أطفال وسط براميل القمامة ونساء في الأركان.. الفقر يرهق الأهالي في عدن

> فردوس العلمي:

> شباب عدن والبحث عن لقمة العيش الحلال
> أطفال يحملون شول مليئة بالعلب بدلا من الحقيبة المدرسية الممتلئة بالكتب

> جولة في شوارع عدن تصيبك بالإحباط والتذمر وتشعرك بالوجع وأنت ترى الكثير من الناس توجهت إلى طريق التسول من أجل الحصول على ما يسد رمق جوعهم وجوع أطفالهم، نساء عزيزات عفيفات كبار في السن وبنات شابات تجدهن يجلسن في ركن منزوي لا يتحدثن ولكن يمدن أيديهنّ باستحياء لعلّ من يرى يدها يجود لها بالقليل، وربما ترى أسرة كاملة بأطفالها نيام في الطرقات وحين تسألهم لماذا؟ يكون الرد تراكم علينا الإيجار وطردنا صاحب البيت، فكم من مناشدات تسطر بوجع على مواقع التواصل الاجتماعي تبحث عن من يدعم هذه الأسر، ورغم ذلك تشعر بأن سكان عدن يعيشون التناقض بكل ما تحمله الكلمة من معنى "الفقر والغناء" ترى الفقراء يجوبون الطرقات يتسولون للحصول على لقمة العيش وتحدث نفسك لما كل هذا الفقر يصيب مدينة الثروة والسلام؟ ماذا جرى ومن المتسبب؟ وفي الجانب الأخرى ترى الأغنياء بسياراتهم الفارهة يتنزهون في الطرقات يتنقلون من مول إلى مول ومن كافيه إلى كافيه لا يبالون ويعيشون حياة جميلة لا كدر فيها ولا نَصَبّ.


أطفالنا والخوف من المجتمع
 
القانون العام للتربية والتعليم رقم (45) لسنة 1992م تؤكد المادة رقم (8) بأن التعليم مجاني في كل مراحله وتكفله الدولة وتحقق الدولة هذا المبدأ تدريجيًا وفق خطّة يقرها مجلس الوزراء وتوضح المادة التاسعة من نفس القانون أن تعمل الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف عائقا أمام بعض الأسر للاستفادة من حق أبنائهم في التعليم،  ورغم هذا القانون الصريح والقوي إلا أننا نرى في طرقات عدن أطفال يشقون للحصول على لقمة العيش من وسط براميل القمامة وهو يلتقط العلب الفارغة، حيث ترى تجاعيد السنين على وجوههم وكأنهم شيوخا في الستين وفي الوقت الذي من المفروض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، تجد أطفال يحملون شول مليئة بالعلب بدلا من الحقيبة المدرسية الممتلئة بالكتب، وحين تتحدث معه لماذا يعمل في جمع العلب؟ يبتسم لك ابتسامة وينظر إلى شوله ويقول "لقمة العيش تجبرك، وإن سألته عن التعليم؟ يضحك بصوت عالي ولسان حاله أي تعليم وأنا ما أجد في بيتي لقمة تسد جوعي وجوع أخوتي؟ من يعطيني مصاريف الدراسة التي تكسر الظهر من الغلاء؟


نجيب سالم طفل يبلغ من العمر 15 عامًا رفض الحديث أو التقاط صورة له وقال "لا تصورينا بكسر لك الجوال لو صورتينا!! وحين سألته ليش؟ ينظر إلى الأرض بخجل وقال لو صورتينا ونشرتي صورتي تفضحينا فأنا من مديرية أخرى آتي إلى مديرية صيرة بعيد من جيراني ومن يعرفني حتى لا يشاهدونني زملائي وجيراني وأنا أبحث وسط براميل القمامة عن العلب الفاضية وأبيعها ولو صورتينا الكل يشوف صورتي كانت دموعه حاضرة أوجعتني".

وعن سؤال هل تروح المدرسة قال "خرجت من المدرسة من صف خامس بعد أن عجز أبي عن توفير مستلزمات المدرسة لي ولأخوتي، نحن سته إخوة ".


وعن وضعه الأسري قال أبي عامل بالأجر اليومي هو من حزب خليك في البيت كان عامل في أحد المصانع بعد أن ضاعت المصانع أصبح بلا عمل يعمل يوم نقاش، ويوم منجد، ويوم حمال، حتى خارت قواه وأصيب بجلطة أقعدته حتى توفاه الله قبل أربعة أعوام وكان لازم أحد يخرج يبحث عن عمل ".
تركته وهو يستحلفني ألّا انشر صورته خوفا من مجتمع لا يرحم.

الطفل حارث أحمد في الصف الرابع لم يتجاوز العاشرة من العمر تجده يجلس في ركن منزوي وأمامه ميزان وكلما مر بقربه أحد يسألهم أن يوزن، سألت حارث تدرس؟ قال نعم أدرس الصبح بس الآن المدرسة مضربين واشتغل العصر وعن السبب قال "تراكمت على أبي الديون  وأنا أحاول أساعد أبي بما أقدر ".   

شباب عدن براعم يدفنون في طرقات

يؤكد قانون العمل رقم (5) لسنة 1995م في المادة الخامسة منها بأن العمل حق طبيعي لكل مواطن وواجب على كل قادر عليه بشروط وفرص وضمانات وحقوق متكافئة دون تمييز بسبب الجنس أو السن أو العرق أو اللون أو العقيدة أو اللغة وتنظم الدولة بقدر الإمكان حق الحصول على العمل من خلال التخطيط المتنامي للاقتصاد الوطني، رغم القانون الذي يؤكد على حق العمل تجد الكثير من شباب بدون  عمل، فشباب عدن شباب مكافح يعافر من أجل توفير لقمة العيش الشريف وأنت تتجول في طرقات عدن ترى شباب يقفون في ناصية الطرقات يبيعون ويشترون في كثير من المجالات وأكثر ما يلفت نظرك عربات الطعام، بسطات لبيع العطور و إكسسوارات  ومنهم من يعمل عربية مشروبات عصائر (سلش) بنكهات مختلفة ومنهم من يبيع آيس كريم ومنهم من فتح كشك تُمبل أو مفرش خُضار أو ملابس وفي من ربي فتح عليه وفتح كافيه الكل في عمل زي النحل وكثير ما يصادفهم من يعرقل عملهم وجهدهم منها غلاء المواد المستخدمة أو انعدامها،  والتضارب بالعملة هو ما يوجع هؤلاء  الشباب إلى جانب القرارات الحكومية التي تمنع هؤلاء الشباب من ممارسة عملهم، حيث تقوم البلدية بأوقات كثير بالمرور وسحب البضاعة وهو ما يؤدي إلى شعور الشباب بالإحباط ويتمنون أن يوجدوا لهم سوق يجمعها إذا هم يشوهون الطرقات كما يقال".

قال كثير من الشباب تقفل في وجهنا كل أبواب الوظائف سواء كان وظيفة حكومي أو في المنظمات فكل مسؤول يأتي بموظفين من الأقرباء ومن أهالي قريته فهناك الكثير من أبناء المحافظات الأخرى يتوظفون في محافظة عدن في كافة المجالات ونحن أبناء عدن  لم نعد نجد أي وظيفة ما عدى الاعتماد على ذاتنا وتفكيرنا والكثير منا أخذ قرض مضاعف والبعض كان أكثر حظ وحصل على دعم من المنظمات وللأسف الملاحظ  بأن من حصل دعم لم يعد يفتح البسطة أو يمارس النشاط إلا قلة قليلة منهم فأغلبهم نازحين فهم لهم الأولوية في دعم المنظمات وكل واحد يستلم الدعم يعود إلى منطقته ".

وهو ما يؤكده الشاب عمار عبده أحمد خريج حقوق  يعمل في كشك لبيع التنبل حسب قوله"سجلت في الخدمة المدنية وقدمت إلى مكاتب محاماة منها أتدرب ومنها أحصل على راتب، لكن للأسف المجهود كبير والمقابل لا يسد جوع أحد  30 أو 40 ألف أيش تجيب؟، اليوم ورغم هذا قدمت ملفي إلى كثير من المواقع وللأسف لم أتوفق مما دفعنا للاعتماد على ذاتي وفتح مشروع الخاص لبيع التمبل ".

يقول عمار "كلفني المشروع 500 ألف والحمد أستطيع أعيش منه عمار متزوج ولديه طفلة ".
عبده قاسم فرحان
عبده قاسم فرحان

عبده قاسم فرحان متزوج وأب لخمسة أطفال يقول "فتحت بسطة لبيع الأحذية من أجل أن أصرف على أسرتي ليس لدي عمل حكومي والأطفال محتاجين كل شيء مدارس، أعياد، وحياة يومية، فمن أين أصرف عليها؟
ويضيف "محتاج من يدعمني لأجل أنزل البضاعة للبسطة وأطلب الله أقوى من الآن، بدأت أعمل بالبسطة حبة حبة وبعت ذهب أمي الله يحفظها ونزلت بضاعة نطلب الله ونوسع البسطة".

وعن الصعوبات قال "نلاقي الكثير من المضايقات من البلدية والعوائق وإضافة إلى أن السوق ميت وعلينا ديون للتجار وأصحاب البضاعة ".

عبده قاسم يقول، محتاجين أحد ينتشلنا من هذا الوضع المزري فالدين يخنقنا فأين اليد التي ستساعدنا؟".
عبدالله محمد
عبدالله محمد

الشاب عبدالله محمد شاب في العشرينات من العمر لديه بسطة لبيع مشروبات سليش بنكهات مختلفة، قال "وجدنا أنفسنا أمام خيارين يا نتعسكر أو نبقى بلا عمل لهذا دخلت في سلك العسكرية ولكن حاليا توقف الراتب، حيث يأتي شهر وشهور ما نشوفه" .

ويكمل: "فكرت أعمل بسطة لبيع المشروبات الباردة خاصة والدنيا صيف والناس محتاج للبارد والحمدلله المشروع شغال، فنحن الشباب بحاجة إلى أن نعتمد على أنفسنا من أجل لقمة العيش فالوضع والحال لا يسمح لك تفكر بالمستقبل بل كيف تجري وراء لقمة العيش اليومي". 

عبدالله يقدم نصيح من واقع يعيشه ويقول "لا تعتمد على أحد أو تتعذر بالأوضاع ولا تقول أنه لا يوجد عمل اعتمد على نفسك وتوكل على الله فمن يتوكل على الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "، ويضيف قائلا "مشروعي من حر مالي واعتمدت على نفسي فيه".

بعض طلاب الجامعة قالوا توقفنا عن الدراسة لعدم قدرتنا على دفع قيمة المواصلات إلى الحرم الجامعي. 

وقال فيصل علي "في كل دول العالم هناك مقاعد مخصص لطلاب العلم في وسائل المواصلات تصرف له بطاقة مجانية إلا في اليمن تقضي ارتفاع أسعار المواصلات على مستقبل الكثير منا فعندما تصل أجرة المواصلات إلى (ثلاثة ألف) في اليوم كيف نتصرف؟ ليس أمامنا إلا ترك مقاعد الدراسة لتوفير المبلغ، وقبل فترة وفر لنا المحافظ باصات لكن للأسف اختفت هذا الباصات".

لم يقتصر فتح البسطات على الشباب من فئة الذكور ولكن تعدّ الأمر لتجد فتيات شابات فاتحات بسطات وتجلس في الشارع خلف البسطة تبيع بضاعة تستخلص منها مصروف يومها فربما خلف هذا الشاب أو الشابة أسرة جائعة ليس لهم معيل وربما هو البحث عن مصاريف الدراسة التي تقسم الظهر.

نرمين سعد قالت "ليس أمامنا إلا أن نعتمد على أنفسنا بتفكيرنا أو على أجسادنا لكن نحن فضلنا الاعتماد على أفكارنا وفتحنا لأنفسنا بوابة عمل خاص وشريف نسترزق منها بالحلال".

وعن فكرة الزواج قالت "لم يعد الزواج مضمون فلا نريد أن نكرر مأساة أمهاتنا فينا حين نجد شريكنا بلا عمل، لهذا الأفضل أن تعتمدي على نفسك فالزواج لم يعد باب آمن".

 تقول شريفة علي سعد "أنا مطلقة والحمدلله ليس معي أطفال لم أكمل ستة أشهر في حياتي الزوجية والسبب عدم قدرة زوجي على إيجار المنزل فكم من شاب وشابة متزوجين وكلا منهما في منزل أسرته عاجز على توفير منزل زوجية بسبب ارتفاع الإيجارات التي قضت على أحلام الكثير في إيجاد سكن لا ندري إلى متى سوف نصمد نحن الشباب متى نصرخ كفى عبتا بحاتنا وتجلجل أصواتنا في الطرقات والمنابر؟ ".

سهام أحمد سعيد امرأة مطلقة ولديها ثلاثة أطفال تقول، كان لازم أشقي على أطفال بالحلال فأنا امرأة مطلقة ومعي ثلاثة أطفال بحاجة إلى رعاية واهتمام، فمن سيعطينا لو لم أشقى".

وعن المشروع الخاص بها قالت "هذا المشروع ليس ملكي فأنا مجرد بايعة أبيع لصاحب البضاعة ".

وتضيف "تاجر الله يستر عليه يعطني البضاعة عبارة عن مجموعة معلبات فاصوليا فول، وحليب الشاهي، أبعيها والحمدلله اروح على الأقل بمصروف يومي لا يتجاوز أربع ألف ".

سهام امرأة قوية بحاجة إلى من يقف معها فهي لم تلجأ إلى اساليب رخيصة بل اشتغلت لتحمي نفسها وأطفالها من ذل السؤال والحاجة ".

تقول سهام "أتعب وأشقي ولا أمد يدي لكل من هب ودب، أنا امرأة عزيزة والشغل ليس عيب ولا حرام أجلس مكاني العصر إلى الساعة تسع ونص وابني يساعدني ويقف معي نبيع ما يقدر لنا الله".
 
أمهات ونساء عفيفات

قرار مجلس الأمن رقم1325 يشكل أهمية بالغة كونه يضع حدا للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة أثناء النزاعات المسلحة وما بعدها، تنفيذا للمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية التي تحث الدول على حماية المرأة ووقايتها من أي انتهاك لحقوقها في وقت  النزاع، وتمكينها من المشاركة في عملية صنع القرار بالرغْم من هذا القرار تجد بعض النساء ليس لها صوت ولا يتخذ  رأيها  في أي  شيء بل تجد البعض منهن بعد تسع سنوات حرب تعاني الكثير من ويلات هذه الحرب التي قضت على الأسر ودفعت الكثير من النساء للتسول تجدها تجلس في ركن مُنزوي تتلحف السواد تخاف أن تراها العيون لا يظهر منها شيء غير يد ممدودة في بعض الأحيان لا تسمع لها صوت إلا دعاء يثلج الصدر حين تمد لها ما تجود به نفسك، هكذا أصبح وضع الكثير من النساء في عدن  وكثير ما تجدهن عند  بوابات المساجد في يوم الجمعة تكون أكثر  النساء هناك  ينتظرن ما يجود به المصلين.

ويقول أحد المواطنين وهو رجل في السبعين من العمر، بأن أغلب من يمارسون مهنة التسول في مديرية صيرة يأتون من مديريات أخرى والبعض من حوافي بعيدة لا أحد يتسول في منطقتهم خوفا من العيب وكلام الناس.

موجع ما وصل إليه حال الأسر في عدن نحن بحاجة إلى صحوة ضمير وأقلام حرة تتناول الأوضاع دون خوف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى