​إعادة الحسابات قبل فوات الآوان

>
سؤال مطروح على النخب الجنوبية (أعني الجميع بما في ذلك من لا زال يسير تحت راية الأحزاب اليمنية أو القبلية أو الدينية وكذا من يمثلون إرادة الشعب في الجنوب وغيرهم) إلى أين أنتم سائرون هل شعاراتكم وتحركاتكم السياسية تتطابق مع ما يجري على الواقع أم أن هناك هوه شاسعة بين الأقوال والأفعال؟ ولو طرحنا السؤال بشكل أوضح هل تسيرون على خطى استعادة الدولة الجنوبية وفق التفويض الشعبي ووفاء لدماء الشهداء وتضحيات الجنوبيين ومعاناتهم؟ فالجواب واضح لا تخطئه العين من خلال المشهد السياسي، إذًا إلى متى ستظلون تدسون رؤوسكم في التراب مثل النعامة وتتغاضون عن ما تشاهدونه من تنافس بين النخب الشمالية بكل تفرعاتها واختلافاتها للسيطرة على الجنوب من خلال تمسكها بالوحدة زورًا وبهتانًا؟ ألم تكفي تجارب الماضي أم أن هذا قدر الجنوب بأن يظل مستعبد ولا يستطيع أن ينفك من عبودية الحزبية والقبلية وغيرها؟ شعب الجنوب قال كلمته وشهد العالم بطولاته في الساحات وفي ميادين القتال وحقق انتصارًا أبهر فيه العالم سلمًا وحربًا وما يحتاجه الجنوب الآن هو استنهاض العقل الجنوبي ليرتقي إلى مستوى تطلعاته ويرمي جلباب الحزبية الخدّاع  في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الجنوب الذي لا زال البعض يتدثر به أو يفضل أن يبقى تحت مظلة مرجعيات الشمال (اليمن) حزبية أو دينية أو قبلية ولا أحد ينكر بأنه لا زال هناك نخب جنوبية تعمل تحت مظلة الأحزاب الشمالية أو النخب القبلية   أو الدينية أو غيرها  وتعرف أن ذلك يتعارض مع تطلعات شعب الجنوب، السؤال هل لا توجد مرجعيات جنوبية نتمسك بها ونعتز بالانتماء إليها أو أن العقل الجنوبي قد تصحر ولا يمكنه التحرك إلا عبر ريموت كنترول الشمالي؟

 لابد من الاستفادة من دروس الماضي فمسيرة الجنوب منذ الاستقلال كلها صراعات وبمجرد ما يخرج من صراع حتى يدخل في صراع آخر وكل صراع يشطب خيرة الكوادر والخبرات حتى أوصل الجنوب إلى باب اليمن دون تبصر ودون حسابات تعكس المصالح الوطنية للجنوب وكانت النتيجة أن تحمل شعب الجنوب الحروب والمعاناة والتشرد ولهذا لا بد من أخذ العبر وعدم تكرار الأخطاء.

المعادلة اختلفت فالصراع القائم اليوم صراع هويات وبالتالي صراع وجود فإما أن يكون للجنوب هويته المستقلة أو أن يذوب في الهوية الحالية التي تروج لها القوى اليمنية الحالية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي مستخدمة سلاح الحزبية القاتلة والتي أثبتت تلك التبعية الحزبية في الواقع فشلها من خلال الثلاثة العقود الماضية من محاولة حثيثة لمسح هوية الجنوب وإحلال محلها هوية أخرى ظالمة  متشبعة بالفساد والعنصرية والإقصاء للآخر وهيمنة الطائفة والقبلية وحاولت سجن الجنوب في قوالب جامدة من العصور الوسطى عصور الظلام والجهل والتخلف والمرض ولم نكن انتفاضة شعب الجنوب لمقاومة ذلك النظام السياسي الغاشم اعتباطًا وقدم عشرات الآلاف من الضحايا إلا من أجل أن يتحرر ويستعيد هويته الوطنية ولم يكن لينتصر إلا بعد ترك التبعية الحزبية والقلبية وغير ذلك ورماهم خلفه ولذا من يراهن من الجنوبيين على التبعية الحزبية فهو سيستخدم كحصان طروادة للسيطرة على الجنوب ويقدم خدمة مجانية لأعداء الجنوب وخاصة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ نضاله الوطني لأنه يقف على النقيض مِن استعادة هويته الوطنية.

لا يوجد طريق ثالث غير استكمال وحدة كل الطيف الجنوبي تحت مسمى وطني بعيدًا عن الحزبية لاستعادة الدولة الجنوبية وخاصة وقد أثبتت الوقائع بأن الطرف الآخر الشمالي بكل مسمياته قد حسم أمره رغم خلافاته العميقة وتناقضاته الهائلة وكل الأحزاب والقوى الدينية والقبلية وكل القوى الأخرى لا يحيدون عن هدف إبقاء الجنوب تحت سيطرتهم فقد جرب الجنوب خلال العقود الماضية طريقة حكمهم ونظامهم الغير مقبول جنوبيًا وهمهم الوحيد استعباد الجنوب والسيطرة على ثرواته واعتبار الجنوبيين مجرد بقايا للاستعمار من مخلفات الهنود والصومال وفي الأخير حتى من ساعدهم من الجنوبيين في إحكام السيطرة على الجنوب كان مصيرهم الإقصاء والتهميش.
هنا نذكر بالوقائع التي نؤكد فيها خطر الحزبية على الجنوب والتي استخدمت ضد الجنوب:

1- اجتياح الجنوب الأول تم على أساس تحالف حزبي المؤتمر والإصلاح وغيرهم وفي داخلهم جنوبيون ينفذون أجندات أحزابهم، إضافة إلى التحالفات القبلية والدينية الأخرى.
قابله انطلاق حراك شعبي جنوبي يضع في مقدمة أهدافه استعادة الدولة الجنوبية وقدم الآلاف الشهداء ولم يكن للحزبية أي تأثير أو تمثيل فيه.

2- الاجتياح الثاني للجنوب أتى بعد إسقاط ما تسمى بالشرعية في صنعاء بتحالف الحوثي مع المؤتمر الشعبي العام بقيادة الزعيم وأن وُجد جنوبيون معهم فهم اتباع لهذا التحالف يقابله مقاومة شعبية جنوبية لم يكن للأحزاب في الجنوب أي دور يذكر وكان الانتصار العظيم لكن ولأغراض الحرب أتت الشرعية وعلى رأسها جنوبي لتستلم نصر الشعب الجنوبي.

3- وبدلا من الارتكاز على النصر الجنوبي والانطلاق من أرض الجنوب لاستعادة شرعيتها في صنعاء قامت بغزو الجنوب مرة ثالثة من مأرب وسيئون حتى الوصول إلى مشارف عدن والهدف تقويض نصر الجنوب وإعلان السيطرة الكاملة عليه.

كان قد نتج عن ذلك تشكيلة جديدة تسمى حكومة المناصفة، ففيها جنوبيون لا يمثلون تطلعات شعب الجنوب ولكنهم يمثلون أجندات أحزابهم ذات المرجعية الشمالية ومن هنا بدأت الكارثة لأن الشرعية انحرفت عن مهمة استعادة عاصمتها  ومن غير المقبول أن تتخذ الأطراف الأخرى الحزبية وسيلة لإعادة السيطرة على الجنوب وهي تتقاطع في أهدافها مع ما يطرحه حكام صنعاء الجدد وممثلي الأحزاب اليمنية في تقويض هدف استعادة الدولة الجنوبية وأكبر مثال على ذلك التشكيلات الجديدة القائمة في الشرعية فهم في نهاية المطاف سيصطفون في أية مفاوضات قادمة مع أحزابهم الشمالية الذي هدفهم تقويض هدف استعادة الدولة الجنوبية وسيلتقون مع الطرف الحاكم في صنعاء في تثبيت السيطرة على الجنوب وبالتالي سيكون الجنوب أن سارت الامور بهذا السيناريو سيكون ممثل بأقل من ربع الربع من الوفد المفاوض المطروح الآن على الطاولة وبالنتيجة سيكون  الخاسر الأكبر هو الجنوب. 

لا يوجد خيار أمام الجنوب غير: أولا أن يرص الجنوبيون صفوفهم تحت هدف استعادة الدولة الجنوبية وثانيا لا يوجد أمام الإقليم والعالم غير احترام الإرادة الشعبية الجنوبية الكاسحة والمتمثل باستعادة الدولة الجنوبية وعدم الأخذ بأية تحركات أخرى مشبوهة لتزوير إرادة شعب الجنوب تحت أي مسميات أو باختلاق ممثلين تابعين للمرجعيات الشمالية تحت يافطات جنوبية لا تحظى بأي قبول شعبي جنوبي.

اليوم لا أحد مهتم بعودة الشرعية إلى صنعاء وحتى الشرعية ذاتها مستمتعة لوجودها في عدن متكئة على الدعم الإقليمي والدولي وليس لها  قاعدة شعبية ولا على أرض تتكىء عليها غير مساحة عدد محدود من المديريات في جزء من محافظتي مأرب وتعز  وما يجري من تثبيت لوقف إطلاق نار مستدام والاعتراف بالأمر الواقع هو تثبيت للشرعية على الجنوب عبر ما تمثله من ممثلين لأحزاب يمنية وهذا يعني تقويض مشروع استعادة الدولة الجنوبية دون أدنى شك حتى مشروع الإدارة الذاتية الأدنى مستوى غير مقبول من قبل هذه الشرعية والإقليم والعالم وهذا ما شهدناه عند إعلانها من قبل الانتقالي في السنوات الماضية.

لهذا على الجنوبيين مراجعة حساباتهم فورا ودون تأخير حتى لا يجدون أنفسهم على قارعة الطريق ولا حول لهم ولا قوة.
وبالأخير لم يكن أمام الإقليم والعالم إن أرادوا حلًا عادلًا ومنصفًا أن يساعدوا الجنوب والشمال على استعادة كل طرف دولته، إن أرادوا للمنطقة الأمن والاستقرار أما غير ذلك فلن تستقر المنطقة لعقود قادمة وستظل بؤرة للتوتر والإرهاب والحروب المشتعلة.
خاص بـ "الأيام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى