> توفيق الشنواح
ارتبط مشهد كرسي الحكم في اليمن بالدم، الدم الذي لونت حمرته سلسلة اغتيالات كانت ثيمة مشتركة لكل "راقص على كرسي الأفاعي" الرئاسي، وكان آخرهم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الذي أضيف إلى قائمة القادة المبعدين عن المشهد بالاغتيال على يد شركائه الحوثيين.
إذاً هو مشهد متواتر من معارك الإزاحة بالدم الذي جرى داخل القبيلة الواحدة بعدما استأثرت بالقرار والسلطة، وشكلت ثقلاً اجتماعياً وسياسياً فارقاً وتأثيراً مباشراً في صناعة هذا المشهد منذ ما قبل الثورة اليمنية في عام 1962، مما منحها نفوذاً استثنائياً عن بقية القبائل التي شهدت هي الأخرى تراجعاً ملاحظاً في أدوارها بعدما حل مكانها "المشرف الحوثي"، الذي يأمر الجميع بصفته "سيداً من العترة المطهرة" المفوضة بالحكم حصراً وفقاً لـ "الحق الإلهي".
هذا التراجع، لا يلغي احتفاظ قبائل حاشد بعدد كبير من المناهضين الشرسين للمشروع الحوثي ضمن صفوفها، يتوزعون على عدد من جبهات القتال، لعل أبرزهم رئيس هيئة أركان الجيش اللواء صغير حمود عزيز وغيره.
صحيح أن منصب الأحمر بعد الثورة بدأ بوزير للداخلية، وانتهى رئيساً للبرلمان، إلا أن إشارة منه كانت كفيلة بتنفيذ ما يمليه حرفياً، ولهذا اتسع حضور حاشد حتى غدت "قبيلة الرئيس" وعمق الحكم الاجتماعي المتوارث في تاريخ "اليمن الجمهوري".
وتشير تقديرات إلى أن المسلحين التابعين لمشايخ حاشد يقترب عددهم من 300 ألف مسلح، لكن لا يوجد إحصاء بأعدادهم، إلا أن هناك تقديرات بأن عددهم "مع قبيلة بكيل" يبلغ ثلاثة ملايين نسمة.
وعند تنصيب علي عبدالله صالح الذي كان للأحمر دور بارز في وصوله إلى سدة الرئاسة، جرى تحالف خفي وظاهر بين الرئيس وبين جناح النفوذ القبلي والاجتماعي والديني ممثلاً بالأحمر الذي يستند في قوته إلى حاشد. وعلاوة على نفوذه الموغل في عمق الدولة وسلطاتها، جرى تنصيب الأخير في منصب "شيخ مشايخ اليمن". ولهذا يمكن القول إن الرجلين كانا يديران دفة البلاد برأسين اتسعت لهما عمامة القبيلة الواحدة، التي متى ما واجهتها الالتزامات الاجتماعية يتم استبدالها بطاقية الجيش، بحسب كل مقتضى. ومتى ما أرادا استحضار الدولة والقانون كان لصالح حضوره البارز فيه، حاثاً على "الالتزام بالقانون والدستور" كما كان يردد دائماً. ومتى ما ارتأيا المصلحة في موقف مناقض، يأتي دور الأحمر المتشح بلحاف حاشد وعمامة "شيخ مشايخ اليمن"، ليحل محل الدولة والجيش والقانون الذي لم يكن نافذاً على الجميع على رغم التهم التي لم تتوقف عند اتهام هؤلاء الجنود بأنهم "جمهوريون في النهار وملكيون في الليل"، خلال حرب الثورة شمالاً في الستينيات، وأنهم يتلقون الأموال والأسلحة من الطرفين.
ودعمت قبائل حاشد المطالب الشعبية بإسقاط نظام صالح وترأس شيخها "صادق" تحالف "القبائل اليمنية" في يوليو 2011، تبعه اشتعال المواجهات بين آل الأحمر وقوات الأمن الموالية لصالح سقط خلالها مئات بين قتيل وجريح.
وقف معظم الأبناء مع "مطالب الشعب" القاضية بـ"إسقاط النظام"، غير أن مراقبين اعتبروها مساعي جديدة للسيطرة على الحكم بمعزل عن صالح وأبنائه وأبناء أخيه الذين يحكمون قبضتهم على مفاصل الجيش والأمن. ودفعت حاجة ملايين اليمنيين المطالبين بالتغيير والانعتاق، الجنرال علي محسن الأحمر إلى إحكام قبضته العسكرية على مفاصل الدولة، قبل أن تأتي المبادرة الخليجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 وتضع حداً للتوترات القائمة وتعيد الكرة إلى ملعب العملية السياسية القائمة على التوافق السياسي الوطني الذي نتج منه تشكيل "حكومة وفاق" وعقد "حوار وطني" تضمن حلولاً واعدة لولا الانقلاب الحوثي.
"إندبيندت عربية"
ربما تناسى صالح نفسه أن تنصيبه على كرسي الحكم في عام 1978 جاء أيضاً بعد اغتيال العقيد أحمد حسين الغشمي، الرئيس الثالث في عهد "الجمهورية العربية اليمنية" ابن قبيلة همدان التي تنتسب إليها قبيلة حاشد التي ينتمي إليها علي عبدالله صالح.
- الصمت الصعب
هذا التراجع، لا يلغي احتفاظ قبائل حاشد بعدد كبير من المناهضين الشرسين للمشروع الحوثي ضمن صفوفها، يتوزعون على عدد من جبهات القتال، لعل أبرزهم رئيس هيئة أركان الجيش اللواء صغير حمود عزيز وغيره.
- مؤسس النفوذ التاريخي
- جمهوريون نهارًا ملكيون ليلاً
على رغم هذا الحضور إلا أن رجال حاشد، وصفوا خلال حرب الثورة شمال اليمن في الستينيات، بأنهم "جمهوريون نهاراً ملكيون ليلاً"، إذ انقسمت البلاد إلى معسكرين، معسكر الجمهوريين بقيادة الرئيس عبدالله السلال وانضم إليه عبدالله بن حسين الأحمر، ومعسكر تابع للإمام أحمد (المملكة المتوكلية) خلال هذه الحرب كانت قبائل حاشد تتلقى الأموال والأسلحة من الطرفين.
- الصباح السياسي والمساء القبلي
ومثلما كان للأحمر حضور قبلي طاغ، كان له بالمثل حضور سياسي فاعل، إذ اشتهر بعلاقاته الشخصية الوثيقة مع زعماء ورؤساء وأمراء وملوك عرب وأجانب، كرسها في دعم وتمتين نظام صالح، المؤلف من خليط من رجال القبائل ورجال الدين والتجار والعسكر ومن في كنفهم، وخصوصاً قبيل وخلال أزمة عام 1994 الذي شهد الحرب الأهلية بين شريكي الوحدة، الشمال والجنوب.
وقام عبدالله بن حسين الأحمر في عام 1990 بتأسيس حزب الإصلاح الإخواني وترأس مجلس شوراه بالاتفاق مع صالح، وفقاً لمذكراته، ليشكل وعاء سياسياً إضافياً ضد الحزب الاشتراكي اليمني، الحامل السياسي لدولة الجنوب اليمني، بعد إقرار التعددية السياسية في البلاد وفق دستور النظام الناشئ عن توحيد الشطرين في عام 1990. كما ترأس الأحمر مجلس النواب منذ 1993 حتى وفاته في عام 2007م.
- "أنت رئيسي... ولكني شيخك"
عقب اختلافه مع الرئيس عبد الله السلال، أول رئيس للنظام الجمهوري اليمني في عام 1962، دانت السيطرة للجناح الذي ظل الأحمر يقوده واتهم بتجيير سلطات الدولة لمصلحته ومصلحة قبيلته التي تنقسم إلى أربعة أقسام: صريمي وخارفي وعصيمي وعذري، ومعه تحالف واسع من الشخصيات القبلية، أبرزها سنان أبو لحوم، شيخ مشايخ "بكيل"، المنافس الأبرز لحاشد، و "ساعده الأيمن" كما كان يصفه، مجاهد أبو شوارب، وعلي حميد جليدان وحمود عاطف وغيرهم، مما منح حاشد نفوذاً فارقاً. وكان الأحمر يتباهى بنفوذه وبمواكب مرافقيه المسلحين في شوارع المدن اليمنية.
- طموحات الأنجال تكبر
- انشقاق العصا
وفاق صالح والأحمر لم يورث للأبناء، الذين كبروا، وكبرت طموحاتهم السياسية والاجتماعية. ولهذا كان عام 2011، شاهداً على الشق الرأسي الذي اعترى عصا حاشد، معلناً عهداً جديداً أكدت فصوله خفوت نفوذها التاريخي بخلاف الحلف التاريخي بين أسرتي صالح وآل الأحمر. لعل أبرز ما يمكن وصفه لهذه الحالة أن الخلف لم يكونوا بوجاهة واستيعاب ورصانة السلف اللذين عرفا باحتواء نزاعاتهما خلف أسوار قصر النهدين الرئاسي أو بيت الحصبة انطلاقاً من مبدأ وثيق ومشترك على أن تظل حاشد هي خيمة الحكم الأولى.
وفي خضم الاحتجاجات الشعبية ضد نظام صالح، صعدت القبيلة مرة أخرى إلى واجهة الأحداث وكالعادة خلف زعمائها آل الأحمر، يقودها هذه المرة الابن الأكبر، "صادق الأحمر" الذي خلف والده في زعامة القبيلة وزعامة مشايخ البلاد، ومعه تسعة إخوة آخرين معظمهم أعضاء في البرلمان، كان أبرزهم حضوراً رجل الأعمال النافذ والقيادي في حزب الإصلاح، حميد المتهم بالسعي إلى تنصيب قيادة جديدة للبلاد موالية له بعيداً من صالح وأبنائه.
وقف معظم الأبناء مع "مطالب الشعب" القاضية بـ"إسقاط النظام"، غير أن مراقبين اعتبروها مساعي جديدة للسيطرة على الحكم بمعزل عن صالح وأبنائه وأبناء أخيه الذين يحكمون قبضتهم على مفاصل الجيش والأمن. ودفعت حاجة ملايين اليمنيين المطالبين بالتغيير والانعتاق، الجنرال علي محسن الأحمر إلى إحكام قبضته العسكرية على مفاصل الدولة، قبل أن تأتي المبادرة الخليجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 وتضع حداً للتوترات القائمة وتعيد الكرة إلى ملعب العملية السياسية القائمة على التوافق السياسي الوطني الذي نتج منه تشكيل "حكومة وفاق" وعقد "حوار وطني" تضمن حلولاً واعدة لولا الانقلاب الحوثي.
- القادم من خلف الجميع
- حمير والمهمة الأقسى
"إندبيندت عربية"