​انتهت المباحثات السعودية الحوثية العمانية دون صدور أي نتائج علنية حيث اكتنفها الغموض والتكتم الشديد، لكن مؤشرات ما جرى بعدها يدل على أن الحوثي خرج ولديه التصميم على السير منفردًا في مسعاه للتمكين، فيما بدأه من تغيير الأمر الواقع بكل أريحية دون الالتفات إلى المحددات الموضوعية بما فيها المرجعيات والقرارات الدولية وكأنه يملك ضوءًا أخضر من مكان ما مده بالقوة والتصميم فبدأ بإطلاق التصريحات النارية عبر عدد من القيادات الحوثية والمتحوثة ضد التحالف وإصراره على استخدام لغة التهديد والوعيد.

فنفذ تهديداته بأن أطلق مسيرة على مواقع عسكرية في الحد الجنوبي للمملكة، وتمكن من قتل وجرح عدد من جنود القوة البحرينية المرابطة هناك. 

الاحتفاء بيوم الانقلاب 21 سبتمبر عبر استعراض قواته بشكل ملفت في ميدان السبعين وفرض اللون الأخضر على كل مظاهر الاحتفالات بما في ذلك إلزام الناس بتلوين أجسامهم بهذا اللون كرمزية تميزه عن غيره من الطوائف الدينية الأخرى.  
 تلك الإجراءات بمثابة  رسالة لا تحتاج إلى تفسير موجهة للإقليم والعالم بدرجة أولى وللشرعية  بدرجة ثانية وحتى للجنوب بدرجة ثالثة بأن لديه القوة الكافية لفرض شروطه غير  آبه بأية آلية دولية لفض النزاعات والأزمات، ويراهن على الحسم العسكري في الميدان واستباق لأية مفاوضات قادمة بأنه أصبح الحاكم الفعلي بتوجهه الديني المتطابق مع التوجه الإيراني.

أظهر عداءً واضحًا واستهتارًا باحتفالات عيد ثورة 26 من سبتمبر حيث لم يسمح لأنصارها  بالاحتفال وإحياء ذكراها ودخل في مطاردات  شوارعية مع المحتفلين وسحب منهم أعلام الجمهورية ويعتبر ذلك قطيعة كاملة مع كل مخرجات الثورة السبتمبرية ومع كل ما تمثله من أهداف ومبادئ. 

أصبح الحوثي في مواجهة مباشرة مع الشعب اليمني الذي ما زال يأمل في أن تلك الثورة على الرغم من كل انتكاساتها لكنها كانت الضوء في نهاية نفق أخرجته من قبضة الإمامة التي عزلته عن العالم وقيدته بسلاسل من التخلف والجهل والمرض.
ماذا بعد؟ وماذا سيقول العالم والإقليم الذي انخرط بالحدث منذ البداية وواكب سير العملية الانقلابية، ويحاول فك طلاسمها وحلها بشكل يضمن الاستقرار والأمن في المنطقة؟ هل سيعلن نهاية المسرحية التي البعض انخرط فيها ليس كممثل أو كمبارس؛ ولكن كمخرج وداعم للإنتاج الرديء الذي انتهت إليه الأوضاع؟ وهل سعيد النظر في بعض الأدوار أو في بعض فصولها؟ أم أنه سيتعامل مع الوضع القائم وتركها تسير حسبما خطط لها وما يهم النتائج الكارثية فالحجر من الأرض والدم من رأس الشعب اليمني حسب المثل الدارج.

إعلان الحوثي عن تغييرات جوهرية بدأها بإسقاط  الحكومة والوعد بتغييرات جوهرية في إدارة السلطة، وحدد المرحلة الأولى للتغيير، هل سيكون بداية الطلاق بينه وبين جموع الشعب؟ هل أصبح الشعب يواجه مصيره بنفسه وبالاعتماد على ذاته وهو يشاهد عبث الحوثي بمقدرات الشعب واستشراء الفساد في أوساط قياداته على حساب معيشته المتدنية؟ وإلى متى سيكون هدا الشعب رهينة بيد الحوثي لابتزاز الإقليم والعالم فيه؟ وهل كل ما يجري هي مقدمات لثورة شعبية لا تطيق تصرفات حكامها الجدد الجائرة؟

ما هو رد فعل الشرعية هل ستظل تعتبر نفسها خارج التغطية تعيش في عالم آخر غارقة في أوهام النظام السياسي السابق الذي انهار في عقر داره في صنعاء؟ فهي كالعادة ستطلب من التحالف والمجتمع الدولي ممارسة الضغط على الحوثي لمنعه من القيام بأية إجراءات من طرف واحد؛ ولكنها تركن  إلى أنها تحكم الجنوب ولا تريد أكثر من ذلك.

ما هو رد فعل المجلس الانتقالي على التغييرات التي تجري في صنعاء من طرف الحوثي هل سيظل يمارس دور سياسة النعامة وأن الأمر لا يعنيه؟ اعتقد أن الأمر برمته يعني الجنوب ومستقبله في الصميم، ولهذا لابد من تدارس الموقف بدقة  واتخاذ الخطوات الضرورية لحماية الجنوب من أية اختراقات أو المساس به من أي جهة كانت والحفاظ على وحدته واستقراره لابد من إعادة النظر في السياسة المتبعة على ضوء المتغيرات الجديدة التي فرضت في صنعاء وأصبحت المعادلات الآن مختلفة والتحالفات لابد أن تكون مختلفة تمامًا.
خاص بـ "الأيام"