​تقرير دولي: الصراع في اليمن أكثر من مجرد حرب بالوكالة

> «الأيام» غرفة الأخبار:

>
لقد خلقت الحرب الأهلية في اليمن، التي تجاوزت الثماني سنوات، ما وصفت بأنها أسوأ كارثة إنسانية من صنع البشر، فقد قُتل مئات آلاف اليمنيين وهُجِّرَ نحو أربعة ملايين شخص، وطبقا للأمم المتحدة، فإن 21.6 مليون نسمة في البلاد بحاجة لمساعدة إنسانية و 80 % من السكان يجدون صعوبة في الحصول على ما يكفي من الطعام، بالنظر إلى نطاق الكارثة، فربما لم يكن من المستغرب أن يبتهج المراقبون عندما صافح السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، قادة جماعة الحوثيين، في أبريل الماضي. بدا ذلك وكأنه اختراق في صراع مدمر لا نهاية له.

نشطت كل من إيران والسعودية في اليمن، حيث وقفتا على جانبين متعارضين في الحرب، أرسل السعوديون قواتهم إلى البلاد كجزء من جهود لتحالف تشكل عام 2015 بعد أن أطيح بحليفهم، الرئيس اليمني المؤقت عبد ربه منصور هادي، على يد الحوثيين، ورمت الحكومة الإيرانية بدعمها وراء الحوثيين، الذين يشاطرونها الانتماء إلى المذهب الشيعي ويسيطرون على مناطق من شمال اليمن بما فيها العاصمة صنعاء.
  • حرب بالوكالة
لقد كان وضع حد لهذه الحرب المعقدة بالوكالة شبه مستحيل، ولذلك فإن محادثات أبريل كانت مصدر أمل كبير، لكن من شبه المؤكد أن الانسحاب السعودي من اليمن الذي يجري التفاوض عليه لن ينهي الحرب. بل إنه سيعيد البلاد إلى مرحلة سابقة من الصراع، عندما كان محليا في أصله قبل أن يفاقمه تدخل القوى الإقليمية، ما يوحِّد معظم الفصائل اليمنية هو أنها اكتسبت السلطة بوسائل قسرية. للأسف، فإن هذه الأطراف تنزع إلى النظر إلى مقترحات إجراء الحوار على أنها مجرد تحركات تكتيكية من قبل خصومها مصممة لتحقيق مكاسب عسكرية.

إذا كان لعملية سلام أن تنجح، لا بد من وساطة تفضي إلى تسوية سياسية بين جميع الأطراف المتحاربة كافة، وليس بين جيران اليمن فقط. ولذلك ينبغي للأطراف الدولية مثل الأمم المتحدة أن تستغل الزخم الدبلوماسي الراهن للضغط على تلك البلدان الضالعة في الصراع كي تظل ملتزمة باتفاق تفاوضي من خلال زيادة انخراطها معها ومراقبة أفعالها على الأرض. كما ينبغي للأمم المتحدة أن تفرض نفوذها على الفصائل المحلية للمشاركة على نحو بناء في مبادرات الأمم المتحدة. ستمهد هذه المقاربة لاتفاقات سلام أكثر استدامة بين جميع الأطراف في اليمن.
  • سلام على مضض
يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه أولئك الذين يسعون إلى حل سياسي للحرب في أن الأطراف نفسها لا يبدو أنها ترغب في تصور حل ما، بدلا من ذلك، فإن العديد منها ينزع إلى رؤية المقترحات الرامية إلى الحوار على أنها خدع مصلحية من قبل خصومهم. شهد اليمن عدة اتفاقات في حقبة ما قبل الحرب بين مجموعات محلية، لكن جميعها كانت تمهيدا لجولة جديدة من الصراع. وقد عمقت ثماني سنوات من الحرب الخصومات والانقسامات بين الأطراف اليمنية. لا يرى معظم المجموعات أن الصراع على وشك الوصول إلى نتيجة حاسمة ويعتقدون أن استمرار القتال ما يزال أفضل طريقة للحصول على ما يريدون.

ويمثل اقتصاد الحرب الناشئ، الذي عاد بالفائدة على معظم الأطراف والذي ستؤدي نهاية الحرب إلى تقليص مزاياه المالية، تحديا آخر. كثير من الفصائل التي ستكون مشاركتها مطلوبة من أجل تحقيق تسوية سياسية أصبحت معتادة على جمع الضرائب والأتاوات دون تقديم الخدمات، وسيكون اتفاق تفرض فيه الدولة السيطرة على مناطقها ضارًا ماليًا لها.

كما لا يعني انسحاب القوات الأجنبية من اليمن نهاية للتدخل الخارجي في الشؤون اليمنية، من المرجح جدا أن تتبنى السعودية مقاربة مماثلة إذا انسحبت رسميًا من الحرب، سترغب الرياض بالعمل من خلال وكلاء لضمان ما تتصور أنه مصالحها الأمنية، وإدارة التهديدات التي تتعرض لها المملكة، ومراقبة المجموعات المحلية التي تشكل الصراع والمشهد السياسي، ما يمكن أن تفعله هذه المجموعات قد لا يشكل هاجسا كبيرا للرياض، طالما أنها لا تشكل تهديدا للسعوديين، ولديها وسيلة تواصل جيدة لإيصال هواجسها إلى تلك المجموعات بفضل التحالف الذي شكلته مع شخصيات يمنية مهمة.

أما بالنسبة لإيران، فمن المرجح أن تستمر بالادعاء أنها تتخذ موقف عدم التدخل بينما ما تزال توفر الدعم لجماعة الحوثيين، في الواقع فإن طهران سترغب في تعزيز قوة علاقاتها بالجماعة، ما تستطيع إيران فعله، إذا كانت جدية، هو أن توقف دعمها العسكري في محاولة لدفعهم نحو الاتفاق مع الرياض. الاتفاق الذي توسطت الصين في التوصل إليه في مارس بين إيران والسعودية يعطي الأمل بأن إيران ربما أصبحت مستعدة الآن لاستعمال نفوذها لجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.
  • حرب داخل الحرب
بالنظر إلى وجود هذه الديناميكيات المحلية، فحتى لو توصل السعوديون والحوثيون إلى تسوية، من المرجح أن يستمر الصراع في اليمن. في الواقع، إذا تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، يمكن أن يشهد اليمن تصعيداً للصراع بين المجموعات المحلية، مع غياب الجهات الفاعلة الإقليمية اسميا مع استمرارها في السعي لتحقيق أجنداتها السياسية والعسكرية من خلال الوكلاء المحليين.

لمعالجة الأبعاد المحلية للحرب، سيكون حوار يمني - يمني تحت رعاية الأمم المتحدة الصيغة الصحيحة، وينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية أن تستمر في الضغط من أجل ذلك. لكن إطلاق عملية ذات مصداقية يمكن أن يتطلب الكثير. إذ من المرجح أن يقوضه تدخل إقليمي مباشر وغير مباشر، إضافة إلى رفض الأطراف المتحاربة الاتفاقات والقرارات السابقة، ونزعتها إلى رفض عمليات شاملة. ثمة عدد أكبر مما ينبغي من الجهات الفاعلة المحلية التي قد تفتقر إلى الحوافز الكافية للانخراط بجدية في محادثات سياسية. وإذا انطلقت المحادثات دون تحضيرات كافية، فإنها يمكن أن تصبح تكراراً لمؤتمر الحوار الوطني الفاشل الذي عقد في عام 2013، والذي سرَّع انهياره من اندلاع الحرب.

لكن قد تكون هناك فرص خلال هذا الهدوء النسبي في القتال كي تبدأ الأطراف الفاعلة الخارجية بالتحضير، وينبغي أن تتراجع الأطراف الإقليمية عن التدخل المباشر في الحرب اليمنية، وأن تشرع في التركيز على إقناع حلفائها اليمنيين بالاجتماع مع بعضهم بعضاً على طاولة المفاوضات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى