متى سيعتدل العقل الجنوبي؟

> لم يحدث في تاريخ الجنوب أن توحد الشعب على قضية مثل ما هي قضية استعادة الدولة الجنوبية ونحن نتحدث عن الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه في الساحات غير آبه بالقمع الوحشي الذي مارسه نظام تحالف صنعاء العسكري القبلي.

من وقت مبكر وعند بدء الحراك الجنوبي لم يتمكن العقل الجنوبي من تشكيل كيان كالجبهة الوطنية او كيان الائتلاف للحراك لكي يجمع كل المكونات الجنوبية كجبهة وطنية عريضة تنبثق عنها قيادة جنوبية موحدة، وأضاع العقل الجنوبي فرصة اختيار قيادة توافقية تقود العمل السياسي والزخم الكبير الذي يسنده شعب الجنوب وطلعت زعامات عديدة وكل ذهب في مجراه الخاص وتنازع الجميع على الريادة وكانت ساحة المعركة هي الساحات والتي كادت بعضها أن تتفجر لولا لطف الله والمستوى الراقي لثقافة الجماهير الجنوبية الحصن القوي التي تحافظ على سير المجرى العام نحو استعادة الدولة، وحتى بعد أن لاح في الأفق خطر سيداهم الجنوب وطبول الحرب تقرع وجيوش تتجهز نراها تتجه جنوبا لم يلتقط العقل الجنوبي تلك اللحظة لتشكيل قيادة ميدانية للجنوب تمسك زمام الأمور سياسيا وعسكريا خاصة وقد تشكل مجلس عسكري جنوبي رديف للقيادات السياسية المبعثرة إلا أن سرعان ما تم احتواء ذلك المجلس بوعود فارغة المعنى انجرفت بعض قياداته دون أخذ الحيطة والحذر من مكر التاريخ والجغرافيا، المهم أن العقل الجنوبي ظل يحلق في الهواء وأضاع فرصة تاريخية أخرى لتوحيد صفوفه لمواجهة المعتدي الجديد ولو تم توحيد المكونات ومع وجود المجلس العسكري كان سيكون للجنوب شأن كبير، لأن القوة الوحيدة المنظمة التي ستكون موجودة على الأرض تستطيع أن تقود المقاومة الجنوبية تحت قيادة سياسية وعسكرية واحدة، كان سينهي فوضى القيادات التي تناسلت بالمئات وحصلت على بيئة تشجعها على التحليق منفرداً لغرض في نفس يعقوب. كل ذلك كان سيرفع أسهم الجنوب وسيضطر معه الآخرون للتعامل معه كأمر واقع، لكن مع الأسف لم يحضر العقل الجنوبي، ولأننا لم نكن موحدين كانت تلك النتيجة التي عشناها بعد التحرير حتى اليوم.

كادت قضية الجنوب تضيع وتسرق أمام أعيننا، نهض الجنوب من جديد وأتت اللحظة التاريخية ليتشكل كيان جنوبي تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي وكانت لحظة الضرورة التي لمع فيها العقل الجنوبي وسط العواصف المحيطة، وبعدها فرض على الانتقالي أن يدخل في اتفاقات مع شرعية الدولة العميقة عبر مفاوضات ماراثونية في الرياض.

هذه الاتفاقات والشراكة قيدته ولا يستطيع أن يصدر أو يتخذ قرارات ذات استقلالية لأنه ملتزم أمام الإقليم والعالم، وفي نفس الوقت يشاهد الظلم يمر أمام عينيه تجاه الجنوب ولم يستطع ردعه وخاصة حول الخدمات والمرتبات وغير ذلك، والقرار المالي والإداري وتعيين ونقل الكادر بيد الدولة العميقة التي تتعمد ممارسة الظلم لثلاثة أمور أولاً تريد أن تحرق المجلس الانتقالي المفوض من قبل الجنوب أمام حاضنته الجنوبية، والأمر الثاني تمارس أحقاد دفينة ضد الجنوب والتي لم تتحرر من هذه العقلية القبلية الطائفية تجاه الجنوب، وهو إرث تاريخي تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل، والأمر الثالث هو منع الانتقالي من إدارة الجنوب الذي كان قد بدأ خطوات عملية في تحقيقها ودخل في شراكة فضفاضة أثبتت التجربة أنها لم تراكم أي فائدة يجنيها الجنوب من وراء ذلك وخاصة أن الاتفاقات التي وقع عليها بالرياض لم ينفذ منها أي بند وإنما ازداد الوضع بالجنوب سوءا، وبالمقابل عندك مديريتان تحررتا من الشمال تتم إدارتهما من قبل إدارة شمالية محلية بشكل مستقل دون أن يعترضهم أحد أو يضع لهم خط أحمر.

لا الشرعية ولا التحالف ولا العالم
اليوم يعاني الجنوب من التهميش ويحارب بالخدمات ويحارب بالمرتبات وإضافة الى الحروب الأخرى منها الإرهاب الذي أثبتت الوقائع أنه جزء من الدولة العميقة واليوم أضيف حرب النازحين الذين لا توجد حرب في مناطقهم وما يجري على أرض الواقع عملية توطينهم بالملايين في أرض الجنوب وتدير الحكومة، هذا العمل بشكل مباشر وتحت سمع وبصر التحالف والأمم المتحدة.

الآن الشمال مع الحوثي بتخاذل القوى السياسية اليمنية التي تمثل الشرعية وأيضا بدعم دولي وإقليمي، والجنوب يسلم للشرعية الشمالية بدعم إقليمي ودولي واضح وكأنه لا يوجد في الجنوب شعب يستحق الحياة بكرامة ويحكم نفسه بنفسه أسوة بغيره من الشعوب على هذه الأرض أو حتى أسوة بمأرب وتعز.

ستظل المعادلة مختلة طالما الرئاسات الثلاث شمالية ومن محافظة واحدة وسيظل الجنوب مهمشا في كل شيء وسيزداد وضعه سوءا ومن حق الجنوب أن يدير نفسه بنفسه ومن حق الجنوب أن تكون رئاسة الوزراء من نصيبه كاستحقاق سياسي حتى تعتدل المعادلة السياسية بين الجنوب والشمال.

الآن ما هي أولوياتنا كجنوبيين؟
من أهم الأولويات إعادة التوازن السياسي في إدارة الدولة وإذا كان هناك شراكة بين الشمال والجنوب على الأقل أن يمنح الجنوب حق إدارته الذاتية، وأن يحصل على استحقاق سياسي موقع رئاسة الوزراء فورا.

تأتي وحدة الجنوبيين كأهم أولوية سياسية يعمل من أجلها كل الجنوبيين الشرفاء وهي مربط الفرس لنجاح مشروعنا الجنوبي ولمصداقية ما نقول لا بد من ترجمة ذلك بخطوات عملية ترسم على أرض الواقع والوقت لا يسعفنا، ولا بد من العمل بجد وإخلاص دون تأخير أو تسويف وعلى العقل الجنوبي أن يخرج من عباءة الماضي وينفتح على الجميع وبرأيي هناك عدد من الممارسات لا بد من إلقاء الضوء عليها ومهمة العقل الجنوبي تجاوزها هي التالي:

أولا - بعض الجنوبين مع الأسف يعرقل توحيد الصف ويريد أن يعرف أولا موقعه في السلطة وإلا لديه خيارات أخرى ويعلنها صراحة وهو الارتباط بقوى الشمال التي ما زالت تغازل الجميع وكل واحد على حدة لإفشال مشروعنا الجنوبي.

ثانيا - البعض يعتقد أنه وصل إلى الموقع القيادي ولا يمكن أن يتنازل عنه ويريد من الآخرين أن يكونوا تابعين له ولا يعرف أن الشرعية الشمالية وغيرهم يراقبوا المشهد بين الأطراف الجنوبية ويعمقوا الهوة بينهم وبين إخوته الجنوبيين الآخرين وتزيد الفرقة والتباعد، وهذا لا يخدمهم ولا يخدم القضية الجنوبية.

ثالثا - البعض الآخر يشترط ان يكون له نصيب الأسد في الجنوب ويضع شروط تعجيزية ويعلن أنه إما أن يكون كيانا ذات استقلالية كاملة أو سيكون جزءا أو إقليما ضمن يمن واحد وهو عذر أقبح من ذنب ويتجاهل رغبة جماهير منطقته التي خرجت تطالب بإخراج المنظومة العسكرية والآمنة التابعة للدولة العميقة والجاثمة على الأرض لعقود كثيرة وتحرس استثمارات عصابات صنعاء في نهب الثروة الجنوبية.

رابعا - البعض يعرض مشاريع على الشماليين والإقليم والعالم لا تتناسب مع حجم تطلعات شعب الجنوب وتضحياته وهمه الوحيد أن يقدم نفسه لكي يرضى عنه الشماليون والإقليم والعالم.

خامساً - البعض تجده يرفع شعار استقلال وتحرير.. إلخ، وعندما يلوح له بالأفق وظيفة بالشرعية يذهب ويعلق الشعار مؤقتا وعندما يفقد الوظيفة يعود للبحث عن الشعار ويرفعه مجددا وصاحب هذا الحال لديه انفصام في شخصيته.

ومن أهم الأولويات التركيز على بناء مؤسسات الدولة المحلية المدنية والأمنية والعسكرية على أسس علمية ووطنية في إطار كل محافظه وربطها ببعضها البعض لتحقيق التكامل العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي.

ومن أهم أولويات الجنوب محاربة الفساد وعصابات التعدي على أراضي الدولة.

إذا أردنا أن نستعيد دولتنا علينا تجاوز الأنانية السياسية المعشعشة في عقول بعض النخب الجنوبية ولن يأتي الجنوب إلا بلحمة الجنوبيين ووحدتهم ومشاركتهم جميعا في صنع الحاضر والمستقبل الذي سيصبح ملك كل الجنوبيين.

شعب الجنوب يستحق قيادة بحجم صموده وتضحياته ويعرف من يعمل من أجله بصدق وإخلاص ومن يستخدمه رافعة لتحقيق أغراضه الشخصية.

تكرار أخطاء الماضي لن نجني منه إلا مزيدا من الآلام والإذلال لشعب الجنوب وما على الجميع إلا إعادة فرمتة عقولهم لكي تستوعب متطلبات المرحلة الحالية والقادمة وعلى من يجد صعوبة في تغيير عقله عليه مغادرة الحياة السياسية بهدوء حتى لا يكون سببًا في هزيمة الجنوب هذه المرة فالتاريخ لا يرحم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى