الدبلوماسية العمانية نهج ومسار

> مريم الشكيلية

> سلطنة عُمان الواقعة في الربع الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، تتميز بموقع استراتيجي مهم للغاية، انعكس دائماً على سياستها الخارجية وعلاقاتها التجارية مع دول العالم. وكانت في فترة من فترات التاريخ إمبراطورية مترامية الأطراف تمتد على طول سواحل الخليج العربي حتى حدود الساحل الافريقي وسواحل باكستان، قبل أن تنكمش بفعل الأحداث التى مرت بها، حتى وصلت إلى ما نراها عليه الآن فهي دولة ذات حضارة عريقة متجذرة في التاريخ القديم.. عاصرت العديد من الأحداث المهمة في العالم التي أدت إلى تغير في مسارات العالم القديم والحديث، وشهدت صعود قوى وتلاشي أخرى. سلطنة عُمان دولة ليست وليدة اللحظة، وإنما هي دولة أثر فيها التاريخ وتأثرت بمحيطه وبالعالم..
  • سياسة المعاملة بالمثل
منذ أن تولى السلطان الراحل قابوس بن سعيد مقاليد الحكم عام 1970 في البلاد، انتهج سياسة المعاملة بالمثل متمثلة في عدم تدخل سلطنة عُمان في شؤون الدول الأخرى، في المقابل لا تتدخل هذه الدول في شؤونها ويكون التعامل قائما على الاحترام المتبادل.. لم تكن هذه السياسة حبرا على ورق فقط، وإنما كانت سياسة واقعية وملموسة حتى في أحلك الظروف، ورغم أن هذه السياسة بسيطة في قراءتها، إلا إنها سياسة تحتاج إلى الكثير من الصبر والحكمة، لأنها تتفاعل مع متغيرات العالم وأحداثه، التي تفرض على عُمان أن تتخذ مواقف حاسمة فيها. وفعلاً وجدت هذه السياسة نفسها في اختبارات صعبة، ولكنها مع مرور السنوات جنت ثمارها وأثبتت نجاحها، حتى أصبح العالم اليوم يفهم هذه السياسة وهذا التوجه ويقدرها حتى كسبت ثقة الجميع..
  • أحداث العالم
كان للقيادة العمانية دائماً نظرة عميقة وقراءة ثاقبة لمجريات وأحداث العالم، وهي تعلم موقعها، فهي إحدى دول منطقة الشرق الأوسط الملتهبة دائماً بالأحداث والمتغيرات، ليس هذا فحسب فسلطنة عُمان تربطها حدود مع دول مهمة جداً، ومع أهم ممرات العالم وهو مضيق هرمز، الممر المائي الذي يربط الشرق مع الغرب، وتشترك حدودها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي هي الأخرى تتصارع مع القوى الكبرى، وبينهما عداء تاريخي طويل، وقد أثبتت هذه السياسة جدارتها، من خلال ما مرت به المنطقة من حروب ثلاث، وحرب اليمن وعقوبات ومقاطعات، فرضت على بعض دول المنطقة، وكان على سلطنة عُمان أن تثبت على سياستها، كما أنه في عام 2011 عام المتغيرات الذي عُرف بعام الربيع العربي كان هو أيضا بمثابة اختبار حقيقي لسياسة سلطنة عمان الخارجية.
  • مكاسب دبلوماسية
وإن أكثر وأعظم مكاسب الدبلوماسية العمانية تمثلت في كونها الطرف المهم، الذي أخرج الاتفاق النووي الإيراني بين الجمهورية الإيرانية وأمريكا والغرب بعد سنوات طويلة من المخاض العسير حتى رأى النور عام 2015، قبل أن تتراجع الولايات المتحدة الأمريكية وتنسحب منه بعد فوز الرئيس ترامب، الرئيس الخامس والأربعين للولايات الأمريكية عقب تولية الرئاسة في البيت الأبيض، فقد كانت سلطنة عُمان بدبلوماسيتها الهادئة والثقة التي كانت تتمتع بها من جميع الأطراف سهّل عليها أن تقرب بين الأطراف، حتى إنها استطاعت أن تجمع طهران وواشنطن إلى طاولة واحدة للمفاوضات، والتوقيع على اتفاق وصف حينها بأنه الاتفاق الذي أراح العالم من مواجهة وشيكة كادت أن تدخل المنطقة في المجهول.. ورغم الانسحاب الأمريكي من الاتفاق مع إيران بقيت سلطنة عُمان الوسيط المحايد بين إيران والغرب، خصوصاً بعد تغير الرئاسة في البيت الأبيض بدخول جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية عادت المفاوضات من جديد في العاصمة النمساوية فيينا وعادت معها الدبلوماسية العمانية.
  • الملف اليمني
ولا ننسى الملف اليمني والحرب الدائرة هناك، منذ أكثر من سبع سنوات هذه الحرب، هي الأخرى وضعت سياسة سلطنة عُمان في اختبار آخر من المحايدة، وكسب الثقة وعدم التدخل في شؤون دول الجوار، وبعد أن ثقلت كلفة الحرب ودخلت في طريق مسدود بين الحسم والتهدئة، تنتصر الدبلوماسية العمانية مرة أخرى، وتدخل وسيطا لإنهاء تلك الحرب وحتى الآن يمكن أن نقول إن هناك تقدما من خلال التهدئة التي وافقت عليها جميع الأطراف منذ شهر رمضان المبارك السابق وحتى اليوم بتجديدها في كل مرة على أمل أن تكون هناك تهدئة دائمة. إن السياسة العمانية في ظل عالم لا يهدأ أثبتت أن نهجها ودبلوماسيتها يسيران مسارا صحيحا، رغم الصعوبة في أن تظل محايداً دائماً، وفي المقابل هناك أطراف تنتظر منك موقفا ما، ولكن على مدار السنوات هذه السياسة كسبت الثقة التي يعتمد عليها في التقارب بين الفرقاء وحل المسائل المستعصية. وفي نظري إن العالم اليوم يحتاج سياسة كهذه حتى نجنب الكوكب المزيد من الصراعات والويلات، ويتأكد هذا من خلال ما نشهده اليوم من حروب هنا وهناك، وتعريض الإنسان إلى المزيد من انعدام الأمن والأمان والاستقرار، والكثير من ضياع الحقوق وأولها الحق في العيش في حياة كريمة..

كاتبة عمانية
القدس العربي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى