المهمشون.. خرافات شعبية لعلاج مرضى الحصبة

> سماح عملاق

> تعجن الأربعينية فاطمة الحناء بيديها بعد أن استنفذت كل الحلول البدائية لعلاج طفلها الأصغر، أصيب الطفل محمد (5 سنوات) بمرض الحصبة، ولأن الإمكانيات المادية لا تسمح بزيارة الطبيب، بحسب والدته فاطمة، نفّذت الأم نصائح الجدّات في مسكن المهمشين الذي تسكن فيه مع زوجها وأبنائها الخمسة في سائلة جِبْلة بمحافظة إب، تقول فاطمة: "نصحتني أمي بأن أجعل ابني يلبس ملابس حمراء طوال فترة المرض، لأن اللون الأحمر يمتص الطفح الجلدي، وأن أوفر له مشروبات غازية حمراء يوميا. فعلت كل ذلك فورا لدرجة أني أُلبسه من ملابسي الحمراء بعد تمزيقها، وأقترض من البقالة مشروبات غازية يوميا".

مرّ أسبوع من مرض الطفل والحال يزداد تدهورا، فقصدت فاطمة النساء المسنّات مجددًا، كانت تبكي هلعًا خشية أن يفقد طفلها حياته. تضيف: "ضحكت الحاضرات بهدوء ورصانة، وكأنني أبالغ في الأمر ولا أحسن التصرف، فوفرن لي بتبرعاتهن دجاجة ذات أوصاف خاصة، وأمرنني بطبخها وجعل الطفل يشرب مرقها، وفعلت ذلك رغم رفضه".

طلت الأم طفلها بالحناء باكية، وهي تأمل أن يخف ذلك الألمَ والطفحَ الجلدي الذي غمر جسده الصغير، وحين مرّت مراسلتنا سألتها عن فوائد الحناء، فأجابت بأنها تجهل ذلك، لكنها تقوم بما تستطيع لتنقذ الطفل.

الحصبة واللون الأحمر

في رحلة بحث لصوت المهمشين عن علاقة اللون الأحمر بعلاج الحصبة، وجدت مراسلتنا أن المعتقدات لا تخص فئة المهمشين، بل إن معظم أفراد المجتمع من غيرهم يفعل ذلك، وفي تفسيرها، قالت أسماء مقبل (33 عامًا) من محافظة تعز إن والدتها وجدّتها قد استخدمن هذه الطريقة، وتقول أسماء: "توارثنا هذا الحل تقليدا من دون وعي عن أسلافنا، وقد حاولتُ تفسيره من دون نتيجة، لكني أتوقع أن الألوان يؤثر بعضها في بعض، ولأن الطفح والحبوب الناتجة عن مرض الحصبة حمراء، نحاول كتمها أو تخفيف منظرها المزعج بالملابس الحمراء".

أم أسماء مقبل، وهي تربوية في إحدى مدارس تعز، تضيف أن الأمر خرافة لا علاقة لها بعلاج الحصبة، لكنها، من واقع تخصصها في علم النفس، تؤكد أن للعامل النفسي أهمية كبيرة في ارتفاع نسبة المناعة التي تقاوم المرض، خصوصا عند الفئة السوداء الذين لا يصلون إلى الخدمات الصحية بسهولة. وتضيف: "أفسر الأمر بمحاولة السابقين، خصوصا المهمشين، لرفع معنويات الأطفال التي تتدمر بالألم والمرض والفاقة بهذه الخرافات، فإذا آمن الطفل أن اللون الأحمر سيمتص أعراض مرض الحصبة أو حتى الحناء أو المشروبات الساخنة، تلحظ بالفعل أن هذه الأعراض تخفّ ولو قليلا، فلا علاقة للأمر بالعلاج الجسدي، لكنها قد تجدي نفسيًا وبشكل ملحوظ".

"ارتدت حكمة اللونَ الأحمر لشهر كامل، وارتشفت أكوابا من مرق الدجاج ليلًا ونهارا، وبعد انتهاء المرض، طلتها والدتها بالحناء للقضاء على آثار الطفح الجلدي الذي سببته الحصبة".

يُعد المرق سائلا يحتوي على فيتامين A، وبشكل عام تُفيد الطبيبة العامة دعاء دماج أن للسوائل أهمية كبيرة في علاج مرض الحمى، ولما كانت الحمى من أعراض الحصبة، فقد يجدي الأمر في التخفيف من الأعراض المصاحبة للمرض، بحسب دعاء دماج، لكن علي عبد الله (60 عامًا) من محافظة لحج جنوب اليمن يقول: "تعلمتُ من أبي وجدي أن الدجاج الحي الطازج هو الأفضل، وتستذكر حكمة محمد (70 عاما) من محافظة إب شمال اليمن كيف غزى مرض الحصبة قريتها في مديرية النادرة، مطلع سبعينات القرن الماضي، وذكرت طفلين من المنطقة نفسها توفيا بالمرض، وقالت: "أصابت الحصبة معظم سكان المنطقة بينهم أنا، ولم يتوفّر أي علاج في المراكز الصحية، ولأننا لم نأخذ أي لقاحات، مرضنا كثيرا، منا مَن قاوم المرض وبقيت بعض آثاره على الجلد، ومنا مَن توفي".

وتضيف حكمة أنها ارتدت اللون الأحمر لشهر كامل، وشربت كل المشروبات الحمراء، كما ارتشفت من مرق الدجاج ليلًا ونهارا، وبعد انتهاء المرض، طلتها والدتها بالحناء للقضاء على آثار الطفح الجلدي الذي سببته الحصبة، وقد تجاوزت المرض أثناء طفولتها بعد معاناة طويلة.

تأييد وتفنيد

تقليديًا، يُمنع الطفل من الاغتسال بالماء ومن التعرّض للشمس طوال فترة المرض، ويؤيد الأطباء ذلك، كما يُطلق محليًا على آثار الحصبة بعد طلي جسد المريض بالحناء "الكاد" واسمه العلمي "مرض جدري الماء" الأمر الذي يجعل المجتمع المحلي يعتبر "جدري الماء" أحد آثار الحصبة، وفي هذا الشأن يقول الطبيب راكان العزعزي - وهو من فئة المهمشين - "لا علاقة لمرض الحصبة بمرض جدري الماء المعروف محليًا بمرض "الكاد" فسبب الحصبة فيروس معروف، وسبب جدري الماء فيروس آخر يتغذى على العصب، وعلاج الحصبة الفاعل هو أخذ اللقاحات اللازمة ضد المرض بين عمر 9 أشهر وعام ونصف من عمر الطفل، ويندر أن يُصاب الطفل تحت سن 9 أشهر بمرض الحصبة، وذلك بسبب الأجسام المضادة للمرض، ويفرزها حليب الأم أثناء الرضاعة الطبيعية".

كما يؤكد الطبيب العزعزي أنه لا يوجد أي أساس علمي للوسائل الشعبية السائدة بين أوساط المهمشين وبقية أفراد المجتمع لعلاج مرض الحصبة، وينصح المصابين أو أسرهم بالتوجه لطلب الرعاية الطبية، إذ يوفر لهم الطبيب المضادات الحيوية المناسبة لرفع كفاءة الجهاز المناعي ضد المرضَين: الحصبة وجدري الماء، لكنه يشيد بعزل الطفل المصاب بجدري الماء عن الماء بحكم أن الماء قد يُفاقم من أعراض المرض، ويشدّد الطبيب العزعزي في أن الأمر ليس بحاجة إطلاقا للون الأحمر، أما عن الحناء فيحل موضوعه طبيب الأمراض الجلدية الذي قد يعالج كيميائيا عنصر "برمنجات البوتاسيوم " الذي يسبب الطفح الجلدي بالعقاقير الطبية المناسبة، وينصح العزعزي مجتمع المهمشين وبقية أفراد المجتمع بأخذ اللقاحات اللازمة للأطفال منذ سن مبكرة تجنبًا للمواقف التي لا يحمد عقباها.

بالأرقام

في التقرير الأخير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف عن انتشار مرض الحصبة في اليمن، أعلنت عن وفاة 15 طفلًا، كما اشتبهت المنظمة بإصابة أكثر من ألف طفلٍ آخر في اليمن.

وقالت المنظمة في تقريرها المنشور مطلع ديسمبر2022 إنه تم رصد وفاة 15 طفلاً بالحصبة في 7 محافظات، بما في ذلك عدن، كما اشتبه في إصابة نحو 1400 طفلٍ بالمرض خلال الفترة ما بين يناير ويونيو من عام 2022.

وعبرت حكمة عن أسفها تجاه وفاة أطفال جيرانها الذين لم يأخذوا لقاحًا مجانيًا في متناول الجميع، وأشارت إلى أن أقرب مركز صحي لا يبعد عن القرية أكثر من نصف كيلو مترا.

بعد تدهور حالة الطفل محمد، قررت والدته فاطمة التوجّه به إلى أقرب مركزٍ صحي حينما أخبرناها أن الدواء شبه مجاني إن لم يكن بالمجان كليًا، كما وعدت فاطمة بتوعية المهمّشين من جيرانها بتطعيم أطفالهم بعد أن ندمت على إهمالها لأطفالها الخمسة.

( أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة "lnternews" ضمن مشروع"Rooted in trust" في اليمن)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى