تصعيد صنعاء يعاند مرونة الرياض

> "الأيام" العرب:

> ​انقلب التفاؤل الذي أشاعته الأخبار الأخيرة بشأن حدوث تقدّم في جهود السلام في اليمن وتسريب بنود مسوّدة اتفاق تهدئة شاملة، إلى موجة تشاؤم غذّتها أخبار معاكسة عن تصعيد الحوثيين لمطالبهم من المملكة العربية السعودية ورفضهم التوقيع على خارطة طريق تتضمّن بنودا اقتصادية وإنسانية، بالإضافة إلى إقدامهم على خطوة تصعيدية خطرة بتعرّضهم للملاحة الدولية في البحر الأحمر.

ويشكّل ذلك انتكاسة كبيرة للجهود التي بذلتها السعودية لتحقيق تهدئة في اليمن تفتح الباب لعملية سلام جادّة تتيح للمملكة الخروج من الصراع اليمني والتفرّغ لمخططها التنموي الطموح الذي يصعب الدفع بكثير من بنوده في أجواء الحرب والتوتّر.

وتقول مصادر سياسية إنّ الرياض بصدد اتّخاذ خطوات سريعة لمنع الأوضاع في اليمن من الارتداد إلى مربّع التصعيد الشامل، ومحاولة إقناع الحوثيين بعدم التمادي في التصعيد ومواصلة الحوار معها بشأن السلام.

وتشمل الجهود، بحسب المصادر، إيفاد وفد من المملكة إلى صنعاء لإجراء المزيد من المحادثات مع القيادات الحوثية هناك.

ونقل الصحافي اليمني فارس الحميري عن مصدر يمني، وصفه بالمطلع، قوله “إنّ وفدا سعوديا يُتوقع أن يزور صنعاء خلال الأيام القادمة للقاء قيادات من جماعة الحوثي”.

ومن جهته أكّد الإعلامي صلاح بن لغبر فشل جولة المفاوضات الجديدة التي جرت مؤخرا في الرياض والتي كان يفترض أن تتوج بالتوقيع على خارطة طريق تشمل جوانب اقتصادية وإنسانية لتكون أرضية يُبنى عليها وصولا إلى محادثات سلام، وذلك رغم الجهود المكثفة من قبل الدول المعنية وعلى رأسها السعودية.

وقال عبر حسابه في منصّة إكس إن ما حدث أنّ الحوثيين تراجعوا عن كل الاتفاقات ورفعوا سقف مطالبهم من جديد.

وبيّن أنّ هؤلاء عادوا ليصرّوا على توريد عائدات النفط  والغاز إلى البنك الذي يسيطرون عليه في صنعاء ودفع الرواتب من تلك العائدات، وهو ما يرفضه المجلس الانتقالي الجنوبي ويؤيده في ذلك المجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي.

وأوضح أن الرياض عرضت لتجاوز نقطة الخلاف هذه أن تدفع هي كل رواتب الموظفين في الشمال لمدة عام، لكن الحوثيين رفضوا ذلك.

ويصر الحوثيون، بحسب بن لغبر، على تحويل مقرّ البنك المركزي إلى صنعاء وهو ما يرفضه المجلس الانتقالي أيضا، موضّحا أن الاتّفاق الأصلي كان يقضي ببقاء البنك في عدن على أن يتم استحداث غرفة عمليات مشتركة له في دولة عربية، لكن الحوثيين تراجعوا عن هذا الاتفاق بعد موافقتهم سابقا.

ورغم ما أظهرته السعودية من مرونة كبيرة في التعاطي مع الملف اليمني وصولا إلى الاستجابة لرغبة الحوثيين في التحاور المباشر معها باعتبارها، في نظرهم، طرفا مباشرا بل أساسيا في الحرب ضدّهم، أبدوا تلكؤا وجنحوا للتصعيد في أكثر من مناسبة أهمها  إقدامهم على قصف تجمع للقوات داخل الأراضي السعودية ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من الجنود البحرينيين العاملين ضمن التحالف العسكري الذي تقوده المملكة.

ويرى مراقبون أنّ عدم تجاوب الحوثيين مع المرونة السعودية مأتاه أنّ قرارهم بشأن الحرب والسلم مرتبط بداعمتهم الإقليمية إيران التي يبدو أن من مصلحتها مواصلة تسليط الضغوط على المملكة رغم ما حدث مؤخّرا من مصالحة معها.

وجاء المنعطف الأكبر في مسار التصعيد الذي يسلكه الحوثيون مع شروعهم في تنفيذ تهديداتهم باستهداف حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، حيث أعلنوا الأحد عن خطفهم “سفينة شحن إسرائيلية” في البحر الأحمر واقتيادها إلى السواحل اليمنية.

وأتى ذلك في سياق سلسلة من الهجمات التي شنّها الحوثيون على جنوب إسرائيل في إطار ما يسمونه تضامنا مع قطاع غزة، قبل أن يهددوا الأسبوع الماضي ببدء استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وإمعانا في التصعيد حذرت جماعة الحوثي الإثنين من أي تدخل في المياه الإقليمية لليمن متوعّدة بـ”رد مناسب” على أي خطوة في اتجاه ذلك.

وجاء في تصريح لمحمد القادري قائد قوات الدفاع الساحلي التابعة للجماعة، نقلته قناة المسيرة الفضائية، أنّ قواته لديها “الأسلحة والصواريخ المناسبة للتعامل مع أي تطورات وبأعيرة نارية مناسبة وضربات في أي وقت وبأي مكان”.

وأضاف “نحن مقدمون على مرحلة جديدة نشهد فيها تطورا نوعيا داخل القوات البحرية ومنتشرون في مساحة واسعة من الساحل الغربي”.

واتّجهت أصابع الاتّهام إلى إيران بالوقوف وراء عملية خطف السفينة خصوصا وأن لها سوابق في التعرّض للملاحة الدولية من خلال تحويلها وجهة عدّة سفن في المياه القريبة من مجالها في السنوات الأخيرة.

غير أنّ طهران أنكرت أي تورط لها في استيلاء جماعة الحوثي على سفينة الشحن في البحر الأحمر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في مؤتمر صحفي الإثنين في طهران إن “جماعات المقاومة تتخذ القرارات بناء على مصالحها”.

والحوثيون جزء مما يسمى “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، ويضمّ أيضا حزب الله اللبناني وفصائل موالية لطهران في العراق وسوريا، وهي تشكيلات مسلّحة تنفّذ أيضا هجمات على إسرائيل ومصالح حليفتها الولايات المتحدة في المنطقة، منذ بدء الحرب في غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي.

ويتضمّن التعرض للملاحة الدولية تصعيدا خطرا قد يستوجب ردّ فعل دوليا، وأميركيا بالدرجة الأولى، بعد أن كانت كل من واشنطن وتل أبيب قد أهملتا الردّ على محاولات الجماعة الموالية لإيران استهداف إسرائيل بطائرات مسيّرة وصواريخ مجنّحة وقيامها بإسقاط طائرة مسيرة أميركية، معتبرتين ذلك أمرا هامشيا غير ذي تأثير عملي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى