طرق التجارة القديمة.. اليمن قلب العالم

> د .م صالح علي السحيقي

> اليمن السعيد أو العربية السعيدة ... كانت أرض سعيدة لأن سكانها تمتعوا بالثراء والحياة الكريمة والسبب أن جزيرة العرب (اليمن القديم) كانت مركز العالم التجاري وقلبه النابض بالحياة ومنه تنطلق شرايين التجارة إلى كل بقاع العالم القديم لتغذيته بالسلع والمؤن الذي يحتاجه حيث كانت طرق التجارة البرية والبحرية تمر عبر بلاد العربية السعيدة كطرق مختصرة رابطة بين الشرق والغرب والشمال ، ولهذا السبب ازدهرت الحياة وتطورت الصناعات الحرفية والزراعة المرتبطة بحركة سير القوافل والتبادل التجاري الداخلي والخارجي ونتج عن ذلك أربعة أنماط من الحركة التجارية :

1 - تجارة عابرة لليمن السعيد برية وبحرية واستفاد منها السكان كثيرا من حيث التشغيل والتبادل التجاري العابر وتسويق المنتجات الصناعية والزراعية أثناء مرور قوافل التجارة الخارجية وتوقفها في محطات تجارية مزودة بكل الخدمات.

2 - تجارة داخلية في أرض اليمن وذلك من خلال تسيير قوافل تجارة داخلية لتغطية حاجة السكان من المواد والسلع وعمل تبادل تجاري للمنتجات المحلية بين التجمعات السكانية في الحضر والريف اليمني القديم وإيصال السلع الخارجية للسكان التي تم شراؤها من قوافل التجارة العابرة.

3 - تجارة داخلية تختص بتجميع المنتجات المحلية الصناعية والزراعية الفائضة عن حاجة السكان وتجهيز قوافل تجارية عابرة للحدود لتصل إلى مناطق العالم القديم المحيط بأرض اليمن السعيد وتسويقها والعودة بها محملة بتجارة متبادلة من تلك الدول.

4 - تجارة بحرية موازية للتجارة البرية تنطلق من موانئ أرض اليمن السعيد تحمل الثلاثة الانواع من التجارة المذكورة في البنود الثلاثة السابقة وتتحرك عبر محطات سير بحري قصيرة والعروج على موانئ كثيرة للتزود بالمؤن والوقود مما ساعد على انتشار الموانئ البحرية على طول شواطئ البحرين العربي والأحمر لليمن القديم وما ترتب عن ذلك من تقديم الخدمات وتبادل تجاري مع البر اليمني.

بالنظر الى خارطة العالم القديم نجد بأن لها قلب نابض ومركزه أرض اليمن السعيد وأي عبور للتجارة بين الشرق والغرب والشمال لا يكون إلا عبر شرايين القلب هذا ... التجارة القادمة من الهند والصين بحرا تحط في موانئ اليمن السعيد في ميناء قناء وسمهرم لتقوم قوافل الجمال البرية بحمله عبر طريق البخور المار بشبوة - مارب - الجوف - نجران نزولا إلى سواحل بحر القلزم وصولا إلى العقبة ثم ميناء عكا على البحر الأبيض المتوسط حيث تنتظر السفن لتحمله بحرا إلى بلاد الرومان في الجهة المقابلة، والبعض من تلك القوافل يحط في ميناء ميدي والمخا وذو باب لتحمله السفن إلى الساحل الإفريقي المقابل بينما جزء من التجارة القادم من الهند والصين يضل محمل فوق السفن وتواصل الإبحار بالقرب من سواحل أرض اليمن السعيد إلى وجهتها في بلدان أفريقيا المطلة على المحيط لتقوم بالرسو بين كل مسافة وأخرى في محطات موانئ يمنية للراحة والتزود بالوقود لأن مشقة التجديف العضلي تتطلب الوقوف المتكرر على الساحل.

ما يبحث عنه العالم اليوم ودول البريكس من ربط عالمي عبر شبكات تجارية عالمية (برية وبحرية وجوية) عن طريق إحياء طرق التجارة العالمية القديمة مثل طريق الحرير وطريق البخور ، وما يرتبط بهما من نهضة مستدامة تشمل كل نواحي الحياة ... كل هذه الأمور وصل اليها اليمنيون قبل آلاف السنين وكان لها تأثيرها الكبير على نمط حياتهم فعلى طول مسار طرق القوافل النشط كانت انتشر البناء والعمران وأولها تشييد محطات تجارية واسواق، وتشييد الحصون والقلاع الحامية للطرقات ورصف الطرق وتشييد الجسور في بعض المسارات الصعبة لتسهيل حركة القوافل، ومن نتائج حركة سير القوافل النشط ارتفاع الإنتاج المحلي من الصناعات الحرفية والتعدين والزراعة وتوسع سوق العمل وتربية الحيوانات ، وتطور صناعة البناء والتشييد في المباني الخاصة والعامة وارتفاع ثقافة صناعة الجمال المرافق لعيش الإنسان.

طرق التجارة القديمة التي اختطتها القوافل وتفرعاتها مثل طريق البخور ودرب أسعد الكامل حققت لليمن القديم كل مقومات السعادة التي تحدث عنها المؤرخون وهو المفهوم المعاصر الذي تنشده البشرية تحت اسم (التنمية المستدامة والبريكس) وقد تحقق للسكان كل ما تمنوه من استقرار حياتي من خلال :

- ازدهار الزراعة وابتكار أساليب هندسية جديدة لتشييد منشآت حصاد مياه الأمطار (سدود وحواجز كبيرة وصغيرة - كرفانات - سواقي نقل مياه تحت أرضية وفوق أرضية -... إلخ)، وتوسعت الأراضي المزروعة بعمل حلول هندسية وتشييد المدرجات فوق سفوح الجبال، وأصبح لدى السكان فائض زراعي حملته قوافل التجارة خارج حدود الدولة لبيعه.

- تطور البناء والتشييد وظهور المباني والمنشآت الراقية ذات الجمال المعماري المعتمدة على التفكير الهندسي البديع في كل المجالات وما زالت شواهدها قائمة حتى اليوم مثل المعابد والقصور.

- ظهور صناعات تعدينية متنوعة مكنت السكان من استخراج معدن الذهب والفضة والبرونز والحديد وإعادة تطويعه لصناعة الحلي والتحف والمعدات الحربية.

- اكتساب الخبرة المهنية على أسس هندسية مدروسة وتوسع النشاط المهني للسكان بين التجارة والزراعة والصناعة وتعدد الحرف اليدوية والقضاء على الفقر وساعد على تصدير الخبرات إلى بلاد العالم المحيط باليمن السعيد عبر التجار.

- تراكم الثروات المحلية وتحول المجتمع إلى مجتمع راقٍ محب للتعلم والكتابة بخط المسند وخط الزبور ومحب لنشر الثقافة المهنية الراقية وتعلم المهن اليدوية المختلفة.

- تمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في الحياة حتى وصلت إلى مراكز القيادة والحكم وظهور أسماء ملكات وأميرات مثل بلقيس وملاك ولميس.

طرق قوافل التجارة القديمة كان لها مفعول تنموي واسع جعل من المجتمع اليمني القديم سعيدا استمرت حتى ظهرت الطرق البحرية البديلة عند استخدام اشرعة الرياح لتحريك السفن والتمكن من الإبحار بعيدا من سواحل اليمن عند أعالي البحار حينها تأثرت طرق التجارة القديمة في اليمن السعيد وتسبب ذلك في حركة الهجرات وحدث نوع من الركود الحضري في المجتمع.

التركيز اليوم على استعادة تنشيط طرق التجارة القديمة في اليمن وربط التجمعات السكانية الداخلية ببعضها البعض عبر وسائل مواصلات سريعة وحديثة وربط هذه المنظومة بالعالم الخارجي (البريكس) من شأنه الدفع السريع بالتنمية الاقتصادية وإعادة لحمة السكان على أساس تبادل المنافع الاقتصادية والخوف عليها من الضياع على المستوى الداخلي والخارجي، وهذا هو المفهوم العصري الحديث الذي منع حدوث الحروب والمنازعات بين الدول.

الشيء المهم في التنفيذ لهذه الخطط التنموية القائمة على اساس تشييد شبكة الطرق والموانئ البرية والبحرية والجوية على أسس حديثة وما تحتاجه من بناء وتشييد لكل مرافق الاقتصاد ... كل هذا محوره الهندسة والمهندسين المتخصصين في كل مجالات الحياة فبدونهم لا يمكن التخطيط والبناء والتشييد، ولذلك يجب إشراك العمل الهندسي والبرمجة في كل الخطوات التنموية منذ الأن لضمان تحقيق نتائج مدروسة ذات جدوى اقتصادية مضمونة ... مالم سوف يضل التخبط هو الغالب.
عن منارات للدراسات التاريخية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى