الموت جوعًا ببطء: آن أوان إخراج التحالف العربي من الجنوب

> كتب/ المراقب السياسي:

>
  • استراتيجية السعودية الوصول لاتفاق مع الحوثيين على حساب الجميع
  • استمرار النهج السعودي سيدفع عدن للتحالف مع صنعاء
  • السعودية تفاوض الحوثيين والرئاسي شاهد ماشافش حاجة
  • هجمات غير معلنه ضد الإمارات ساهمت في خروجها من عدن
  • هل تخطط السعودية لضم حضرموت لها بالقوة؟
> أخذ مسار الانهيار الاقتصادي منعطفًا خطيرًا جدًا في الجنوب خلال الأسبوع المنصرم، ومن خلال لقاءات متعددة مع شرائح واسعة من المجتمع في عدن وحضرموت ولحج وشبوة كانت الآراء تتسم بتصاعد حدة الانتقادات للمملكة العربية السعودية من المواطنين الاعتياديين غير المشتغلين بالسياسة متجاهلين الحكومة اليمنية أو الساسة اليمنيين.

الواضح لجميع المحللين الاقتصاديين العاملين في شبكة "الأيام" أن غياب الحكومة والوزراء المتعمد من عدن يهدف بالدرجة الأساسية إلى إفراغ صناديق المحافظات من كل الأموال لمواجهة كابوس توليد الكهرباء وقد تحقق هذا إلى درجة كبيرة فعبارة "لا توجد أموال" أصبحت جزءًا من يوميات محافظي عدن وشبوة وحضرموت.

الجديد في غياب أعضاء الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي أصدر قرارًا بعودة الجميع إلى الداخل قبل يوم 8 أغسطس الجاري وقد ضرب الجميع بالأمر عرض الحائط باستثناء عدة وزراء يتبعون الانتقالي لم يغادروا عدن أساسًا، وعاد رئيس الوزراء إلى عدن بتاريخ 11 أغسطس أما الباقين فيقال إنهم رفضوا العودة.

المملكة ترى الأمر بمنظور مختلف من الرياض وهي بعيدة كل البعد عن أرض الواقع في الجنوب، فاستراتيجية المملكة للخروج من الحرب في اليمن تعتمد الآن، بشكل أو بآخر، على الوصول إلى اتفاق مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء على حساب جميع أطراف العملية السياسية حتى وإن تخلت عن الجميع فوصولها إلى اتفاق مع الحوثيين سيؤمن من أراضيها و منشئاتها النفطية من الضربات الحوثية.

وليس أدل على تخليها عن الجميع ما يتم من تفاوض وتنازلات سعودية للحوثيين بعيدًا عن مجلس القيادة الرئاسي الذي لا يعلم شيئًا عما يدور... أما الوعود التي أطلقوها أثناء وبعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بالدعم الاقتصادي فقد تبخرت ولم ينفذ منها شيء.

وقال أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي لهذه الصحيفة، طلب عدم كشف اسمه، :"نخشى أن تتوصل المملكة إلى اتفاق مع الحوثيين ويتم إجبارنا على التوقيع على الاتفاق الجاهز بينهما بدون أي تدخل منا".

بالنسبة للحوثيين الوصول إلى سلام مع المملكة سيوفر أكبر قدر من الأموال ليتمكنوا من إنشاء نظام حكم مشابه لنظام صالح يعتمد على شراء الذمم في الاساس ويحميهم من قصف طيران التحالف في حالة قرروا التوسع خارج مناطقهم وحينها لن تتمكن أي دولة في التحالف من إطلاق صاروخ واحد لوقف تمددهم بحجة اتفاق السلام.

الولايات المتحدة وبريطانيا منشغلتان بمشاكلهما الداخلية وحالة الضغط الاقتصادي الهائل على دولهم ولن يخاطروا بإغضاب السعودية أو تخريب عمليتها السياسية مع الحوثيين، بل سيتركون كل شيء ليسقط حيثما يكون على آمل التعامل مع المشكلة لاحقًا بجهود الأمم المتحدة.

مقابل الأزمات الخانقة التي تعصف بحقوق المواطنين من رواتب، كهرباء، ماء، غذاء.. نجد شبكة من الفاسدين يزدادون غنًا وترفًا في معيشتهم أمام أعين الجميع.

أصبح الفساد المتوحش بدون حياء أو خجل سمة من سمات حاضر هذا البلاد الذي ينخره الانحلال والانحطاط السياسي وهناك مليارات من الأموال بالعملة المحلية والصعبة لكنها كلها تدور خارج الأطر القانونية فلا الدولة تحصل مواردها ولا يتم استثمار أي أموال في البنى التحتية.

بالمقابل عول المواطنون آمال عريضة، في بداية التحرير، على الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودول التحالف في انتشالهم من حالة البؤس التي فرضها نظام صنعاء بالقوة عليهم لأكثر من 25 عامًا لتخيب كل آمالهم اليوم بعد أن أصبحت مدن الجنوب خرائبَ وأطلالًا وعنوانًا للفوضى الامنية والادارية والاقتصادية.

في العام 2015م كانت دولة الإمارات مسؤولة عن التنمية في عدن وتسلمتها أطلالًا بعد الحرب لكن مشكلتها الأكبر كانت مع حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كان مسيطرًا على مفاصل الدولة من الرئيس عبدربه منصور هادي وحتى أدنى موظف، وكان الحزب يسعى جاهدًا إلى استبدال منظومة الرئيس علي عبد الله صالح في الحكم والاستئثار بكل الإيرادات لصالح الحزب.

ليس بمستغرب حالة الهيجان الشعبي الرافض للحزب وتحديدًا للإخوان المسلمين في تلك الفترة فما جرى كان توسيع لقاعدة الفساد والمستفيدين من الفساد حتى أصبحت شبكة مهولة تتحكم هي برئاسة الدولة.

ومن أجل أن يتمكن الحزب في فرض سيطرته الكاملة على العاصمة عدن كان لابد من إخراج دولة الإمارات منها وحدثت العديد من الحوادث الإرهابية في عدن كان الهدف منها إيقاع قتلى في صفوف القوات الإماراتية، والكثير منها لم يتم إعلانها في حينه أو تغطيتها في الصحافة ومنها عدة هجمات ليلية على معسكر التحالف في بير أحمد.. ومزاعم التعذيب التي روّج لها إعلاميون سعوديون من خلف الستار.

وفي الوقت نفسه عمل قادة الحزب في الرياض على شحن الموقف السعودي ضد الجنوب والإمارات حتى تمكنوا من إخراج الإمارات التي كانت قد سأمت من كل العراقيل لعملية التنمية المنشودة لعدن والجنوب والتي فرضت من الرئاسة وحتى أصغر مسؤول في الوزارات.

وبخروج الإمارات كانت عدن هي الخاسر الأكبر فلم تقم السعودية عبر مشروع التنمية وإعمار اليمن المزعوم بأي أعمال بناء حقيقية؛ بل كانت كلها عمليات طلاء لما هو قبيح وتجميله أمام الناس مع زفة من الطبالين المحسوبين على الأعلام زورًا وبهتانًا.. وهذا كان خطأها الأول والأفدح.

لم تصمد القوات السعودية داخل عدن لأكثر من ستة أشهر لتخرج منها تاركة المدينة وسكانها للمجهول وهذا كان الخطأ السعودي الثاني.

اليوم اختلف الوضع في الرياض وداعمي حزب الإصلاح غير موجودين وهناك قيادة سعودية تعمل على تحديث كل شيء ويجب على الجنوبيين اليوم أن يكونوا جزءًا من هذا التغيير.

هناك مشكلة حقيقة في رؤية السعودية للجنوب فهناك خوف حقيقي من استقلال الجنوب وعودة المنظومة الشيوعية الاشتراكية للحكم وهو خوف مشترك لدى الغالبية الساحقة من الجنوبيين التي لا تريد أي عودة لذلك النظام الدموي، والمشكلة الثانية هي غياب الرؤية لدى القيادة السياسية الجنوبية الحالية فلاهم قدموا خطة عمل مفصلة لما يريدونه ولاهم حتى اتفقوا بينهم البين على ما يجب فعله.

السيناريو الأخطر الظاهر اليوم هو تنمية حضرموت لتكون تابعة للسعودية وإغراق عدن وأبين ولحج والضالع في أتون الفقر والجوع والنزاعات المسلحة والإرهاب.

من المسؤول؟
  • المجلس الانتقالي الجنوبي
على الرغم من كل شيء يظل ممثل حقيقي ليس لجميع الجنوبيين وإنما لشريحة كبيرة منهم وبإمكانه التوسع ليشمل الجميع.

تعرّض المجلس الانتقالي لضغوط ومنع من الجهات الدولية للعديد من خطواته حتى بات مشلولًا أمام المواطنين، لكن مازال أمام قيادته ورقة بإمكانهم استخدامها وهي العودة للداخل والضرب عرض الحائط بكل الارتباطات الاقليمية والدولية فالعالم يحترم القوي على الأرض مهما كانت درجة الاختلاف معه.

على الرغم من دخول المجلس إلى مجلس القيادة الرئاسي لكنه لم يستفد منه بل استفاد مجلس القيادة من الانتقالي فعلى سبيل المثال لم يتم اشتراط نقل السفارات من جدة إلى عدن كشرط للتعامل مع السفارات الأجنبية فلا يوجد ما يمنع انتقال السفارات إلى عدن، وهنا أحد شروط السيادة الوطنية؛ فكيف تعمل سفارات أجنبية لليمن من السعودية وليس من عدن؟

لايزال المجلس الانتقالي يدار بعقليات قديمة وعسكرية وليس سياسية وهنا أكبر مكامن ضعف المجلس فلن يستطيع المجلس التفاوض على حل سياسي لأن طاقمه السياسي المفاوض ضعيف، ومن هم على دراية مهمشون بداخله.. وعلى الرغم من ذلك يظل المجلس الانتقالي أكبر عنصر قوة بيد الجنوبيين ويجب الحفاظ عليه بأي ثمن.

يوجد كرت آخر خطير لا يستخدمه المجلس الانتقالي اليوم وهو المطالبة بالانتخابات فالمجلس يؤكد دومًا أنه يسعى إلى ديمقراطية حقيقة في الجنوب ولم يقم حتى الآن بتكميم الأفواه وبإمكانه الدفع بموضوع الانتخابات بأريحية تامة؛ لأنه من المؤكد سيكون أكبر الفائزين فيها.
  • مجلس القيادة الرئاسي
خليط غير متجانس لن ينتج عنه أي أمر مفيد للدفع بعملية السلام السياسية أو لجهة تنمية البلاد فالمجلس مفكك وليس صاحب قرار موحد... وبعد نحو السنة والنصف من أنشائه بات حله أحد ضرورات التقدم للأمام.
  • الأحزاب السياسية اليمنية
لايزال المسؤولون والسياسيون الخليجيون يعتقدون واهمين بأن الأحزاب السياسية لها وجود على الأرض في الداخل اليمني، وفي الواقع تلك الأحزاب كانت أول الخارجين من المشهد السياسي في اليمن.

لا توجد أحزاب سياسية قادرة اليوم على حشد مؤيديها من المواطنين فقد خسرت جميع الأحزاب قواعدها عندما فرت قياداتها مع انطلاقة أول رصاصة في الحرب الأهلية الدائرة.

لكن تمسك دول التحالف اليوم بهذه الأحزاب لم يجلب سوى الخسائر لها طوال التسع سنوات الماضية فلاهم قادرون على عقد صفقات سياسية مع تلك الدول ولا هم مخولون من الشعب بالتفاوض باسمهم فقد انتهت الفترة القانونية لمن انتخبوا منهم في الانتخابات الأخيرة في العام 2003م ولم يعودوا ممثلين للشعب.
  • الكيانات السياسية الأخرى
في الجنوب والشمال هناك كيانات سياسية لا يعترف بها سواء على مستوى الدولة اليمنية الفاقدة للشرعية أو من قبل دول الإقليم والعالم.

وما يضر هذه الكيانات السياسية أنها لم تستطع حتى اليوم تقديم مشروع سياسي حقيقي للمواطنين وحشدهم تدريجيًا على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية.

وهناك نظرة للمواطنين في تلك الكيانات بأنها تسعى فقط للحصول على أي تمويل للمنفعة الشخصية مما أفقدها الزخم السياسي اللازم للتطور نحو التحول إلى أحزاب سياسية فعالة على الأرض.
  • الأمم المتحدة
المنظمة الأممية تعمل في اليمن بمكاتب في صنعاء تعمل تحت الإشراف المباشر للحوثيين..

بدل أن تكون المقرات الرئيسية في عدن أصبحت مكاتب الأمم المتحدة في صنعاء هي المكاتب الرئيسية بدل أن تكون هي الفرعية... تخيلوا أن هذه المكاتب تقوم بكل مشترياتها في صنعاء حتى الأقلام الرصاص يتم شراؤها في صنعاء ولا يتم التعامل مع أي شركات في عدن، بمعنى أن الحركة الاقتصادية التي تولدها هذه المكاتب هي في صنعاء وليس في عدن... قبل نحو شهر استأجر أحد مكاتب الأمم المتحدة سيارة في صنعاء للقيام بمشاوير في عدن لمدة أسبوع قبل إعادتها إلى صنعاء.

الأخطر أن مشاريع الأمم المتحدة الإنمائية يتم إقرارها لدى مكتب التخطيط في صنعاء التابع للحوثيين وليس في وزارة التخطيط في عدن التي تفتقد إلى أبسط معايير المهنية ولا تمتلك قواعد بيانات بالمشاريع.

في عدن يتم الموافقة على المشاريع وتوقيع وزارة التخطيط بعد استكمال المشاريع.. أي أن الوزارة لا تقوم بأي أعمال رقابة على أنشطة المنظمات في المحافظات المحررة بينما يقوم الحوثيون بالموافقة على جميع المشاريع في نفس المحافظات ومناقشتها والرقابة عليها.

تقوم المنظمة الأممية بقيادة عملية سلام سياسية في اليمن يدعمها العالم أجمع، لم تفضِ إلى شيء حتى الآن، الفكرة هي في جعل الحوثيين جزءًا من النظام السياسي لكن كيف سيتم الموافقة من قبل السياسيين الجنوبيين واليمنيين على هذا المخطط الذي سيجعل أقل من 5 % من السكان أوصياء على الشمال بكامله وسيمنحهم الجزء الأكبر من ثروات الجنوب؟

لا تستطيع الأمم المتحدة الخروج من عباءة الحوثيين فهم يقومون بشكل روتيني بتهديدهم بالطرد وإذا طردوا من مناطق الحوثيين انتفت مشروعيتهم في البقاء في اليمن فلن يستطيعوا القيام بالكثير من أعمالهم ولا يستطيعون الحصول على أي تمويل للمناطق المحررة فقط.

لذلك من الضرورة بمكان أن تقوم الأمم المتحدة بمداهنة الحوثيين والرضوخ لهم على الدوام.
  • السيناريو القادم:
ستسعى المملكة العربية السعودية إلى الخروج من اليمن بأقل التكاليف الممكنة ولن يسمح لها بالقيام بذلك فهناك عدة أخطار تواجهها:
  1. بقاء الحوثيين كعدو على الحدود الجنوبية للملكة مع اليمن الشمالي بدون ضمانات وتعهدات واتفاق يضمن عدم تعرضها لأي هجمات صاروخية حوثية.
  2. انتفاض المواطنين اليمنيين في المناطق المحررة ضد المملكة لأنهم يرون فيها سبب رئيس في تفشي الفساد فهي من يحمي النخب السياسية للشرعية.
  3. اتفاق الجنوبيين والشماليين ضد المملكة العربية السعودية وهذا أسوأ كابوس للمملكة.
  4. المطالبة بمراجعة قانونية ومالية لكل ريال تم تسجيله كمساعدات أو ديون على اليمن وأين ذهبت.
ستستمر حالة الانهيار الاقتصادي على المدى المنظور فكل المساعدات السعودية فشلت في إحداث أي تقدم اقتصادي بسبب الفساد المستشري على الجانبين اليمني والسعودي بحسب ديبلوماسيين غربيين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى