حل قضية الجنوب قوامه الإقرار بثوابت الحق الوطني وتنفيذ القانون الدولي

> لكل قضية عنوان منه تتفرع الابعاد والمسارات التي تتشارك في إحقاق الحق وتفرض العدالة. ولكل بعد مساره الخاص الذي يقود إلى تحقيق وظيفته. ولأن القضية قضية حق ينبغي أن يحكمها التناغم والتكامل في كل أبعادها ومساراتها. فالتناغم والتكامل يعني أنها تسير في الاتجاه الصحيح وتقود إلى إحقاق الحق، أما تصادم المسارات فيشير إلى أنها ضلت الطريق وتتحرك خارج الصح وتقود إلى تفويض الحق وإحلال الباطل.

تتشارك في التعامل مع قضية شعب الجنوب ثلاثة مسارات : المسار الوطني، المسار الاقليمي العربي، والمسار الإنساني العالمي (الدولي).

ولكل مسار وظيفة، فوظيفة المسار الوطني تعيين ثوابت الحق الوطني للشعب (هوية وسيادة وتقرير مصير) ورسم حدودها وتتجسد هذه الثوابت في حلقة الشعب، ووظيفة المسار الثاني (المسار الاقليمي العربي) بناء القوة الرامية لخلق توازن يحمي حقوق الشعوب المنضوية في إطار الأمة ونظامها الإقليمي، أما المسار الثالث (الإنساني) فوظيفته الإقرار بثوابت الحقوق الوطنية للشعوب وتشريعها بجعلها مبادئ تشكل روح ومضمون القانون الدولي، فالنظام الدولي برمته يقوم على مبادئ احترام استقلال الشعوب واحترام سيادة كل شعب على أرضه وحقه في تقرير مصيره، وعلى هذه المبادئ يقوم ميثاق الأمم المتحدة ووضعت نصوص القانون الدولي وتأسست مؤسسات الشرعية الدولية.

يتبين من كل ذلك الدور المحوري الذي يقع على الحلقة الوسطى (حلقة الأمة) ونظامها الإقليمي حيث تمثل شوكة الميزان التي عليها أن تقر ثوابت الحق الوطني لشعوبها وحمايتها من اي اخطار أو تهديدات تحوم حولها، وهي بذلك تضع مبادئ ونصوص القانون الدولي في موضع الحقائق التي تحكم مسارات العلاقات الدولية. على هذا النحو يتحقق تناغم وتكامل الإرادات في المستويات الثلاثة (الوطني والإقليمي والدولي) إرادات الشعوب مع إرادات الأمم مع الإرادة والإنسانية المجسدة في نصوص القانون الدولي، وتناغم الإرادات الثلاث مع إرادة الخالق عز وجل الذي جعلنا نحن البشر في شعوب وأمم ليجعل الحق والقوة والعدالة في حالة تناغم وانسجام وتكامل ومنعهم من الانزلاق إلى التصادم والصراع، حيث أن التناغم والتكامل يعني أن المسارات الثلاثة تسير في الطريق الصحيح (طريق الحق)، فيما التصادم والصراع يعني أن المسار يسير مخالف لإرادة الخالق وإرادة الشعوب والإرادة الإنسانية (إرادة القانون) وهو ما يعني اقتفاء طريق الباطل. ومن بين الابعاد الثلاثة يأتي البعد الوطني متقدماً على غيره من الأبعاد، فهو يمثل حلقة الشعب الحلقة الأولى في مكونات الهرم الإنساني، به ارتبط اول تحديد للحق على وجه الأرض وللحق الدور الريادي الموجه تتبعه الأبعاد الآخر كلها، تتبعه قوة الأمة ويشرعنه القانون الدولي الإنساني، وذلك يعني أن تحقيق وظائف المسارين الوطني والإنساني يتوقف على سلامة الإطار البنيوي الإقليمي للأمة (البعد الأوسط)، فالأمة تمثل قوة القانون الدولي الإنساني واداته التنفيذية كل أمه في نطاقها الجغرافي. وبدون البناء السليم للأمم وقدرتها على بناء التوازن مع الأمم الأخرى وتمسكها في الحفاظ والحماية للحقوق الكاملة لشعوبها التي منها تستمد قوتها يصبح القانون الدولي نصوص غير قابلة للتحقيق وتصبح الأمة اسم بلا معنى.

أن الحل العملي لقضية شعب الجنوب يتوقف على الحضور الإيجابي الفعلي لثلاث روافع: الرافعة الوطنية، رافعة الأمة ونظامها الإقليمي، ورافعة مؤسسات الشرعية الدولية والقانون الدولي. وهذا يعني أن مرجعيات الحل ينبغي أن تكون ثوابت الحق الوطني بحدودها المعروفة التي تشكل مضمون الإرادة العامة للشعب ومبادئ القانون الدولي، والابتعاد عن سياسة المحاور التي اتبعت في العقود الماضية، والعمل على إقامة علاقات متوازنة مع كل دول العالم ومؤسساته الشرعية على قاعدة احترام مبادئ القانون الدولي.

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد كلية الآداب جامعة عدن *

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى