​نبي الله داود مع جالوت وصاحب النعجة

>
سيدنا داود -عليه السلام- كان أحد أنبياء بني اسرائيل، وهو والد نبي الله سليمان -عليهما السلام- فقد أخبر الله في محكم كتابه: ((وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ))، وقد جُمع داود -عليه السلام- في نسله الملكَ والنُّبوة ولم تجتمع لغيره، وقد أعطى الله لنبيه القدرة والقوة، فقال -تعالى-: ((وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ، ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ))، وكان كثير العبادة لله،والرجوع إلى الله -تعالى-، وقد جعل الله -تعالى- الطير والجبال تسبح مع داود كما ورد في سورة سبأ: ((يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)).

وقد أعطاه الله قدرة عظيمة، فكان الحديد يلين معه من غير نار فيسهل تصنيعه وعمل ما يشاء به، فقد قال -تعالى-: ((وألنا له الحديد)).

* قصة داود مع جالوت
- طالوت الملك

في تلك الحقبة من الزمن دار حديثٌ بين بني إسرائيل والنبي الذي بعثه الله بعد موسى -عليه السلام-، فطلبوا منه أن يسأل الله بأن يختار ملكا يسيرون خلفه ويُقاتلون في سبيل الله، ويدفعون الظلم عن أنفسهم وبلادهم، فسألهم النبي: ماذا لو كتب عليكم القتل هل حقاً ستقاتلون وتوفون بعهدكم مع الله أم أنكم ستفرون وتخونون عهدكم؟؟ لكنهم أصروا على أنهم سيوفون بعدهم ويقاتلون، فسأل النبيّ ربّه أن يبعث إليهم مَلِكاً ليقاتلوا في سبيله، فستجاب الله لهم كما ورد في سورة البقرة قوله -تعالى-: ((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً)).

لقد اختار الله طالوت ليكون ذاك الملك الذي يقود القتال في سبيله، ولكن بني إسرائيل لم يعجبهم اختيار الله له، كيف وهو أقلّهم مالاً ونسباً؟! فأجاب نبيهم بحزم في قوله -تعالى-: ((قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).

هزيمة جالوت
بعد استقرار المُلك لطالوت تجهّز وجهّز جيشه وتحرك ليقاتل أكبر طاغية في ذاك العصر، وأكثرهم ظلماً وأذى، ذاك الرجل المدعو جالوت، وكان معروفا بقوته وسلطته وقدرته الجسدية، ولكن كان هناك اختبار وامتحان للمقاتلين الذين خرجوا للقتال كما قال الله -تعالى- على لسان طالوت: ((فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ))، حيث سيمرّون بنهرٍ وهم عطشى، والاختبار عدم الشرب من هذه الماء إلا باغتراف غَرفةً واحدة.

فمن سيشرب سيخرج من هذا الجيش المصطفى والمُختار من الله، ومن لم يشرب منه فسيبقى من هذه القلة المُختارة، فشرب أكثرهم إلا قليلا.
وبعد أن اجتاز طالوت النهر مع القلة الباقية معه؛ قال عدد منهم: لا نملك فرصة ولا طاقة للنصر على جالوت فعددهم أكبر وعتادهم أكثر، لكن الفئة المؤمنة الثابتة منهم ردّت عليهم بكل ثباتٍ ويقين أن الغلبة ليست بالعدد، وحثّتهم على الصبر، وأن يستعينوا بالله فهو الناصر والمُعين، فكانوا سبباً في ثباتهم جميعاً، فقد أخبر الله في سورة البقرة: ((وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))،فقد ثبتوا جميعا ودعوا الله بأن ينصرهم ويثبتهم، وتم لهم نصر الله، فقد هُزم جيش جالوت، وقاتله نبي الله داود -عليه السلام- جالوت.

* قصة داود مع صاحب النعجة
حكم النبي داود بقضية صاحب النعجة في إحدى الليالي ونبي الله في محرابه يتعبد وإذ بشخصين يعتليان السور ويدخلان عليه دون إذنه ودون أن يشعر بهما، فأصابه الخوف الشديد والفزع من حصول مكروهٍ منهم، فأخبروه أن يطمئن لأنهم جاءوا ليحكم بينهما، وابتدآ في سرد قصّتهما، حيث كانا أخوين أو شريكين؛ أحدهما كان يملك تسعاً وتسعين نعجة، والآخر كان يملك نعجةً واحدة فقط، فأخبر الرجل الذي عنده نعجة واحدة نبيّ الله داود أنّ أخاه الذي يملك التسع وتسعين نعجة طلب منه أن يأخذ نعجته الواحدة ويضمّها إلى نعاجه، وكان أقدر منه على قول الحجّة والمخاطبة. فأقرّ من يملك العدد الكثير من النعاج على صدق قول أخيه، وبما أن أخاه لم ينكر ذلك فقد أعطى نبي الله داود حكمه أنه قد ظلم أخاه بهذا الطلب، فليس من حقه ذلك، وأن كثير من الشركاء يظلمون بعضهم ويطمع منهم الواحد في مال شريكه إلا الذين يؤمنون بالله ويعملون صالحاً، وهؤلاء قليل، فكان نبيّ الله داود صاحب حكمة، وهكذا أورد الله حكم داود -عليه السلام- في سورة ص: ((قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ)).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى