الحرب ومتغيرات الأمر الواقع.. المهام العاجلة

> أحدثت الحرب تغييرًا جوهريًا بالبنية السياسية والقبلية والمجتمعية وحتى الدينية، على نطاق واسع وبالذات في جغرافية الجمهورية العربية اليمنية، وكشفت عن هشاشة الوضع السابق واستقوائه بالقبضة الحديدية، التي كانت تحكم منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت، وإعادة الوضع السابق إلى المشهد السياسي كما كان، وأصبح محل شك كبير، فلم يعد هناك إمكانية للملمة القبيلة التي تبعثرت واهتزت مكانتها، ولم يعُد للأحزاب السياسية نفس التأثير السابق، لأنها تشتت وأثبتت فشلها في أداء دورها في المجتمع، أما المؤسسة الدينية على تنوعها المذهبي، فقد أصبحت مشلولة، وفشلت في تقديم الإسلام كدين الرحمة والتسامح، فقد خلطت بين الدين والسياسة، واستخدمته لأغراض سياسية سلطوية، وتورطت في فتاوى تناقض أصول الدين والشريعة الإسلامية. وتحول دورها إلى تجييش المجاهدين إلى كل بقاع العالم، ومنها أفغانستان وغيرها. وبعضها تحول إلى طائفة مختارة تدعي حقها الإلهي في الحكم، وأدخلت البلاد والعباد في حرب مدمرة، ولهذا أصبح من غير الممكن الوثوق بها، خاصة والبعض منها ما زال يتبنى مواقف متطرفة لا تتماشى مع الواقع، ولا مع الظروف الراهنة. وانتهى بها المطاف عند تبني بعضها للإرهاب كأسلوب لتوصيل رسالتها السماوية ضد بني جلدتها، ومن هنا أضاعت كل تلك النخب دولة في خضم تلك الصراعات العبثية، توج بالانقلاب على الجمهورية، وزرع نظام ديني، مرجعيته إيرانية.

ومع الأسف كل الفعاليات الشمالية مجتمعة، ممثلة بالشرعية والقوى السياسية والقبلية والدينية الأخرى، أضاعت فرصة تاريخية للقضاء على هذا الانقلاب، بسبب تشتتها وحرف بوصلتهم نحو الجنوب، وإصرارهم على السير في نفس نهج النظام السابق، دون مراعاة للتغيير الهائل الذي نتج عن الحرب، وبروز قوى جديدة، لها مكانتها على الأرض، ولديها تطلعاتها، بعد أن قدمت من أجل ذلك تضحيات جسيمة. فالجنوب كان ومازال الضحية، يتلقى الضربات منذ الغزو الأول عام 94م حتى الغزو الثاني والثالث. وما زال المجتمع الجنوبي متماسكًا، فهو خالٍ من المذهبية، وبسبب الحراك الشعبي فقد انتهى دور الأحزاب في الجنوب، وتشكل رأي شعبي عارم، يدعم استعادة الدولة الجنوبية، وظل متماسكًا، حيث وقف الجنوب متصديا ومدافعا عن الأرض والعرض والدين. وانتصر ولن يعود اليمن كما كان قبل الحرب.

انتهت الوحدة منذ مراحلها الأولى عندما غدرت نخب صنعاء بشريك الوحدة (الجنوب) ووجهت قواتها لاحتلاله، وعبثت بكل شيء فيه، وفي الأخير سلمت الجمهورية بكل أجهزتها ومؤسساتها العسكرية والمدنية، لحركة طائفية صغيرة موالية لإيران، وأدخلت البلاد في حرب لا تبقي ولا تذر.

لم تدافع النخب الشمالية عن الوحدة ولم يقاوم شعب الشمال عن الجمهورية والوحدة. رغم الدعم الهائل الذي قدمه التحالف، وإنما وجهوا بوصلتهم نحو الجنوب.

الآن من يستعيد صنعاء من النظام السلالي، حتى يتحدثوا عن الوحدة، لا الشرعية الشمالية، ولا التحالف، ولا مجلس التعاون، ولا العالم كله، إذن كل البيانات التي تصدر هنا وهناك عن وحدة أراضي اليمن، أصبح كلامًا في الهواء.

سنركز على وضعنا في الجنوب بعد التطورات الأخيرة، من أجل الحفاظ على الانتصارات والمكتسبات، التي حققها شعب الجنوب، خلال التسع سنوات من الحرب، ولا شك بأن شعب الجنوب، قد قطع أشواطًا متقدمة في سبيل استعادة دولته المحتلة، ولمزيد من التأكيد نطرح التالي:

- التركيز على العمل الداخلي، وإعطاء ترتيب البيت الجنوبي أولوية قصوى.

- أن تستفيد النخب الجنوبية الجديدة، من أخطاء الماضي، وعدم تكرارها لأي سبب كان.

- أن نوحد صفوفنا، وأن نلتف حول الحامل السياسي، على أن يقوم هذا الحامل بتوسيع المشاركة الحقيقية، في إدارة المرحلة الانتقالية، تحت أي شكل من الأشكال كجبهة وطنية عريضة مثلا أو غيرها.

- أن يبنى الكيان السياسي على قواعد العمل المؤسسي، وأن نعمق فيه روح القيادة الجماعية عند اتخاذ أي قرار.

- أن نؤصل بعد ذلك قيمة المسؤولية الفردية عند التنفيذ.

- أن تظل الأبواب مشرعة للرأي والرأي الآخر داخل الكيان السياسي، وبين أوساط الشعب والمجتمع، وإطلاق حرية العقول ليصبح لدينا شعب حر.

- أن نبني قوات مسلحة وقوات أمنية جنوبية، على أسس وطنية وأسس علمية وعسكرية صحيحة، ونقوم برعايتها لكي تكون حامية للشعب، وخادمة لمصالحه، ونهتم بتسليحها وتأهليها.

- أن نربّط الانتهازيين الجنوبيين الذين يغازلون القوى اليمنية، والإقليم، والعالم، للانتقاص من هدف استعادة الدولة الجنوبية، ونضع لهم حدًا، بأنهم لا يمثلون إرادة شعب الجنوب.

- أن نواصل السيطرة على أرض الجنوب وعلى موارده.

- أن يكون من يتحمل المسؤولية عليه أن يثبت أنه يمثل مصالح الشعب الجنوبي، من خلال ممارسته العملية.

- أن نحارب الفساد بين أوساطنا، ولن نسمح لأحد أن يستغل وظيفته لكي يثري على حساب شعب الجنوب.

والكثير من المهام الأخرى.

هناك متغيرات عالمية ستفرض نفسها على الإقليم، ولن تظل الأوضاع كما كانت من قبل، وهناك تبادل للأماكن بين القوى العالمية، وتبادل حتى بالتحالفات، ولابد أن نفكر كيف نرسم سياساتنا على هذا النحو المتحول والمتغير، وكيف نربط مصالحنا بمصالح من يقف معنا في هذه الظروف الصعبة.

أما أن نظل نردد الشعارات السابقة، شعارات الستينيات والسبعينيات، لن تجدي نفعا على الإطلاق.

من لم يتغير سيأتي من يغيره، وهذا ما حدث في الربيع العربي، تحطمت دول وتشردت شعوب بسبب الجمود.

هناك ثغرات وظواهر سلبية ظهرت أثناء الممارسات العملية لبعض القيادات، وكأنهم لم يستوعبوا الأخطاء التي مر بها سابقوهم، منها التفرد بالقرار، والفساد، والإقصاء، وتقريب الموالين والمقربين، وإقصاء أصحاب المواقف وغير ذلك.

من يريد أن يستثمر وظيفته لكي يجمع المال لن يستطيع أن يقنع المواطن الجنوبي، الذي يتحمل كل الصعوبات في حياته اليومية، بأنه سيقدم له أنموذجًا جديدًا لدولة جنوبية عادلة مستقرة.

ومن هنا يجب أن يفتش كل قائد ومسؤول صغير أو كبير، داخل ضميره هل هناك ممارسات من هذا النوع يمارسها في سلوكه ومعاملاته اليومية؟ وما عليه إلا أن يعيد النظر إن كان يريد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ما لم فالباب الذي سيدخله أضيق من خرم الإبرة.
المقال خاص بـ "الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى