محمد أبوبكر بن عجرومة.. رحيل شيخ ثائر

> رحل عن دنيانا الشيخ محمد أبوبكر بن عجرومة العولقي رئيس رابطة الجنوب العربي بعد حياة حافلة ما بين خوف وأمن ورخاء وشدة وفرح وترح ، تقلبت به الحياة بكل معاني قسوتها وشدتها ، فارق الأرض وافتقد أخا شهيدا وآخر فقيدا ، ونزح عن مرابع الأهل ومواطنهم فاستقر به المقام في المنفى فتكانفته في منفاه هموم الإبعاد عن الوطن فسلمته للأسقام والشيخوخة.

رحل عنا بعد حياة حافلة في معتركات الحياة في مقاومة الاستعمار البريطاني والمعتركات السياسية بعد الاستقلال انتمى للعمل الوطني والنضالي في مناهضة الاستعمار من بواكير شبابه خرج مجاهدا ومنافحا ومقاوما الاحتلال البريطاني في خمسينات القرن الماضي ولجأ مع مجاميع من قبائل العوالق إلى جبال "الكور" المنيعة في ثورة كثورات امتدت في مناطق الجنوب العربي من بيحان إلى بلاد الواحدي إلى كور الربيزي إلى ردفان والضالع ويافع وغيرها ليس المجال لإحصائها إنما استذكرنا بعضها للإشارة لها، ثورات تصدى لها فتية وشباب ورجال في ذلك الزمن لم تساعدهم الظروف الدولية والإقليمية على إنجاز تحرير بتلك الثورات رغم ما قدمته من تضحيات.

كان الشيخ محمد من الرعيل الأول الذين استشرفوا أن الثورات لا تنجزها قبائل مهما كانت قوة بأسها وصدقها ، فالخطاب القبلي يظل محليا لا يخرج من مضارب القبيلة ونكف أبنائها لذا كان من أوائل من بعثوا هوية الجنوب العربي التي كان للسيد محمد علي الجفري رحمه الله وثلة من رجال الجنوب العربي في بعثها وصياغة خطابها وتقديمها مشروعا وطنيا وارتكزت فكرته على تهذيب نسق عصبوية الانقسامية السياسية في الجنوب العربي وتوحيدها في كيان فيدرالي وخلق مواطنة فيدرالية توازن مصالح تلك الانقساميات، فانظم الشيخ محمد لرابطة أبناء الجنوب العربي وظل صامدا متمسكا بمفهوم الجنوب العربي وارتقى في مراتب الرابطة وألجأته الظروف والصراعات السياسية بعد الاستقلال عن بريطانيا فلجأ إلى صنعاء التي سلمته هوية "جنوبي مقيم" ثم لجأ للمملكة العربية السعودية التي أكرمته واحترمت وفادته وظل - رحمه الله - وفيا لمشروع الجنوب العربي حتى وافاه أجله.

كان مع رعيل من الوطنيين الجنوبيين يمثل حقبة كانت صادقة في خطاب شعب الجنوب العربي فهزمت خطابهم حرارة الشعارات العروبية قبل أن تهزمهم تنظيماتها ولعبة التوازنات الدولية فوقع الجنوب العربي بشعاراتها في فخ اليمنية التي تحولت فيه إلى "إدارة بالاستعمار" مازال يعانيها ويدفع ثمنها احتلال وحروبا دماءً ومكائد ومؤامرات.

اشتهر الشيخ محمد بالتواضع وحضور البديهة ودماثة الخلق مبتسما في كل الظروف ورأسماله حبه للناس وحب الناس له، كان دوما يردد عبارته المفضلة التي يكررها ممازحا "أنا عسكري" ويهب في تقديم الخدمات لأي جنوبي يلجأ اليه في بلاد المهجر وقد عرفه الجميع بتواضعه وقوته.

كان الشيخ محمد أبوبكر بن عجرومة من الرجال التاريخيين الذين عاصروا كل مراحل الجنوب العربي ومن بقية رجال ظلت تمثل مرحلة مفصلية في الجنوب العربي ورحيل الشيخ محمد وأمثاله يجب أن يكون جرس إنذار لكل الطيف الجنوبي بأن يمتلكوا ناصية إدارة اختلافاتهم وتبايناتهم بدون إقصاء ولا تهميش فيكفي الجنوب العربي نزق واحتكار، فالبلسم السياسي لن يكون إلا بالجنوب بكل ولكل أبنائه.

رحل وعزاؤه أن هوية الجنوب العربي التي ظل متمسكا بها صارت راسخة في وجدان الشعب بعد أن تكشّف للجميع خطل الشعارات العروبية فيه وصارت هوية وخطاب سيتحقق وجودا ودولة بعون الله ثم بإصرار الرجال الصادقين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى