الكتاب قبلة حب لكل النساء

> أنجي عبدالله البيضاني

> لقد كان لي شرف الحضور الافتراضي في حفل الإشهار الثقافي الزاهي للكتاب الموسوم (نساء عدن تنوير وتحرير) للكاتبة والأديبة سعاد عقلان العلس و الذي أقيم بتاريخ 12-02-2023 في مدينة عدن.

في البدء رحمة الله على من رحلن وجاء ذكرهن في هذا الكتاب، لاشك أن صدور كتاب كهذا يسلط الضوء كاشفا عن دور المرأة التنويري والوطني في مرحلة مهمة من تاريخ مدينة عدن بشكل خاص وجنوب اليمن بشكل عام، هو حدث جيد ومشرق من شأنه أن يكون رافدا من روافد العلم والمعرفة، في المكتبة اليمنية والعربية كما هي الكتب الأخرى التي اُعتمدت كمراجع في هذا الكتاب والتي شكلت بدورها رافدا من روافد المكتبة الوطنية، أن توثيق ذاكرة الاحداث رفد وإغناء للتراث الثقافي للبلد وميراث للأجيال القادمة.

يستعرض الأكاديمي والمفكر العراقي د. عبدالحسين شعبـان في مقدمته الجميلة عن الكتاب كثيرا مما يمتاز به الكتاب من ميزات موضوعية مهمة ترتبط ارتباطا وثيقا بمادة الكتاب محتوى وصياغة، لن أستعرض الجانب البلاغي الأنيق والرشيق التي تزخر به لغة الكتاب فأنا لست ناقدة أدبية كما أنني لن أدخل في تفاصيل منهجية البحث العلمي ومفرداته فأنا لست أكاديمية، لكنني سأتحدث عن الكتاب كقارئة من ضمن من قرأ الكتاب أو سوف يقوم بقراءته فيما بعد.

قد لا يتميز الكتاب باحتوائه لمعلومات نجدها في بعض الكتب الأخرى ، لكنه بالتأكيد يتميز بفرادته في حديثه عن نساء عدن من خلال مسامات أوراقه و صفحاته التي تعتمل بكل الطاقات الإيجابية الهائلة التي صاحبت نضال المرأة في عدن خاصة وجنوب اليمن. هذه الطاقة الهائلة من الشجاعة والصمود والإقدام التي اتسم بها نضال كوكبة من النساء في مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني، أكان هذا النضال سلميا أم مسلحا.

وباعتماد منهجية الرواية الشفهية للنساء (صانعات الحدث) في عملية التدوين التاريخي لهذه المرحلة فقد حلقت الكاتبة في فضاء كاد أن يكون مغيبا من تاريخ دور المرأة في النضال الوطني في عدن ، وهكذا أزاحت تلك الغيوم الرمادية التي كثيرا ما أعاقت رؤية الحقيقة الساطعة لدور النساء ومكانتهن في تاريخ النضال من أجل التحرر من سيطرة الاستعمار البريطاني في هذا الجزء من العالم.

لقد آمنت الكاتبة بحق تلك الكوكبة من النساء في تأريخ وتوثيق هذا الدور ضمن مجمل تأريخ مرحلة النضال ضد الاحتلال البريطاني ، كما آمنت بمسؤولية عميقة بالحق الانساني والوطني في أن تزدان صفحات هذا الكتاب بصنوف الشجاعة والإقدام والصمود والتضحية التي رافقت دورهن في مرحلة النضال الوطني التحرري.

أن استعراض صفحات من تاريخ دور المرأة العدنية في هذا النضال إنما ينم عن مدى الالتحام والالتصاق الكثيف للكاتبة بالوطن، فها هي تهديه هذا الكتاب مكانة في القلب وحبا لا يتبدل أو يميل وإن مالت الأحوال الغاشمة به، وترسل عتابا مصبوغا بالحزن والأسى يلتصق به الأمل بمستقبل افضل، تهديه لجيل الوحدة المغبون والذي اكتنف سواد الظلم والقهر واليأس سنوات شبابه، وهنا يتصدر الهدف الأسمى للكاتبة من تأليفها لهذا الكتاب وهو في رأيي المتواضع إضافة إلى ما جاء في مقدمة د. عبد الحسين شعبـان.

الالتحام بنساء الحاضر من خلال استدعاء صورة وذاكرة النساء في الماضي ،ليس تجاوز للحاضر وإنما كشفه وتعريته.

رد اعتبارٍ لمكانة المرأة ودورها الطليعي في الحياة وصرخةُ رفضٍ لما آلت إليه أوضاع المرأة اليمنية في الجنوب في هذا الزمن الذي فقدت فيه الكثير من الحقوق الإنسانية التي كانت تتمتع بها في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. صرخة في وجه كل هذا الظلم والاستبداد الذي سيطر على حياة الكثير من النساء بهيمنة الإسلام السياسي المتشدد على العقل الجمعي وتقييد وتهميش دور النساء في المجتمع في ما بعد الوحدة.

في اعتقادي أن وجود مفهوم الوطن كقيمة تشع حقا وخيرا وجمالا يتجلى كثيرا في العلاقة العاطفية القوية بين نساء عدن ومدينة عدن ، العلاقة التي تتميز بالفخر الشديد بكل ما تمتاز به مدينة عدن، الفخر ببحرها ، سواحلها وجبالها ، بانفتاح المدينة على كل جنس ودين وملة، الفخر بناسها وترابها، بصيفها الحارق وشتائها الرحيم، بكل ما فيها وما فوقها، اليس كتاباتهن ومخزون ذاكرتهن إلا تصوير باهر لكل هذا الحب والفخر والشموخ.

تتردد أصوات النساء المناضلات خلال صفحات الكتاب وتكاد أن تسمعها في أذنيك أثناء القراءة وبوعي أم بدون وعي، لا تستطيع أن تتوقف ، فشحنات الذهول والانبهار والانصهار تكون قد انتشرت في الأجواء، أما متابعة الأحداث فتشدك مسمرا إلى الكرسي حتى تنهي ما قالته هذه المناضلة عن تجربتها في توزيع المنشورات أو تلك التي كانت مهمتها إخفاء الأسلحة تحت الثياب أو تلك التي اُعتقلت ودخلت السجن لمدة شهرين ونصف، و تلك التي صفعت أحد الجنود الانجليز، جميعهن تمُسك بك وترغمك أن تستمع إليهن بكل تعمق واحترام، وحين تنهي عملية الاستماع تجد ذاتك وهي مسكونة بحب الوطن وشرف الدفاع عنه.

صور تسكن صفحات الكتاب بين حدث الاستشهاد الحزين والفرح الجميل بانتهاء المهمة بنجاح والعودة بأمان للبيت، صور التضحية والفداء والرحمة والعطف والإيثار، ليس هذا فحسب بل أنك ترى وتلمس جمال العلاقات العائلية والإنسانية وما يتخللها من حب وتضحية وإجلال واحترام وامتزاج، كل هذه القيم بعاطفة الحب والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن.

كما أن المناخ الوطني القائم آنذاك كان عامرا بحب الوطن الذي تخلله الحب الإنساني الصافي والصادق والنقي في علاقة الرجل بالمرأة . فها هو الأب الذي من شدة إيمانه بتعليم الفتاة يتحدى قوة العادات والتقاليد ويأخذ ابنته إلى مدرسة البنين لتتعلم فكانت نور حيدر سعيد رائدة تعليم البنات في عدن . وها هو محمد علي لقمان رجل التنوير الأول ، الزوج المحب الذي أخذ على عاتقه مهمة تعليم وتثقيف الزوجة رقية ناصر( أم صلاح) فصارت سيدة المجال الاجتماعي والخيري في عدن ، وكذلك فعلها الأخ المؤمن بأن المرأة إنسان له حق التعليم والمعرفة فها هي ماهية نجيب الأم والأرملة تصبح أول رئيس تحرير صحيفة في المنطقة، وكم هو حب واحترام الأب الذي كان يعتمل قلب المناضلة رضية إحسان لتتوقف حينا عن المشاركة في التظاهر ضد الحجاب بسبب وجود الأب في صف المعارضة. وهذا الأب الذي سمح لابنته فعل النضال الوطني السري وتكتم هو عن هذا الأمر خوفا على ابنته والوطن. صور من حياة المناضلات والمدينة تملأ الاجواء بهجة وتفاؤل بالحياة.

تسكن صفحات الكتاب طاقة خلاقة تستطيع الإحساس بها حين تقرأ عن زيارة وفد من النساء لمنطقة تعز والتبرع بمصاغهن دعما لثورة السادس والعشرين من سبتمبر في شمال اليمن.

يمتد حديث المناضلات خارج حدود منطقة عدن في تلك الأثناء ليصل إلى لحج وأبين، وتقف مذهولا حين تقرأ عن المناضلة مريم سعيد ثابت الملقبة (دُعرة) فتاة صغيرة في عمر الـ 12 عاما تحمل السلاح وتشارك في النضال فلا تكتفي بمحاربة الاستعمار البريطاني بل تذهب لمقارعة كهانة الإمام في شمال اليمن.

ومن المعيب والمخجل ونحن في هذا الزمن أن نرى توالد هذا النظام الإمامي السلالي القبيح مرة أخرى وفي القرن الواحد والعشرين.

أن عملية النضال الوطني السلمي والمسلح ضد الاستعمار البريطاني في مدينة عدن وجنوب اليمن لم تكن لتستقيم دون وجود المرأة إلى جانب الرجل والعكس صحيح، وهنا يبرز مفهوم الإنسان الوطني لدى النساء واضحا وصريحا دون التخلي عن المفهوم الأنثوي أو النسوي الذي كان يختبئ وراء قوة الإصرار والعزيمة والشجاعة التي تحلت بها المرأة في عدن وجنوب اليمن.

هذا الكتاب وسام تبجيل وتقدير واحترام لكل النساء المناضلات في عملية التنوير والتحرير، هذا الكتاب قبلة حبٍ لكل النساء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى