> سارة الضعفاني
لا يجد سكان العاصمة اليمنية مهربا من مخاطر النفايات، ليس لغياب المكان الذي تُرمى فيه، ولكن لأنها تعود إليهم مجددا بشكل آخر، فهي تُرمى في مقلب كبير شمال المدينة دون فرز أومعالجة، وتنتج عنها تاليا عصارة هي خليط من مواد سامة، لها الكثير من المخاطر، من دون وجود أي خطط لإعادة تدوير أو تحويل النفايات إلى طاقة.
توضيحا للصورة، فإن العصارة هي السائل المتسرب من النفايات العضوية المتكدسة والمتحللة، وتفاعل بقايا الطعام المتسربة من أكياس النفايات المنزلية بدرجة رئيسية، وتتشكل في أماكن رمي المخلفات أو دفنها بهدف معالجتها، وتشكل النفايات المنزلية ومنها بقايا الطعام، نسبة 65% من مجمل النفايات في اليمن.
وضمن صورة يمكن وصفها بأنها كارثة صحية وبيئية، يشكل مقلب "الأزرقين" شمال صنعاء، جبل نفايات يصل ارتفاعه إلى نحو 90 مترا، ويصله يوميا 1،800 طن من النفايات من محافظتي صنعاء وعمران، بما فيها من نفايات خطرة تشمل مبيدات حشرية وبطاريات وزيوت سيارات ومخلفات صناعية وطبية، دون أي فرز أو معالجة، ما يعني حدوث تفاعلات كيميائية ناتجة عن خليط شديد السمية، يزداد خطرها مع تقلبات الطقس وارتفاع نسبة النفايات وتكدسها قبل ردمها بالأتربة.
ويزيد الطين بلّةً قيام باعة العلب المعدنية والبلاستيكية، بنبش أكياس النفايات بحثا عن مصدر دخل، ببيعها لعشرات المصانع والمعامل لإعادة تدويرها، وتجار يصدرونها كمواد خردة، وقيام بعض عمال النظافة بتجميع النفايات، ثم حرقها في براميل القمامة، توفيرا للوقود، تحت مبرر ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فضلا عن مشكلة إطعام رعاة الأغنام مواشيهم من براميل القمامة، لتضاؤل مساحات الرعي في المدن.
تضاف إلى ذلك كله رداءة جودة أكياس النفايات، وعدم حرص بعض الأهالي على إغلاقها بإحكام، قبل أن تأتي شاحنة النظافة لأخذها إلى مقلب النفايات، ما ينشر العصارة المتحللة على الأرصفة، بجوار حاويات القمامة، ويفسد تربة أشجار جزر الشوارع التي تتحول أجزاء منها إلى مكبات صغيرة للنفايات.
وتتكون النفايات من مخلفات عضوية (65%)، وبلاستيك (10%)، والبقية هي ورق وكرتون ومعادن وزجاج وغير ذلك. ومن ضمن ما تشمله المخلفات من عناصر، تشكل الأغذية التالفة ومنتهية الصلاحية، مصدر تكوّن العصارة الفورية مع كل كيس من النفايات المنزلية.
والأمر الجيد هو وجود نوايا لم تترجم بعد، لوضع براميل قمامة مخصصة لمخلفات الطعام، لمنع التسرب في الطرقات وتصاعد الروائح المتعفنة، وما ينتج عن ذلك من أوبئة يسهل انتقالها، مع وجود الفئران والقطط والكلاب، انتهاءً بانتشار الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي، إذ تنتشر العدوى في مناطق تطفح بالنفايات ومجاري السيول، ويتحدث مسؤولون في صندوق النظافة والنقابة أنفسهم، عن الآثار الصحية الخطرة المترتبة من التعامل مع النفايات ومهمة إدارتها ومعالجتها، وهو ما يحتاج إلى تعاون على نطاق أوسع كأولوية حكومية.
لكن المتحدث، وهو مستشار أمين العاصمة لشؤون صندوق النظافة، يعترف بعدم توافر أدوات الوقاية ومستلزمات الصحة، وعدم الأخذ بإجراءات السلامة، لعدم وجود الإمكانات المادية والمخصصات لعلاج الحالات الحرجة. وهناك من أصيب بسرطان القلب والكبد والكلى، لعدم وجود محرقة للمخلفات الصلبة كالعلب الفارغة، وحتى التأمين الصحي تم إيجاده بجهود شخصية، للعمال في العاصمة صنعاء فقط.
ويواصل حديثه: "ليس هناك أي دعم حكومي لهذه المشكلة، ويتحول الأمر إلى عبء مادي، فمن العمال من يعاني من إصابة في عموده الفقري نتيجة الإفراط في حمل النفايات أو الجلوس الطويل كسائقي قلابات النظافة، ومن العمال من يقوم بمهمة قص الأشجار وسقيها ورشها بالمبيدات ما يتسبب في إصابتهم بأمراض مختلفة".
هذا الحال أدى إلى مطالبة العمال بمعالجة أوضاعهم وتتلخص في 10 نقاط، تتركز بشكل أساسي في توفير مستلزمات ومتطلبات الصحة وأدوات السلامة المهنية لكافة العاملين.
ويضيف: "مرّت آليات معالجة النفايات في العالم بمراحل قبل التمكن من إعادة التدوير، وكان ذلك حصاد وعي بخطورة الطمر الأرضي للنفايات، التي تصل خطورتها إلى المياه الجوفية ومجرى مياه الأمطار والتربة والهواء. وتنتج مدينة صنعاء من النفايات بأنواعها نحو 2،000 طن تُطمر في مقلب يُعدّ أسوأ نقطة للنفايات، بسبب جهل مؤسسي ومجتمعي بالمخاطر الصحية والبيئية".
ويؤكد مدير عام الإدارة العامة للنظافة في صنعاء إبراهيم الصرابي، حجم التلوث متحدثا بشكل خاص عن النفايات الطبية: "للأسف لا نمتلك معدات نقل المواد الطبية الخطرة من موقعها في المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية، أو معالجتها، إنما يتم جمعها مع المخلفات العضوية مما يلحق أضرارا تصيب العمال عند رفع هذه المخلفات من أماكنها إلى مقلب الأزرقين، ولا يوجد فرز للنفايات إلا يدويا".
وأضاف: "كان لدينا مشروع إستراتيجي للمخلفات الطبية الخطرة، بدعم من أمانة العاصمة والصندوق الاجتماعي في عام 2015، وكنا على وشك بدء استخدام المعدات المخصصة لذلك لكنها تعرضت للقصف".
تجربة معالجة المخلفات العضوية
التعامل مع النفايات قبل تسرب العصارة منها، وتالياً تأثيرها على البيئة والإنسان ليس بالأمر الصعب، ويمكن الاستفادة منها على مستويات عدة مثل تحويلها إلى غاز أو توليد الكهرباء منها، وهو ما حصل في منطقة زراعية في محافظة لحج جنوب اليمن، ضمن مشروع يشرف عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع شركاء محليين ودوليين، وهو عبارة عن أول مصنع لتحويل المخلفات المنزلية والزراعية إلى غاز لتوليد الكهرباء.
وتتكون محطة المعالجة من جزئين أحدهما لمعالجة المخلفات العضوية أي الحيوانية والزراعية، وتستخدم في إنتاج الطاقة، كما تنتج مادة "الآش" عند معالجة المخلفات الحيوانية التي ينتج عنها سماد للزراعة، بينما ينتج عن معالجة المخلفات الزراعية مادة الرماد المستخدمة في إنتاج الفحم، والجزء الآخر هو خط لتدوير مخلفات البلاستيك، وإنتاج حبيباته كمادة خام، وهناك نقاط بيع لشراء المخلفات من المواطنين، ويتم نقلها عبر مركبات "توك توك" تعمل بالطاقة الشمسية إلى موقع المحطة.
يقول المتخصص في الطاقة المتجددة في البرنامج محمد سلّام، لرصيف22: "بعد أن أنتجنا الطاقة نخطط أيضا لتوظيف تكنولوجيا التخمير اللا هوائي، لمعالجة بقايا الطعام وتحويلها إلى سماد عضوي، فالمخلفات إذا بقيت في موقعها مع الظروف الجوية المحيطة تنتج عصارةً تُلوّث الهواء بانبعاثات غاز الميثان، وتتسرب إلى المياه النقية وتدمر الأرض الزراعية".
ويبقى القول أن مشكلة اليمن مع النفايات مشكلة كبيرة تتصل بسلامة البيئة وبأرواح الناس، الأمر الذي يحتاج إلى تغيير في الوعي، وتوكيل مهمة التخلص من النفايات إلى متخصصين، ومدّهم بأدوات وآليات الفرز والمعالجة والحماية الشخصية، وقبل وبعد ذلك الإدراك العام بأن النظافة والحفاظ على البيئة يحتاجان إلى ما هو أكبر من الشكاوى والنوايا.
توضيحا للصورة، فإن العصارة هي السائل المتسرب من النفايات العضوية المتكدسة والمتحللة، وتفاعل بقايا الطعام المتسربة من أكياس النفايات المنزلية بدرجة رئيسية، وتتشكل في أماكن رمي المخلفات أو دفنها بهدف معالجتها، وتشكل النفايات المنزلية ومنها بقايا الطعام، نسبة 65% من مجمل النفايات في اليمن.
وضمن صورة يمكن وصفها بأنها كارثة صحية وبيئية، يشكل مقلب "الأزرقين" شمال صنعاء، جبل نفايات يصل ارتفاعه إلى نحو 90 مترا، ويصله يوميا 1،800 طن من النفايات من محافظتي صنعاء وعمران، بما فيها من نفايات خطرة تشمل مبيدات حشرية وبطاريات وزيوت سيارات ومخلفات صناعية وطبية، دون أي فرز أو معالجة، ما يعني حدوث تفاعلات كيميائية ناتجة عن خليط شديد السمية، يزداد خطرها مع تقلبات الطقس وارتفاع نسبة النفايات وتكدسها قبل ردمها بالأتربة.
ويزيد الطين بلّةً قيام باعة العلب المعدنية والبلاستيكية، بنبش أكياس النفايات بحثا عن مصدر دخل، ببيعها لعشرات المصانع والمعامل لإعادة تدويرها، وتجار يصدرونها كمواد خردة، وقيام بعض عمال النظافة بتجميع النفايات، ثم حرقها في براميل القمامة، توفيرا للوقود، تحت مبرر ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فضلا عن مشكلة إطعام رعاة الأغنام مواشيهم من براميل القمامة، لتضاؤل مساحات الرعي في المدن.
تضاف إلى ذلك كله رداءة جودة أكياس النفايات، وعدم حرص بعض الأهالي على إغلاقها بإحكام، قبل أن تأتي شاحنة النظافة لأخذها إلى مقلب النفايات، ما ينشر العصارة المتحللة على الأرصفة، بجوار حاويات القمامة، ويفسد تربة أشجار جزر الشوارع التي تتحول أجزاء منها إلى مكبات صغيرة للنفايات.
- حجم استهلاك النفايات
وتتكون النفايات من مخلفات عضوية (65%)، وبلاستيك (10%)، والبقية هي ورق وكرتون ومعادن وزجاج وغير ذلك. ومن ضمن ما تشمله المخلفات من عناصر، تشكل الأغذية التالفة ومنتهية الصلاحية، مصدر تكوّن العصارة الفورية مع كل كيس من النفايات المنزلية.
والأمر الجيد هو وجود نوايا لم تترجم بعد، لوضع براميل قمامة مخصصة لمخلفات الطعام، لمنع التسرب في الطرقات وتصاعد الروائح المتعفنة، وما ينتج عن ذلك من أوبئة يسهل انتقالها، مع وجود الفئران والقطط والكلاب، انتهاءً بانتشار الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي، إذ تنتشر العدوى في مناطق تطفح بالنفايات ومجاري السيول، ويتحدث مسؤولون في صندوق النظافة والنقابة أنفسهم، عن الآثار الصحية الخطرة المترتبة من التعامل مع النفايات ومهمة إدارتها ومعالجتها، وهو ما يحتاج إلى تعاون على نطاق أوسع كأولوية حكومية.
- مآسي عمال النظافة
لكن المتحدث، وهو مستشار أمين العاصمة لشؤون صندوق النظافة، يعترف بعدم توافر أدوات الوقاية ومستلزمات الصحة، وعدم الأخذ بإجراءات السلامة، لعدم وجود الإمكانات المادية والمخصصات لعلاج الحالات الحرجة. وهناك من أصيب بسرطان القلب والكبد والكلى، لعدم وجود محرقة للمخلفات الصلبة كالعلب الفارغة، وحتى التأمين الصحي تم إيجاده بجهود شخصية، للعمال في العاصمة صنعاء فقط.
ويواصل حديثه: "ليس هناك أي دعم حكومي لهذه المشكلة، ويتحول الأمر إلى عبء مادي، فمن العمال من يعاني من إصابة في عموده الفقري نتيجة الإفراط في حمل النفايات أو الجلوس الطويل كسائقي قلابات النظافة، ومن العمال من يقوم بمهمة قص الأشجار وسقيها ورشها بالمبيدات ما يتسبب في إصابتهم بأمراض مختلفة".
هذا الحال أدى إلى مطالبة العمال بمعالجة أوضاعهم وتتلخص في 10 نقاط، تتركز بشكل أساسي في توفير مستلزمات ومتطلبات الصحة وأدوات السلامة المهنية لكافة العاملين.
- النفايات وتلوث البيئة
ويضيف: "مرّت آليات معالجة النفايات في العالم بمراحل قبل التمكن من إعادة التدوير، وكان ذلك حصاد وعي بخطورة الطمر الأرضي للنفايات، التي تصل خطورتها إلى المياه الجوفية ومجرى مياه الأمطار والتربة والهواء. وتنتج مدينة صنعاء من النفايات بأنواعها نحو 2،000 طن تُطمر في مقلب يُعدّ أسوأ نقطة للنفايات، بسبب جهل مؤسسي ومجتمعي بالمخاطر الصحية والبيئية".
ويؤكد مدير عام الإدارة العامة للنظافة في صنعاء إبراهيم الصرابي، حجم التلوث متحدثا بشكل خاص عن النفايات الطبية: "للأسف لا نمتلك معدات نقل المواد الطبية الخطرة من موقعها في المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية، أو معالجتها، إنما يتم جمعها مع المخلفات العضوية مما يلحق أضرارا تصيب العمال عند رفع هذه المخلفات من أماكنها إلى مقلب الأزرقين، ولا يوجد فرز للنفايات إلا يدويا".
وأضاف: "كان لدينا مشروع إستراتيجي للمخلفات الطبية الخطرة، بدعم من أمانة العاصمة والصندوق الاجتماعي في عام 2015، وكنا على وشك بدء استخدام المعدات المخصصة لذلك لكنها تعرضت للقصف".
تجربة معالجة المخلفات العضوية
التعامل مع النفايات قبل تسرب العصارة منها، وتالياً تأثيرها على البيئة والإنسان ليس بالأمر الصعب، ويمكن الاستفادة منها على مستويات عدة مثل تحويلها إلى غاز أو توليد الكهرباء منها، وهو ما حصل في منطقة زراعية في محافظة لحج جنوب اليمن، ضمن مشروع يشرف عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع شركاء محليين ودوليين، وهو عبارة عن أول مصنع لتحويل المخلفات المنزلية والزراعية إلى غاز لتوليد الكهرباء.
وتتكون محطة المعالجة من جزئين أحدهما لمعالجة المخلفات العضوية أي الحيوانية والزراعية، وتستخدم في إنتاج الطاقة، كما تنتج مادة "الآش" عند معالجة المخلفات الحيوانية التي ينتج عنها سماد للزراعة، بينما ينتج عن معالجة المخلفات الزراعية مادة الرماد المستخدمة في إنتاج الفحم، والجزء الآخر هو خط لتدوير مخلفات البلاستيك، وإنتاج حبيباته كمادة خام، وهناك نقاط بيع لشراء المخلفات من المواطنين، ويتم نقلها عبر مركبات "توك توك" تعمل بالطاقة الشمسية إلى موقع المحطة.
يقول المتخصص في الطاقة المتجددة في البرنامج محمد سلّام، لرصيف22: "بعد أن أنتجنا الطاقة نخطط أيضا لتوظيف تكنولوجيا التخمير اللا هوائي، لمعالجة بقايا الطعام وتحويلها إلى سماد عضوي، فالمخلفات إذا بقيت في موقعها مع الظروف الجوية المحيطة تنتج عصارةً تُلوّث الهواء بانبعاثات غاز الميثان، وتتسرب إلى المياه النقية وتدمر الأرض الزراعية".
ويبقى القول أن مشكلة اليمن مع النفايات مشكلة كبيرة تتصل بسلامة البيئة وبأرواح الناس، الأمر الذي يحتاج إلى تغيير في الوعي، وتوكيل مهمة التخلص من النفايات إلى متخصصين، ومدّهم بأدوات وآليات الفرز والمعالجة والحماية الشخصية، وقبل وبعد ذلك الإدراك العام بأن النظافة والحفاظ على البيئة يحتاجان إلى ما هو أكبر من الشكاوى والنوايا.