​بعد حرب ثمان سنوات وهدنة متعثرة لأكثر من عام تجرى مفاوضات بين الإقليم والعالم من جهة وحكام صنعاء الجدد من جهة أخرى بعيدا عن الشرعية المعترف بها إقليميًا ودوليًا ومتجاهلًا لقضية الجنوب وممثلها المجلس الانتقالي، كل ذلك يجري ولا زالت صنعاء تهدد بالضربات الصاروخية والطائرات المسيرة مما يعني أن تلك المفاوضات تتم تحت تهديد السلاح وسيكون بالنتيجة حلول غير متوازنة وغير واقعية لا أحد يدري من الذي سيتحمل كل تلك النتائج وعلى أي أرض ستنفذ علمًا بأن الجنوب لا زال يعيش حالة حرب مع الحوثي وحرب مع الإرهاب وحصار محكم من قبل الشرعية التي تعرقل سير الحياة الطبيعية فيه.
 
للتذكير فقط
وبالعودة إلى سير الأحداث منذ البداية، سنجد بأن هناك قوى مكنت الحوثي من أن يصبح حاكما في صنعاء ويملك ترسانة من الأسلحة يهدد بها الإقليم والعالم، ووفقًا لكل المحددات العسكرية والأمنية لن يستطيع الحوثي الاستيلاء على عاصمة الدولة دون مساعدة من قوى سياسية محلية (المؤتمر الشعبي العام) وتخاذل قوى سياسية أخرى (حزب الإصلاح) مع مساهمة قوى إقليمية ودولية من تمكينه على البقاء من خلال المساعدة في  تمرير الأسلحة عبر أراضيها والسماح لممثلي هذا المشروع بالإطلال على العالم عبرها وهناك من قدم دعم مادي وسياسي وهناك دعم دولي واضح لمنع هذا المشروع من السقوط حيث كان يسارع في التدخل لوقف الانتصار عليه وأوضح مثال على ذلك، منع  قوات العمالقة الجنوبية من اقتحام الحديدة وميناءها تحت حجة الوضع الإنساني بينما الوضع الإنساني عند اقتحام وغزو عدن في 2015  لم يكن حاضرا لدى هذه الدول، كما تم فتح الحصار على ميناء الحديدة ومطار صنعاء دون فرض أية رقابة وكأن شيئًا لم يكن وبينما تقوم الشرعية الهاربة من صنعاء بتشديد الحصار على ميناء عدن وكل شيء في الجنوب وعلى هذا أصبح حاكم صنعاء أمر واقع على سن ورمح  كما يقولون وهكذا ستصنع له مكانة بالدعم المتوفر له من كافة القوى المحلية والإقليمية والدولية والسؤال كيف يمكن للجنوب أن يقبل أن يكون شريكا في إطار دولة واحدة لمشروع دولة دينية يتم زرعه عنوة في خاصرة الجزيرة العربية تتبع دولة إقليمية تسمى إيران وهل فكّر المفاوض الإقليمي والدولي أن ذلك غير ممكن ومستحيل؟، كما أن فرضية الوحدة التي يتشدقون بها ويستخدمها البعض ذريعة قد انتفت بل دفنت بسبب تخلي القوى السياسية اليمنية عنها وهم بين من تحالف مع الحوثي وسلّمه الدولة وبين من ترك الساحة للحوثي دون مقاومة وولى هاربا لهذا لا يحق لأي منهما بالحديث عن الوحدة إطلاقا طالما كانوا هما السبب في تمكين الحوثي في صنعاء، كما أن الحوثي آخر من يتكلم عن الوحدة وهو يصنع نظام ديني لا يتوافق الجنوب معه إطلاقا لذا فالجنوب في حل من أي وحدة.  

هل يعرف المفاوضون وأكيد يعرفون بأن من يفاوضوه في صنعاء يحمل مشروع دولة دينية تستمد مرجعياتها من صراعات جرت قبل أربعة عشر قرنا ونسخة طبق الأصل لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران وهل يدرون بأن هذا المشروع هزم في الجنوب بفضل مقاومة شعب الجنوب ودعم الأشقاء في التحالف بينما الشرعية الهاربة من صنعاء فشلت في هزيمته رغم الدعم الهائل من التحالف العربي.

السؤال كيف يمكن التفاوض مع هذا المشروع وهو يعتقد بأنه انتصر ويعتبر الأطراف الأخرى مرتزقة وأن عليهم العودة إلى حضنه دون أي شروط مسبقة وقبل ذلك يعتبر أن المناطق المحررة وهي جنوبية محتلة من قبل دول العدوان حسب وصفه؟ طيب كيف يمكن تفسير هزيمة هذا المشروع بالجنوب؟ أين ستذهب استحقاقات الجنوبيين الذي ناضلوا من أجل تحقيقيها منذ اجتياح الجنوب عام 94 مرورا بالحراك الشعبي السلمي وحتى تحقيق الانتصار عليه عند الغزو 2015؟ وأين سنضع غزو الشرعية للجنوب عام 2019م تحت أي بند في المفاوضات القادمة؟ ببساطة هناك ثلاث غزوات متتالية شمالية التوجه ضد الجنوب وهو يقاوم وفي نهاية المطاف ينتصر سنلاحظ بأن هناك قاسم مشترك بين كل الغزوات وهي السيطرة الكاملة على الجنوب بالقوة وإعادته إلى باب اليمن والسؤال أين موقع المفاوض الجنوبي بين كل المتفاوضين؟ وهل سيملك الاستقلالية كند في المفاوضات القادمة لمواجهة كل أصحاب تلك الغزوات أو أنه سيكون تابعا لأحدهم أو كيف الخبر؟ لازم من وضوح الرؤية حتى لا تفشل تلك المفاوضات للوصول إلى الاستحقاقات المطلوبة لكل طرف أو أن هناك من سيتفاوض عن الجميع وبعدها يطلب منهم المباركة والتوقيع على النتائج كيفما كانت.

الواقع في الجنوب يختلف عن ما هو موجود في الشمال والذي يفكر أن باستطاعته عمل خلطه سياسية من نوع ما لا تستند على أسس واقعية فهو أما أنه لا يعرف الواقع في اليمن أو أنه يتجاهل هذا الواقع لهدف ما في نفسه.

البعض يعتبر الجنوب فرعا يجب عودته إلى أصله وهذا يرفضه الجنوبيون والبعض الآخر يعتبر أن الجنوب لديه قضايا حقوقية من مرتبات يمكن حلها وهذا تسطيح لما يجري وكل هذه النظرات التي البعض لا زال يحملها في الجهة الشمالية أدت إلى حروب وصراعات لا تنتهي، فالجنوب يبحث عن كرامة وعن حريته واستقلاليته.

إن كان هناك من يسمع للنصائح فالحل يكمن في أن يذهب الجنوبيون إلى توافقات فيما بينهم حول شكل الدولة والتي قد تم حسم شكلها الاتحادي ولم يتبقى إلا التفاصيل الدستورية وغيرها وحل كل مشاكلهم منذ الاستقلال إلى اليوم على أسس التسامح والتصالح للعيش المشترك فيما بينهم ويذهب الشماليون ليتوافقوا حول شكل الدولة ويتسامحوا ويتصالحوا منذ ثورة 26 سبتمبر حتى اليوم  وحل كل الاشكاليات فيما بينهم لبناء دولتهم المستقلة وكل ذلك يجري بمساعدة الإقليم العربي عبر مجلس التعاون أو عبر الجامعة العربية أو مجتمعين وتحت إشرافهم على حفظ الأمن والاستقرار والدعم الكامل لإدماج الدولتين في إطار المشروع العربي التكاملي في الجزيرة والخليج خدمة للأمن والاستقرار وإبعاد أية تدخلات خارجية أي كان مصدرها.
حان الوقت لاتخاذ قرارات شجاعة وواقعية خدمة لشعوب المنطقة لتحقيق الرفاه والأمن والتعاون فيما بينهم والحفاظ على استقلالهم وحريتهم. 
خاص بـ "الأيام"