​الديمقراطية والتعددية التي فتحت أبواب جهنم في اليمن

>
​كانت تلك البوابة التي دخل فيها الشمال والجنوب في وحدة الحروب والصراعات وعدم الاستقرار حتى أصبح اليمن أحد المراكز العالمية لتفريخ الإرهاب ومن هندسوا لتلك الآلية كانوا ضحاياها فالقفز على الواقع كانت نتائجه كارثية.

عجيبة اليمن كانت كلمة ديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية تثير الذعر بين أوساط النخبة الحاكمة في صنعاء وحتى في عدن قبل الوحدة بل الحزبية محرمة وفقا للدستور اليمني في صنعاء ومن تحزب خان أما في الجنوب فكان حزبا واحدا جمع فيه عدد من الأحزاب هو القائد والموجه، فالديمقراطية لديه موجهة من أعلى إلى الأسفل تحت مبدأ المركزية الديمقراطية وتجربة انتخابات مجلس الشعب الأعلى مثال على ذلك، حيث يصدر قائمة بأسماء المرشحين في كل دائرة ومعروف لدى الكل أن آخر اسم هو الذي يجب أن يسقط من الانتخابات وأن حدث وانتخب يتم إسقاطه فورا، هكذا هي مفهوم الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية لدى النظامين في الجنوب والشمال وحتى عند انشاء الدستور الموحد وضعت صيغ غامضة كمواد تشير إلى وجود ديمقراطية وتعددية وهذه كانت هي الأسس التي اتفق عليها الطرفان بأن التعددية والديمقراطية هي الحل  وكان اعتقاد كل طرف بأنه الرابح دون أخذ بالاعتبار المؤثرات التاريخية والقبلية والعصبية والتي كان لها أبرز الأثر في إدارة بلاد توحد وهو يملك نهجان  سياسيان مختلفان وإدارتان أيضا مختلفتان، ناهيك عن اختلاف في الثقافات وهناك تمايز في تطور الشعبين أحدهما مدني تحرر من القبلية ولا توجد طوائف دينية بينما الآخر لا زال مقيد بسلاسل القبيلة والموروث التاريخي الديني من خلال سيطرة طائفة على بقية الطوائف الأخرى،  وفي أول تجربة انتخابية تشريعية على مستوى اليمن انتخب الشماليون ممثلي الأحزاب الشمالية مؤتمر وإصلاح في الشمال وانتخب الجنوبيون ممثلي الاشتراكي في الجنوب  وكل له مبرراته التاريخية والمجتمعية وهناك العديد من الأمثلة التي تثير الضحك حيث انقلب الجميع فجأة بعد الوحدة إلى ديمقراطيين وإلى قبول الرأي والرأي الآخر وإلى الاعتراف بحق الإنسان أن يعيش بكرامة وذهبت الأجهزة الإعلامية تدبج المقالات والخطب الرنانة والبرامج التلفزيونية والإذاعية تبشر لعهد جديد وطي صفحة الماضي التي كانت تعتبر الديمقراطية والحزبية كفر بواح ومن تلصق به التهمة يدخل غياهب السجون والبعض منهم لم يعد إلى أهله ولا أحد يعرف له أي أثر.

بدأت ظاهرة الاغتيالات للمعارضين والكوادر القادمة من الجنوب تسير جنب إلى جنب مع جوقة الاحتفال بالعهد الديمقراطي الجديد وتسجل  قضاياهم ضد مجهول وهكذا لا أحد يحتج مما يجري على أرض الواقع  ولا أحد حتى من المنظمات الدولية انتقد أو وجه أي رأي ضد هذه الممارسات الخارجة عن القانون وأصبح اليمن يسير في خطين متوازيين أحدهما رسمي عبر أجهزة الإعلام الرسمية يصدح ليل نهار حول مناقب الديمقراطية والتعددية الحزبية والخط الآخر غير رسمي وسري هو مطاردة المعارضين السياسيين في حواري المدن وتصفيتهم جسديا ويكون المصدر الأمني جاهزا لإدلاء ببيان بأن السبب هو الثأرات أو لسبب مجهول وتغلق الملفات نهائيا.

هناك قيادات سياسية لا خبرة معها غير القتل وتصفيات المعارضين وزجهم في السجون وفي نفس الوقت تجدهم يتكلمون عن العهد الديمقراطي الجديد الذي أصبحت البلاد تنعم فيه وهو نفس العهد الملطخ بدماء الأبرياء من صناع الكلمة والمعارضين وهناك العديد من حملة الرأي قد غيبتهم تلك الخلايا السرية الدموية التي كانت تنطلق من مراكز الأمن بتوجيه رسمي لتصيد المعارضين العزل في الأسواق أو أمام منازلهم أو وسط حواريهم وأصبح الناس يتعايشون مع هذا النمط الجديد من العيش في ظل ذلك العهد الديمقراطي الجديد.

ومن بين مظاهر الديمقراطية لعبة الانتخابات التي تحولت إلى مهرجانات السحر والفهلوة، تجري أمام عدسات التصوير والمراقبين الدوليين عملية انتخابية سلسة وتحت رقابة صارمة ولكنهم لا يدرون بأن هناك صناديق أخرى قد تم الانتخاب فيها نيابة عن الجميع ويتم استبدالها أما عند فرش موائد عامرة بما لدّى وطاب من الأكل لإغواء المراقبين والمشرفين وإشغالهم بالتهام تلك الوجبة الدسمة أو عند نقل تلك الصناديق من الموقع الانتخابي إلى مكان الفرز وتصبح النتيجة معروفة لصالح من يكون الفوز لأن أجهزة الأمن هي التي تتكفل بكل هذه العملية وتقدم النتائج الأخيرة لإعلانها من قبل الجهات المدنية المخولة بالإعلان.

الديمقراطية بمفهومها الثقافي والحضاري هي نتيجة لتطور الوعي الجمعي المدني للمجتمعات ووصولها إلى مرحلة النضج السياسي ولضمان سيرها في الخط الصحيح تبنى المؤسسات الديمقراطية من مجلس نواب يكون الراعي للعملية السياسية الناشئة مع وجود قضاء مستقل ونيابات عامة مستقلة تؤدي دورها جنب إلى جنب مع أجهزة حماية الشرعية الأخرى مثل الشرطة وأجهزة الأمن لكن كل تلك الأجهزة هي نفس الأجهزة بأشخاصها الذي كانوا يطاردون السياسيين المعارضين ويزجونهم في غياهب السجون وما استجد إلا تشكيل خلايا أمنية لتصفية المعارضين السياسيين الذين يرونهم خطر على نظامهم السياسي.

معظم تلك التصفيات وجهت ضد القادمين من الجنوب وضد المعارضين السياسيين لنظام صنعاء وقد تشكلت لجان لهذا الغرض بكون فيها عناصر الجهاديين الأفغان حجر الزاوية في تنفيذ تلك الاغتيالات بحجة أن الجنوبيين شيوعيين وجب تصفيتهم جسديا عبر فتاوى تصدر من قبل ما يسمون أنفسهم علماء اليمن وكانت الفتوى الشهيرة للديلمي في السماح لقتل الجنوبيين لأنهم كفرة خرجوا عن طاعة ولي الأمر ورفضهم للوحدة الظالمة ومثل هذا الأمر استمر حتى أيام الحراك السلمي حيث تم إحياء تلك اللجنة واستدعاء المجاهدين الأفغان لكي ينفذوا اغتيالات ضد النشطاء الجنوبيين وقد تعرض الآلاف من الجنوبيين للتصفية الجسدية أثناء الاعتصامات في الساحات أو يتم ترصدهم في الحواري والشوارع ولم يتغير الأمر حتى عند مجيئ رئيس جنوبي غير تغيير مكان الإصابة بدل الصدر والرأس تكون في امرجول، حسب تعبيره.

 انتهت اليمن في آخر المطاف، أن دخل حرب طاحنة جذب قوى إقليمية تتصارع على النفوذ حيث انقلبت خارطة النفوذ رأسا على عقب انتهت القبيلة في الشمال وأصبحت تحت راية السيد وتبخرت الأحزاب منها من ظل تحت راية السيد في صنعاء ومنهم من ذهب ليبيع مواقفه ليقتات بها مع من يدفع أكثر وارتمى في أحضان الشرعية ولم يصمد أمام المتغيرات والعواصف غير شعب الجنوب الذي اختط طريق المقاومة وقدم التضحيات لتحرير أرضه ومع كل ذلك واجه الجنوب الكثير من المتاعب منها الحصار والتجويع وتعطيل الخدمات الأساسية ونشر الإرهاب لكسر انتصاره ومعاقبة الحاضنة الشعبية الجنوبية لتتخلى عن تطلعاتها في استعادة الدولة الجنوبية. 

اليوم وبعد أن جرت مياه كثيرة في النهر لم تعد الديمقراطية والتعددية تصلح في اليمن فقد ذهب الجميع يبحث عن طريقه لكي يثبت توجهه، فإيران قدرت أن تحكم سيطرتها على مليشيا الحوثي الذي أصبح أداة لتنفيذ الأجندات الإيرانية في المنطقة أما البقية فهم كحاطبي ليل لا يميزون فيما يجمعون من حطب في الليل المظلم وتداخلت أمور أخرى لا علاقة له بالحطب إطلاقا وتجدهم لم يرسوا على بر يخبطون  خبط عشواء حتى أصبح الناس في حالة من الهستيريا لأن حاطبي الليل يمارسون الحصار والتنكيل لكي يخضعوا شعب الجنوب المنتصر ولكن حتى اللحظة شعب الجنوب صامد ولديه القدرة على التمييز بين الغث والسمين.

ومن نوازل القدر أن تحول الانقلابي إلى أمر واقع يتعامل معه العالم والإقليم باحترام أو خوف لا فرق بينما المنتصر الشعب الجنوبي يتعرض للإذلال والتجويع والحصار ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى