رحلات شاقة لشباب اليمن مع غياب الحماية

> أشجان بجاش

> تعاظم مخاطر المهاجرين من الضائقة

اختار سميح الجابري (36 عامًا)، طريقَ الهجرة من اليمن؛ لأسباب أجبرته على تحمل كل تلك المصاعب الشاقة لخوض رحلة محفوفة بالمخاطر؛ بحثًا عن فرصة متاحة يستطيع معها العمل وتوفير لقمة العيش له ولأسرته.

يقول لـ"خيوط": "إنّ فقدان الأمان في اليمن والشعور بضعف وتلاشي دور الدولة في ضمان أبسط الحقوق لأفراد الشعب، دفعه والكثير من الشباب إلى البحث عن طرق وأساليب مختلفة تمكّنهم من الأمان والاستقرار المعيشي وممارسة حريتهم وشغفهم في الحياة، إضافة إلى تنمية مهاراتهم المهنية والذاتية، والتي لم يجدوا بيئة مشجعة لتطويرها في بلدهم.

تأتي هذه القناعات والتنامي بالهجرة في أوساط الشباب في اليمن، بالرغم من استيعابهم لما قد يواجههم من إشكاليات وصعوبات وتحديات، والتي منها اختلاف الثقافات والعادات، فالمهاجِر يكون ضيفًا على بلد تختلف عاداته وتقاليده عن بلده الأصلي.

يتطلب ذلك فترة من الوقت للاندماج والتكيف مع هذا الواقع الجديد والمختلف، إلى جانب الأسعار والخدمات التي قد تكون مرتفعة مقارنة باليمن، هذا في حال نجح المهاجر في تخطي المخاطر التي يتعرّض لها.

يضيف هذا الشاب، أن هناك نتائج إيجابية وملموسة حققها المهاجرون لهم أو لأسرهم؛ أهمها التعليم والحصول على بيئة تقدّر الإنسان وتمكّنه من الإبداع وتنمية مهاراته، وتحسين مستوى الدخل، والانفتاح على الثقافات الأخرى والاستفادة من جوانبها الإيجابية.

ويبرز النهب والاحتيال في بعض المعاملات الرسمية بمثابة كابوس يرهق المهاجرين اليمنيين في الخارج، في ظل غياب الرقابة والحماية لهم، فالبعض منهم يبيع كل ما يملك حتى يوفر تكاليف الهجرة لعل وعسى تحدث انفراجة ويتغير مسار حياته، ولكن مع كلّ التفاصيل المؤلمة التي يعانيها المهاجرون.

ويتمنّى الشاب باسم عبدالله (في نهاية العشرينيات من عمره، والذي قام بالخطوة الأولى في خوض رحلة الهجرة الشاقة بالانتقال إلى إحدى الدول العربية)، بحسب حديثه لـ"خيوط"- من الدولة والجهات المعنية الاهتمامَ أكثر بالمهاجرين، وتسهيل معاملاتهم الرسمية في السفارات اليمنية في الخارج، والاهتمام بمشكلاتهم ومتابعتها على أكمل وجه.

وحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية لعام 2020، فإنّ هناك أكثر من ثلاثة ملايين عامل يمني في الخارج، يشكّلون أكثر من 10 % من إجمالي عدد العمال الأجانب في دول الخليج العربي. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للشؤون الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا في عام 2021، فإنّ نسبة الشباب اليمنيين الذين يفكرون في الهجرة تجاوزت الـ 50 %.

وتوضح إحصائية رسمية، اطلعت عليها "خيوط"، أنّ نسبة الشباب العاطلين عن العمل في اليمن بلغت 35 % في عام 2020، وهذا ما يدفع بالشباب للهجرة إلى بلدان أخرى.

الدوافع والظروف

تتعدّد الأسباب التي تدفع الشباب اليمني إلى الهجرة وترك اليمن، إذ يتطرق معاذ غلاب (26 عامًا)، من محافظة تعز ويحمل شهادة البكالوريوس من جامعة صنعاء، في حديثه لـ"خيوط"، إلى الأسباب التي دفعته للهجرة، بالإشارة إلى الحرب والصراع في البلاد كسبب رئيسي، وتبعات ذلك في تدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص العمل.

يتابع بالقول: "تردّدت كثيرًا حول الهجرة وإيقاف الدراسة، ولكن أصرَّ الأهل والأصدقاء على إكمال الدراسة، وهو ما دفعني إلى اقتراض قيمة الفيزا التي مكنتني من السفر إلى المملكة العربية السعودية".

ويضيف: "هناك صعوبات كثيرة واجهتها عندما قررت السفر، أهمّها: ارتفاع تكاليف شراء الفيزا، وتلاعب بعض المكاتب بالتأشيرات".

ويعتقد الكثير أنّ الخروج من اليمن إلى بلد آخر هو بداية لحياة أفضل، ولكن الأمر قد لا يكون كذلك، فالمخاطر التي يتعرّض لها المهاجرون تشكّل كابوسًا آخر يؤرقهم في بلد المهجر، إذ يذكّر معاذ عبدالسلام (مواطن يمني هاجر قبل نحو أربعة أعوام إلى إحدى الدول الخليجية)، بعدم الاستقرار الوظيفي، خاصةً أنّ معظم المهاجرين لا يعملون بعقد عمل رسمي، إضافة إلى تأخير مرتباتهم ومستحقاتهم، وصعوبة النقل من كفيل إلى آخر، بل هناك ما هو أصعب من كل هذا، وهو عدم الاستقرار النفسي لدى المغترب، فوحده يعاني من ألم الغربة، بعيدًا عن أهله وأقاربه.

في حين يرى فهمي أحمد، مهاجر يمني في إحدى الدول الأوروبية، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ هناك نتائج إيجابية كبيرة حقّقها ويحقّقها المهاجرون لهم ولأسرهم، لكن ليس من السهل تحقيقها في مدة معينة، بل نتيجة للسنوات التي يقضيها في بناء مستقبله المهدور في وطنه، إذ يؤكّد أن لا حل جذري لمعالجة هذه الظاهرة أو المشكلة؛ إلّا باستقرار البلاد على كافة المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.

ويكشف تقرير نشره موقع Global Economy، المتخصص بدراسة الآفاق الاقتصادية للبلدان، عن معدلات مرتفعة على مؤشر هجرة الكفاءات والكوادر العلمية في العالم العربي. ويدل ارتفاع المؤشر على معاناة الدولة من حجم هجرة متزايدٍ للكفاءات، نتيجة للأوضاع الداخلية الصعبة والسيئة.

صدمات ومساهمات

يتأثّر المهاجرون بعدم المساواة في المجتمعات المستقبلة لهم، ويصطدمون بالتقاليد المرتبطة بالدور الذي يقوم به الفرد المهاجر والمواقف العامة تجاه المهاجرين، والتمييز في سوق العمل على أساس المهارة والتخصص، حيث يتلقى المهاجرون غير المهرة وعديمو التخصص -غالبًا- أجورًا أقل ممّن هم متخصصون، رغم ذلك يساهم المهاجرون في التنمية الاقتصادية في دول الاستقبال؛ من خلال الأعمال التي يؤدّونها.

في السياق، يؤكّد أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، علي باعلوي، لـ"خيوط"، أنّ الهجرة ترتبط بشكل وثيق بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها اليمن، مشيرًا إلى أنّ الشباب المهاجرين يشكّلون صورة متزايدة من تدفقات العمّال، وينتقلون من تلقاء أنفسهم ليصبحوا المعيلين الرئيسيين لأسرهم.

كما قد يهاجر معظمهم طوعًا، بالرغم ممّا قد يواجههم وينتظرهم من تحديات ومخاطر، كالاحتيال، أو الاستغلال أثناء الهجرة، أو للاضطهاد والتمييز في بلد المهجر.

إضافة إلى عدم وجود بيانات وإحصائيات رسمية توثّق التنامي الكبير في الهجرة إلى خارج اليمن، خلال السنوات الثماني الماضية، سواء كانوا شبابًا أو من مختلف الفئات العمرية.

تبيّن منظمة الهجرة الدولية في تقرير صادر عام 2020، أنّ هناك أكثر من 100 ألف مهاجر يمني غير نظامي في السعودية، وأكثر من 200 ألف مهاجر يمني غير نظامي في عمان، وأكثر من 18 ألف مهاجر يمني غير نظامي في الإمارات العربية المتحدة.

ويشدّد باعلوي، على أهمية فهم أسباب الهجرة الخارجية ونتائجها من منظور الدور الذي يلعبه كلٌّ من الذكور والإناث، بينما تتوقف مشكلة هجرة الفرد على الرغبة في الحصول على مستوى معيشي أفضل، وتمكينه من الإبداع وتنمية المهارات والقدرات، والقدرة على اتخاذ القرارات، ووصوله إلى الموارد والخدمات.

كما أنّ التمييز الطبقي القائم في دول الإرسال والاستقبال، وعدم المساواة يكون عاملًا مهمًّا يؤدّي إلى الهجرة عندما تكون لدى الأفراد توقعات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا يمكن تحقيقها في دولته الأصل، إضافة إلى ذلك عدم توفر الأمن والاستقرار الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وهو ما يدفع الكثير من الشباب إلى الهجرة بحثًا عن تغيير يتناسب مع تطلعاتهم وتوجهاتهم.

"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى