ما أهداف مشروع تعزيز استقلالية المحافظات اليمنية؟

> "الأيام» الخليج أونلاين:

> بالرغم من التحديات، وضعف قبضتها المركزية، تتجه الحكومة اليمنية -بدعم من حلفائها الإقليميين والدوليين- إلى إقرار مشروع "تمكين السلطات المحلية"، ومنح المحافظات صلاحيات أوسع، لإدارة نفسها ماليًا وإداريًا وأمنيًا.

وفي هذا السياق كشف مسؤول يمني عن خريطة طريق يدعمها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، لتطبيق "صلاحيات أوسع للسلطات المحلية" في ثلاث محافظات، (حضرموت وتعز وعدن)، كخطوة تجريبية قبل تعميمها على بقية المحافظات.

المشروع يعيد إلى الواجهة فكرة الأقاليم التي جرى التوافق عليها بين الفرقاء اليمنيين، في ما عُرف بـ"مخرجات الحوار الوطني" التي أقرت أواخر 2014، وبموجبها قُسم اليمن إلى ستة أقاليم، اثنان منهما محسوبان على الجنوب، وأربعة على الشمال.

وكانت فكرة الأقاليم حينها محاولة للخروج من ورطة الحكم المركزي شديد القبضة الذي فشل في إدارة الدولة، ومعالجة الاختلالات، ومواجهة استحقاقات ومطالب اليمنيين، شمالًا وجنوبًا، لكن رياح الأحداث أتت بما لم تشتهيه سفن المتحاورين، والنتيجة دخول اليمن في نفق مظلم، لم يخرج منه حتى اليوم.

واليوم وبعد 8 سنوات ونصف من الحرب، تجد الحكومة اليمنية نفسها أمام حالة انقسام أكثر حدة، وتحديات جمّة، أبرزها تفكك مؤسسات الدولة، وتصاعد مطالب الانفصاليين جنوبًا، وإحكام الحوثيين قبضتهم شمالًا، ليأتي مشروع "توسيع صلاحيات السلطات المحلية" كمحاولة للخروج من هذا المأزق، فهل ينجح؟
  • معالم المشروع
بات واضحًا أن حكومة اليمن المعترف بها دوليًا تواجه خطر تفكك مؤسساتها، بينما بدأت الأصوات تتعالى في المحافظات البعيدة عن نقاط التماس مع الحوثيين بضرورة أن تدير نفسها بنفسها، وهذا ما حدث في حضرموت (شرقًا)، على سبيل المثال.

وفي ظل فشل الحسم في النزاع الدائر بين الحكومة والحوثيين، تأتي خريطة الطريق التي تُعدها الحكومة بدعم دولي وإقليمي، بهدف منح السلطات المحلية في المحافظات الخاضعة لسيطرتها "مزيدًا من الصلاحيات والاستقلالية عن الحكومة المركزية".

وبحسب بدر باسلمة، رئيس اللجنة الفنية لمشروع "تمكين السلطات المحلية"، فإن المشروع يهدف إلى "تمكين السلطات المحلية في المحافظات من إحداث تنمية اقتصادية مستدامة بمشاركة مجتمعية، وإشراك القطاع الخاص بما يخلق فرص عمل، ويحدد العلاقة بين المركز والسلطة المحلية، والقطاع الخاص".

وأضاف في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن التركيز سيكون على ثلاث محافظات، ليتم البناء على التجربة وتعميمها على بقية المحافظات، لافتًا إلى أن المحافظات اليمنية المشمولة بالمشروع ستكون "قادرة على تقديم الخدمات بمشاركة القطاع الخاص، وستكون لديها التمويلات الكافية لتنفيذ المشروعات".

واعترف المسؤول اليمني بأن مؤسسات الدولة تفككت تفككًا كاملًا، وأصبحت هشة وضعيفة، ولم تعد قادرة على تقديم الخدمات، مشيرًا إلى أن 97 % من المشروعات كانت تأتي من السلطة المركزية.

وأوضح أن "مشروع تمكين السلطات المحلية" يركز على تقديم الخدمات، والتنمية المحلية، وتوفير فرص العمل بما يحقق الاستقرار المستدام، كما أنه يهتم بموضوع الخدمات والتنمية المحلية وتوفير فرص العمل.

وأشار المسؤول اليمني إلى أنه "بموجب خريطة الطريق فإن السلطات المحلية سوف تُمنح مزيدًا من الصلاحيات، بحيث تعدل أي قوانين تتعارض مع قانون السلطة المحلية رقم 4 لعام 2000، في ظل وجود نحو 80 قانونًا تحتاج إلى تعديل".

وقال إن المجموعة الدولية لها شرطان أساسيان لدعم هذا المشروع، وهما "الاستقلالية والنزاهة للجنة الفنية، وألا تتبع المركز ولا المحليات، وأيضًا أن تتوج الخريطة بقرارات رئاسية للتنفيذ وليس مجرد توصيات"، وهو ما وافق عليه رئيس مجلس القيادة اليمني، رشاد العليمي.

وحول التحديات التي ستواجه المشروع، أوضح أن أبرزها تمسك المؤسسات المركزية الحكومية بالصلاحيات الممنوحة لها، إضافة إلى إعادة ضبط الممارسات خارج إطار القانون التي حصلت أثناء الحرب في المحافظات.
  • وعود سابقة
رئيس مجلس القيادة اليمني أطلق، في يونيو الماضي، وعودًا بتمكين أبناء محافظة حضرموت (شرق اليمن)، "من إدارة محافظتهم ماليًا وإداريًا وأمنيًا".

وكشف العليمي، خلال زيارة قام بها إلى مدينة المكلا عاصمة حضرموت، عن "تحضيرات لعقد لقاء تشاوري بين الحكومة والقطاع الخاص والسلطات المحلية والدول المانحة لدعم إدارة المحافظات ذاتيًا".

وأكد أن التوجه لمنح السلطات المحلية صلاحيات أكبر يهدف لـ "تعزيز مؤسسات الدولة"، وهو ما لاقى ترحيبًا من السلطة المحلية بحضرموت، ومن كثير من المكونات السياسية والقبلية في المحافظات، الأكبر من حيث المساحة والأكثر ثراءً بما تحويه من ثروات، أبرزها النفط.

هذا التوجه لدى القيادة اليمنية يأتي في ظل حالة من التشظي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً؛ بسبب الصعوبات الاقتصادية، والطموحات المتنامية للجماعات الانفصالية، خصوصاً المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يبسط سيطرته على عدن وسقطرى وأبين، ويطمح للاستحواذ على بقية محافظات الجنوب اليمني، فضلاً عن فشل حرب استعادة الدولة من أيدي الحوثيين.
  • فرص نجاح المشروع
فكرة الحكم المحلي كامل الصلاحيات من الأنظمة الجيدة التي أثبتت نجاعتها، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تدير السلطات المحلية شؤون المدن والبلدات في إطار كل ولاية، وفقًا للخبير الاقتصادي محمد الصبري، وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمني سابقًا.

وأضاف "الصبري"، في تصريح لـ "الخليج أونلاين"، أن التنمية لا تأتي إلا عن طريق المحليات، لكن في ظل انضباط إداري ومالي ونظام سياسي يسمح بالتداول السلمي للسلطة المحلية، إضافة إلى ضرورة وجود هيئات تشريعية منتخبة تسن القوانين والأنظمة، وتراقب وتحاسب، وقوة نظامية تضبط وتنفذ القوانين والأنظمة المعمول بها".

ولفت إلى أنه في حال توفر مثل هذا النظام، "فإنه بالإمكان تنمية الموارد المحلية، وإعداد الموازنات التنموية وتنفيذها"، مشددًا على أن "هذه الإجراءات تحتاج أيضًا إلى وعي شعبي، وكوادر ماهرة، وأخلاق إسلامية تخاف الله وتخاف النظام".

ونوّه "الصبري" بأن المشروع الجديد "تمكين السلطات المحلية" هو شبيه نظام الأقاليم، لكن بصورة مصغرة على مستوى المحافظات، في حين أن الأقاليم تشمل عدة محافظات، لافتًا إلى أنه كان شريكًا في صياغة "مشروع الأقاليم"، إبان العام 2014.
  • التوقيت ليس مناسبًا
من جانبه يرى السفير السابق والدبلوماسي اليمني مصطفى النعمان أن "فكرة الحكم المحلي كامل الصلاحيات جيدة في الأوضاع الطبيعية، كما أنها مطروحة منذ زمن بعيد، وتكرر الحديث عنها طوال فترات الحكم السابقة".

وأضاف في تصريحات لـ"الخليج أونلاين" أن تلك الفكرة تعرقلت لعدة أسباب، أهمها قلق المركز من إضعاف سيطرته على المحافظات، وخشية أن يفقد تحكمه ونفوذه فيها.

وأضاف الدبلوماسي اليمني أن "إعادة طرح الفكرة الآن يثير الكثير من التساؤلات؛ لأن تنفيذها يحتاج إلى مركز يمسك بالخيوط جميعها، ويعالج أي إشكاليات تحدث، وكذا ضبط الموارد العامة وتحصيلها بانتظام".

وتساءل قائلًا: "كيف يمكن التعامل مع مراكز المحافظات في الوقت الحالي، والبلد في حالة حرب، وليس هناك قيادة كفؤة تستطيع إدارة وحماية المكان الذي تعيش فيه، فكيف بمناطق بعيدة عنها!".

ورأى أن إطلاق الأمر (المشروع) في هذا التوقيت ليس إلا مساهمة في مزيد من التفكك، وتهشيم سلطة المركز لصالح قوى محلية ستبتعد عن المركز الذي من المفترض أن يكون محور كل النشاطات داخل الحدود اليمنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى