إلى عودة السلطنات التي كانت تحكم حضرموت فيما مضى من تاريخها السياسي، وفي الخلفية يظل السؤال المطروح هنا: ما مدى واقعية وإمكانية تحقيق هذا الحلم المشروع في الوقت الحالي؟ وفي ظل الظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي عصفت بالعالم وبالمنطقة العربية ولازالت تعصف بها إلى يومنا هذا الذي غابت معه الكثير من المفاهيم والمصطلحات السياسية واختفت جغرافيات سياسية من خارطة الدول كانت في الأصل موجودة، وبرزت تحالفات وتوازنات عسكرية وسياسية جديدة أخلت بالمعادلات والتوازنات السابقة، لذا يتوجب على أصحاب هذه الاتجاه النظر بعين فاحصة لمعطيات الواقع والمتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي بمجمله، كما أنه لم يعد بالإمكان العودة إلى أحضان الوحدة اليمنية التي تجاوزتها هي الأخرى سيل من الأحداث غيرت مجراها، ومولدة قناعات لدى معظم أبناء الشمال قبل أبناء الجنوب على ضرورة إطلاق رصاصة الرحمة عليها لإراحتها من حالة الموت السريري التي تعاني منه منذ حرب صيف عام 1994م فإذا كان أصحاب هذا المشروع اليوم يقايضون عودة السلطنات أو اللجوء إلى الوحدة فإن هذه المقايضة محكوم عليها مسبقا بالفشل، حيث أن عليهم قراءة حركة التاريخ ومراجعة حساباتهم وأن يضعوا في حسبانهم مصلحة حضرموت ثم الجنوب التي تجمعه بحضرموت خصائص التاريخ والجغرافيا فوق الاعتبارات الحزبية الضيقة، وإذا كان الحامل السياسي لقضية الجنوب المجلس الانتقالي قد أخفق في تقديم نموذجا يحتذى به في عدن والمناطق الجنوبية المحررة الأخرى، ستفرض عليه حتما القوة الدافعة والمحركة للمجتمع من داخله أو من خارجه إصلاح ذاته ليكون عند مستوى المسؤولية التي تفرضها عليه اللحظة التاريخية.

أما المشروع الثاني، فينطلق أصحابه في رؤيتهم من مكانة ووضع حضرموت ومن مرجعيتهم المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني موفنبيك الذي انطلق في 18 مارس 2013م في صنعاء، والذي بموجب مخرجاته اُعتبرت حضرموت إقليم مستقل يضم كل من حضرموت والمهرة وسقطرى، وقد اصطدم هذا التقسيم برفض ومعارضة شديدة من قبل أبناء المهرة وسقطرى الذين يفضلون أن يكون لهم إقليمهم المستقل ضمن دولة جنوبية فيدرالية، أو العودة إلى سابق عهدهم كسلطنة إبان حكم السلطان بن عفرير.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك لقاء جمع بين فريق الحوار الجنوبي - الجنوبي بقيادة أحمد عمر بن فريد وممثلي هذا الاتجاه وقيادة من مؤتمر حضرموت الجامع في القاهرة وتم في هذا اللقاء تقديم الضمانات والتطمينات لهم بأن يكون لحضرموت إقليمها المستقل ضمن الدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة ينعم فيه أبناؤها ويتمتعون بثرواتهم، إلّا أن البيان الختامي الذي خرج به الاجتماع الذي عقد بعد لقاء القاهرة بمنطقة عين ون في مديرية الشحر والذي تداعت له قبائل الحموم كان مخيبا لآمال وطموحات أبناء حضرموت حيث ربط هذا البيان في أحد بنوده خروج قوات المنطقة العسكرية الأولى المتواجدة في مدينة سيئون والذي جل أفرادها من أبناء الشمال ويهيمن عليها حزب الإصلاح تحت غطاء الشرعية المنحلة بخروج لواء بارشيد المرابط في البوابة الجنوبية الغربية لمحافظة حضرموت، والذي كل أفراده من المناطق الجنوبية ومن أبناء حضرموت، وقد جاء هذا اللواء إلى حضرموت بدعوة من محافظها السابق فرج البحسني، وكان لأفراد هذا اللواء دورا كبيرا في طرد ودحر قوات تنظيم القاعدة من ساحل حضرموت مقدمين بذلك الكثير من التضحيات والشهداء من أجل أمن واستقرار حضرموت، الجدير بالذكر أن أفراد هذا اللواء يتبعون المنطقة العسكرية الثانية في المكلا، وقد قوبل هذا البيان برفضه جملة وتفصيلا من قبل بعض قبائل الحموم، كما يواجه معارضة من الساحة السياسية الحضرمية، وقد تناسى أصحاب هذا الاتجاه من أبناء حضرموت أن أفراد المنطقة العسكرية الأولى هم من قتل الشيخ سعد بن حبريش بدم بارد مساويين بذلك بين من جاء لحماية حضرموت وأبنائها وبين الأعداء الذين يتربصون بحضرموت ويضمرون لها ولأبنائها الشر.

وينصرف المشروع الثالث والأخير إلى تأييد المجلس الانتقالي وهؤلاء هم التواقون إلى عودة دولة جنوبية فيدرالية حديثة، وقد برهن هؤلاء على أنهم يمثلون الأغلبية من أبناء حضرموت من خلال خروجهم في مليونية الخلاص التي أقيمت في مدينة سيئون.

الخلاصة:
نصل في الاخير وبعيدا عن المشروعين الأول والثاني إلى حقيقة واضحة مفادها أن المشروع الثالث هو من يلبي طموحات ورغبات معظم أبناء حضرموت وكذا أبناء المهرة وسقطرى وذلك في أن تكون حضرموت إقليما مستقلا، في إطار دولة جنوبية فيدرالية ينعم أبناؤها بخيراتهم وثرواتهم بدلا من أن تذهب إلى جيوب الفاسدين ممن يسمون أنفسهم بالشرعية المنحلة.

*باحث دكتوراه - مصر