​يا عارف يريمي : نريد التلال حيّا

> محمد العولقي

>
في التلال قرص الشمس الأحمر يحتضر ، أرضه قاحلة لا ينبت فيها أي زنبق ، وما تبقى له من ورود حمراء لا تغري الفراشات ، زامر القلعة لا يُطرب ، الذكريات تنداح ولا أثر لشفق قادم في الأفق أو قبس من غسق يبدد الليلة الظلماء المفتقد فيها لبدر التلال.

  أشفق كثيراً على جمهور نادي التلال ، ففي خضم (الغاغة) الإدارية ، التي تعصف بالتلال ، يحاول التلالي (خالد حداد) قيادة ، وتوجيه حناجر التلال ليبقى هتاف زمان وصل العميد مدوياً في المدرجات الحمراء : و"الله يا تلال ، لما حبيتك حسدوني الناس .. الرياضة فن وأخلاق .. والتلال فارس عملاق" .. جمهور فريق التلال لا مثيل له في ملاعب ما كان يُعرف بالجنوب ولا نظير له في ملاعب ما بات يُعرف بالوحدة ، فهو جمهور عاشق وفي ومخلص ، يدفع من جيبه ومن صحته ، ودائماً لحم أكتاف العميد من حناجر جمهور التلال.

  لكن العشق هذا الذي يغلف جمهور التلال عشق من نوع خاص ، وحتى وإن تحول بفعل الظروف القاهرة ، التي تستوطن نادي التلال إلى مرض عضال ، إلا أن هذا الجمهور يرفض أن تكون المرمطة في ملاعب عدن هي القاعدة والاستثناء ، ويرفض تماماً أن يتحول التلال إلى حوار غير متكافئ بين قطعة جبن وسكين حاد .. وعندما خسر التلال مباراته أمام تضامن شبوة في بطولة كأس المريسي الرمضانية الـ 27 ، مغادراً البطولة مهزوماً مكسور الوجدان ، من المحطة الأولى ، كانت هذه الخسارة امتداداً طبيعياً لسنوات قحط كروي ، أين هي من سنين يوسف والملك أمنحوتب وزليخة.

  كان الأخ عارف يريمي رئيس نادي التلال ، يعتقد أن سفينة التلال ، ستسير وسط الأمواج العاتية ، بغير عجز باللاسلكي لا سيما وأن الرئيس اختار من كل زوج إثنين في إدارة صورية ، تقدم على التقاط الصور أمام الكاميرات الديجيتل والجولات ، بلياقة بدنية عالية، إنما عملها على أرض الواقع أخف من حبة خردل.

  وبين متواليات الهزائم واسطوانة التبرير المشروخة ، لم يستوعب رئيس نادي التلال ، أن الظل لن يستقيم والعود أعوج ، بمعنى أنه حتى لو كان يمتلك مهارات (السوبر مان) الخارقة ، فلن يعالج (داء التلال المستفحل) بالمعاينة بالواتس أو الفيس ، وبقية الإخوة من الرضاعة التكنولوجية ، فالطبل عندما يكون في الرياض أو جدة ، تكون الرقصة العدنية نشازاً وعشوائية غير منضبطة ، لا تنفع معها حنجرة (خالد حداد) لضبط ساعتها الرملية ولو استعانت حباله الصوتية بدبة عسل دوعني.

  الهزائم التي تتوالى على التلال من كل حدب وصوب من الكبير والنص نص طبيعية جداً وهي انعكاس حقيقي لسياسة ترقيع (الخرقة) الحمراء بمطرز لا يمتلك أدوات التطريز من الداخل فكيف سيكون الحال مع مطرزين من الخارج كل همهم الانشغال بغلة الأرقام القياسية المقلوبة نهجاً ومستوى؟ .. لقد اعتقد الفريق الإداري المناوب للأخ عارف يريمي أن مشكلة التلال مدرب جذاب سمعته زي الطبل ، فسعى بكل ما أوتي من قوة ، للتوقيع مع الكابتن (قيس محمد صالح) ، بينما الواقع أن مشكلة التلال ، وشر بليته في بيته ، وفي مدرسته التي أغلقت أبوابها دون سبب منطقي فكان التعويل على عملية استيراد عشوائية للاعبين أكثرهم لا يفرقون بين الألف وكوز الذرة كارثة عبثية أصابت التلال وسمعته وعشاقه في مقتل .. هذا الفكر (الحواري) الذي تعاملت به الإدارة مع الفريق كان أقرب إلى خبط عشواء فلا يليق بالتلال وتاريخه ومكانته أن يصبح مثل سوق عكاظ فيرهن سمعته بقدم اللاعب (النطيحة) وبرأس اللاعب (المتردية) ، وبفوضوية ما تبقى للسبع من فضلات.

  قد يقول عارف يريمي أو حتى الكابتن قيس الذي يركض خلف سراب إنجاز آني تلالي دون وعي أننا نعيش زمن الاحتراف ، والتلال من حقه جلب محترفين ما دام في حنفية التلال المال السائب القادر على ضخ الحيوية في أوصال فريق كرة القدم .. هذا المنطق قد يبدو معقولاً لو أننا نعيش وضعاً طبيعياً يسمح بالتلقيح الاعتيادي ، لكن أي احتراف؟ وأي نهج ، وقد تحول التلال في ظل عشوائية (الكم) ، وغياب (الكيف) إلى حبحب على السكين؟ أين مخرجات نادي التلال؟ .. أين فئاته السنية؟ .. أين كشافوه؟ وأين خطط الإدارة المستقبلية للنادي؟
  أما وقد أصبح فريق التلال (ملطشة) حتى أمام الذين لا يسوون بصلة ، وصار الأسد العجوز ، منزوع  المخالب والأظافر ، من الطبيعي مراجعة الذات ، و إعادة غربلة الفكر الإداري البليد ، الذي جعل فريق كرة القدم عقيماً ، هدفه التفنن في تعذيب جمهور التلال ، وإصابته بخيبة أمل كبيرة .. يستطيع الكابتن قيس محمد صالح وقد أضاع فجر ليلاه القول : "ماذا أفعل؟ .. جئتُ في مهمة انتحارية ، حبّا في التلال ، ولم أجد أمامي لاعبين تلاليين ، ولو من طينة الحواري ، فكان لا بد مما ليس منه بد الهرولة نحو (المهجنين) ، بإخضاعهم لنظرية حقل التجار.. ماذا أفعل يا خبرة؟ ..

هذه بضاعتنا ، فكيف أعمل لكم من الفسيخ شربات؟
  وهكذا : أزمة التلال المستعصية أزمة عقول ، فلست مستعداً لتكرار أسطوانة شحة الإمكانيات على طريقة إعلان الببغاوات الثلاثة ، من هنا على التلاليين التدقيق في مرآة الواقع ، لا تهشيمها ، والإجابة عن أسئلة مشنوقة من طراز : لماذا لم يعد ارتداء فانلة العميد (أمنية كل لاعب)؟

.. لماذا ينفر اللاعبون من التلال ويتجنبون اللعب له؟ .. لماذا لم تعد مزرعة التلال تُفرخ ، وتنتج المواهب ، كي تتساوى عمليتي الاستيراد و التصدير؟ .. لماذا فص ملح التلال وذاب واستسلم تماماً لموسم الهجرة إلى الحواري؟
  عزيزي عارف يريمي : دعك من (علكة) الواقع ، ومبررات أخرى ، مقلية على زيت البكاء على الأطلال .. فقط أسألك سؤالاً واحداً يُلخص حاضر التلال ومستقبله : هل تستطيع إعادة التلال حيّا كما كان فارساً لا يُشق له غبار؟ .. إذا كانت لديك إجابة عملية مقنعة عن السؤال فبقاؤك قابل للنقاش شريطة الكشف عن خريطة إحياء التلال مجدداً .. أما إذا كان وجودك على رأس إدارة التلال (مجرد صيت وشهرة) وتلبية لما يطلبه (الزناطون) في المهجر فالأفضل المغادرة بماء الوجه ، وباب منه ريح سده واستريح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى