الكراتين في اليمن.. «لقمة عيش»

> يحيى العكوري

> يسابق الطفل محمد شمسان ضوء الشمس كل يوم لجمع أكبر قدر من بقايا الكراتين من البقالات، متنقلًا من شارع لآخر حتى تمتلىء عربته الحديدية، ثم يعود إلى مخزن عمه في شارع هائل بمدينة صنعاء؛ ليبيع له ما تم جمعه من الكراتين المستعملة.

يعتمد محمد (15 ربيعًا) على هذا العمل في إعالة أسرته المكونة من أربعة أطفال، بعد أن فقد والده النظر وأصبح غير قادر على العمل.

يقول محمد لـ«المشاهد»: ما أحصل عليه من بيع الكراتين يتراوح ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف ريال يمني، وأبيعها بفارق سعر مناسب لعمي الذي يمتلك مخزنًا كبيرًا ويعمل معه الكثير من العاملين، معظمهم من الأطفال.

يمارس محمد عمله يوميًا، خلال فترتين صباحًا ومساءً، ويعتقد أن عمله هذا أفضل من غيره في ظل غياب فرص العمل بشكل عام، بعد أن قرر التوقف عن التعليم في مراحله الأولى والانخراط بسوق العمل مُجبرًا.

حفظ الفواكه والخضروات

منذ تسعينيات القرن الماضي، يعمل عبده غالب في بيع وشراء بقايا الكراتين المستعملة في دكانه الذي ورثه عن والده بصنعاء.

ويبدأ عمله في استقبال مجموعات كراتين كبيرة من محمد وزملائه طوال اليوم، ثم يُعيد عملية رصها وترتيبها حسب الحجم والنوع، قبل أن يتم أخذها من قبل الموزعين عبر مركبات نقل.

يقول غالب: إن بقايا الكراتين لها أهمية عند المزارعين لحفظ الخضروات والفواكه المزروعة في المحافظات الشمالية، والقادمة من صعدة والحديدة، وأنهم يحرصون على شراء أي كمية تتوفر من الكراتين.

مشيرًا إلى أن عملية البيع تتم بـ(الحزمة) وبسعر 2500 ريال يمني، والحزمة عبارة عن مجموعة كراتين يتم رصها وربطها بحيث يسهل عليهم استيعابها داخل المخزن أو على ظهر مركبات النقل، التي تحمل كمية كبيرة للمزارع الواحد.

وتورد كمية كبيرة من هذه الكراتين، إلى محافظة صعدة بدرجة أولى، حيث تستخدم في تغليف وحفظ الخضروات

وبعض الفواكه التي تنتجها المحافظة، فيما تأتي الحديدة بالمرتبة الثانية في استخدام الكراتين لحفظ منتجاتها، بحسب غالب.

فواز علوان (طالب إعدادي) يجني مصروفه المدرسي من جمع الكراتين، من خلال العمل مع والده في بقالته خلال الفترة المسائية، مقابل الحصول على بقايا الكراتين، التي يحتفظ بها بعناية ومن ثم بيعها على محمد شمسان وأمثاله ممن يمتهنون هذه المهنة.

ويرى أن السنوات الأخيرة قلّ فيها العمل نتيجة منافسة أصحاب الأفران والمخابز لهم في استخدام قطع الكرتون لتسخين أفرانهم.

كما أن الكراتين شحت بسبب استخدامها من قبل النساء -النازحات منهنّ خصوصًا- في أغراض الطهي المنزلي، حيث يأخذونها من البقالات، ما شكل منافسة للممتهنين في هذه المهنة.

تدوير بيئي؟

وجهة النظر البيئية لا تعتبر تجميع الكراتين وبيعها تدويرًا بيئيًا لهذه المادة، ويضعها الخبير البيئي والكيميائي أحمد حسن في نفس مستوى استخدامات مخلفات المواد التوالف والاستفادة منها مجددًا.

ويضيف أنه ”يتم استغلال هذه المواد، بما فيها الكراتين، كما هي دون أي تدخل، والاستفادة منها اقتصاديًا لخلق فرص عمل للأسر المعدمة”.

ويتابع الخبير البيئي، أنه ورغم قِدم العمل في بيع الكراتين عند أصحاب البقالات والمزارعين منذ ما قبل الحرب بكثير، إلا أنها نشطت وتوسعت بعد الحرب لتصبح ضمن الأعمال البسيطة التي تعتاش منها كثير من الأسر الأشد فقرًا.

لقمة عيش

إلى جانب العلب البلاستيكية والجالونات، تعد الكراتين المستعملة ”باب رزق” يستفيد منها كثير ممن فقدوا أعمالهم أو سُرحوا منها جراء الحرب، حسب الأخصائية الاجتماعية، أمة الرزاق قاسم.

وتضيف إن الحرب جاءت بكوارثها المؤلمة كالفقر والبطالة، وباتت كثير من الأسر بلا عمل ولا رواتب، ما اضطر بعضهم للبحث عن أي طريقة يمكن من خلالها إعالة أطفاله، وأصبح المرء لا يمانع من العمل في أي مهنة، ما دامت توفر له ولصغاره لقمة عيش.

اليمن الفقير

تأتي هذه الأوضاع في اليمن، في ظل تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صدر أواخر عام 2021، وأشار إلى أن اليمن يُعد من بين أفقر بلدان العالم.

واشترط التقرير تجاوز اليمن هذا التصنيف المخيف وإنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2047 إذا توقفت الحرب الآن، أما استمرارها فيعني مزيدًا من الفقر.

كما تحدثت تقديرات الأمم المتحدة عام 2019 عن ارتفاع نسبة الفقر في اليمن إلى 75 % جراء الحرب، حيث زادت من بؤس الطبقة الدنيا في المجتمع وضاعفت من نسبة الفقر والفاقة.

وتنتشر الكثير من محلات الكراتين المستعملة في صنعاء، تتركز أغلبها في سوق شعوب، ولها استخدامات أخرى لنقل العفش وحفظ الأدوات.

ويتواجد ما يربو على 15 دكانًا لبيع وشراء الكراتين في منطقة شعوب بصنعاء فقط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى