الوحدة اليمنية: حلم تحول إلى كابوس

> أنا الوحدة اليمنية التي ولدت في 22 مايو 1990 من زواج مستعجل بين بلدين كانا يتصارعان ويتخاصمان لعقود.

كان حلمي أن أكون دولة قوية ومزدهرة تجمع بين تراث الشمال ورقي الجنوب، أرفع رأسي بين الأمم، وأحقق آمال شعبي العريق، لكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، فقد فشلت في تحقيق أهدافي وتجسيد قيمي وأصبحت سببا في تفكك وتشرذم وتخلف وتعاسة شعبي.

أولى مساوئي هو أنني لم أكن نتاج إرادة شعبية حقيقية، بل كنت نتاج مصالح سياسية ضيقة، لقادة كل البلدين الذين اضطروا إلى التوحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمخيم الاشتراكي، وانتهاء الحرب الباردة وبعد اكتشاف النفط، على حدود الدولتين لم يكن هناك استعداد كافٍ لإجراء الوحدة بطريقة دستورية وديمقراطية، بل كانت عملية سريعة وغير ناضجة لم تأخذ في الاعتبار التباينات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، ولم تكن هناك خطة واضحة لدمج المؤسسات والقوانين والسياسات، بل كان هناك تجاذب وصراع بين الأطراف المختلفة على مصادر الثروة والسلطة.

ثاني مساوئي هو أنني لم أستطع تحقيق التوازن بين المصالح المحلية والإقليمية والدولية، فقد اخترت موقفًا مؤيدا للغزو العراقي للكويت في عام 1990 مما أغضب دول الخليج التي كانت تدعم اقتصاد البلدين، وأدى إلى قطع علاقاتها معي وإغلاق حدودها أمام المغتربين الذين كانوا يشكلون مصدرًا رئيسًا للإيرادات وبسبب هذا الموقف ازدادت عزلتي خارجيا.

في المقابل لم أستطع تهدئة التوترات داخليا بسبب سوء إدارة المشاركة السياسية والثروات الطبيعية، فقد شعر الجنوب بالغدر والظلم والإهمال من قبل الشمال أدى في الأخير إلى اندلاع حرب صيف عام 1994.

ثالث مساوئي هو أنني لم أستطع تحديث نفسي والارتقاء بشعبي، فقد ظل نظام الحكم قديما يستند إلى المحسوبية والفساد والإفراط في التسلط. لم أحارب الفقر والجهل والأمراض بل زادت نسبها في ظل غياب التنمية المستدامة.

لم أحافظ على التلاحم الوطني بل سهلت اختراق الميلشيات المسلحة التابعة لأجهزة خارجية. لم أحافظ على سلامة أرضي، بل سُلِّطَ على شعبى حروبً استهلاكية من جهات خارجية.

رابع مساوئي هو أنني لم أستطع مواجهة التحديات الأمنية والإنسانية التي تعصف بي، فقد تعرضت لمحاولات انقلابية واغتيالات وتفجيرات وخطف وتهريب وتجارة سلاح ومخدرات، وتحولت إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وشهدت تدخلات عسكرية من قبل التحالف العربي، وتوغلات من قبل إيران وحزب الله، وضغوطات من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وتمزقت بين حكومة شرعية معترف بها دوليا، وميليشيات حوثية متمردة وجماعات إسلامية متطرفة، وقوى قبلية ومناطقية متخلفة، وعانى شعبي من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يواجه المجاعة والأوبئة والنزوح والفقر والجهل.

خامس مساوئي هو أنني لم أستطع تحقيق السلام والديمقراطية، التي كانت طموحات شعبي، فقد فشلت في تنفيذ اتفاقية عمٌان بين شريكي الوحدة عام 1993م واتفاق الحوار الوطني بين الأحزاب السياسية في صنعاء عام 2012، واتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في السويد عام 2018 ، وفشلت في إجراء انتخابات حرة وشفافة منذ عام 1993م ،وضاعت فرص التوافق الوطني بسبب التشظي والفساد والحزبية والمناطقية والطائفية، وضاعت فرص التغيير الديمقراطي بسبب التخلف والجهل والفساد .

أخيرا أود أن أقول وأنا أودع بلدي وشعبي أنني لا أستطيع أن أخفي حزني وأسفي على ما آلت إليه حاله، فبعد أن كنت حلما للشعبين تحولت إلى كابوس يهددهما بالفناء والتشريد، حيث فقد الشباب الأمل والحياة والسلام، وفقدت النساء الأمان والحنان والعزة، وفقد الرجال الكرامة والعدالة والوطن، وفقدت كل طائفة في البلد الأخوة والانسجام والوحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى