الإدارة الأمريكية: نتنياهو يبحث عن مواجهة مع بايدن ويخلق أزمة لإنقاذ نفسه.. وصبرنا ينفد

> «الأيام» القدس العربي:

> يتبلور في واشنطن فهم بإمكانية أن نتنياهو يبحث عن مواجهة علنية مع الرئيس الأمريكي بايدن. محاولة جر الولايات المتحدة إلى حرب ضد إيران واضحة جداً، لذلك يبحث نتنياهو عن ذريعة لإنهاء الحرب بدون أي حسم استراتيجي. الولايات المتحدة ترى الوضع بشكل مختلف، وتعتقد أن سياسة مختلفة لإسرائيل ونظرة أبعد من فوهة المدافع والصواريخ، ستحدث انعطافة استراتيجية. ولحدوث ذلك، تريد الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بأن شهرين إضافيين من القتال في جنوب غزة لن يغيرا المعادلة. لأن قدرة حماس على السيطرة في القطاع سيتم تدميرها بالوسائل السياسية وليس العسكرية.

عندما تقرر الولايات المتحدة ترجيح أو تغيير سياسة أحد حلفائها، بالتأكيد مع التداعيات والتأثيرات على المصالح الأمريكية، فلديها صيغة مبنية على التشدد التدريجي. كل مرحلة يتم تطبيقها بعد نجاح سابقتها. يبدأ هذا بمحاولة الإقناع بحوار سري وتفعيل أدوات الضغط على أشخاص معينين أصحاب نفوذ، الذين تميل مواقفهم إلى موقف أمريكا. من هناك تتحرك إلى التسريبات عن “قلق الإدارة” وبعد ذلك يأتي التعبير عن “القلق العلني” من التأثيرات السلبية للسياسة غير المرغوب فيها، سواء على الحليف أو على الولايات المتحدة. ويصاغ ذلك في هذه المراحل، كرغبة صادقة وودية لمساعدة الحليف على تجنب الأخطاء المكلفة والأخطاء السياسية.

المرحلة التالية هي إحاطة 4 – 5 من المحللين وكتاب الأعمدة الذين يعرفون كيفية التحدث عن “الاختلافات الجوهرية في النقاشات الداخلية في الإدارة” أو عن “الميل إلى إعادة التفكير” في موقف الولايات المتحدة. بعد ذلك، تأتي مرحلة السياسة، وهي إحاطات أعضاء كونغرس يسألون “أسئلة صعبة” لموظف الإدارة الذي تم استدعاؤه لتقديم إفادته في اللجنة ذات الصلة أو بمبادرة منهم. في المرحلة اللاحقة، ينتقلون إلى التهديد بالإشارة: أشخاص يتولون مناصب رفيعة يعبرون عن تحفظ من سياسة غير مرغوب فيها، التي ما زالت مغلفة بكلام لطيف وتأييد عام. لكن الرسالة الواضحة أمر لا يمكن تفسيره بوجهين. في المرحلة قبل الأخيرة يقوم شخص مجهول، أو تم زرعه لدى عضو كونغرس، بطرح قائمة الإجابات الأمريكية المحتملة، بترتيب قوة متزايد، إذا لم تتم الموافقة على موقف أمريكا. والمرحلة الأخيرة هي الرئيس نفسه. فحسب نظام العمليات هذا شبه الثابت، فإن إسرائيل اليوم في المرحلة التي تسبق تكلم الرئيس نفسه.

في حالة إسرائيل والحرب في غزة، تبدو الصيغة معقدة أكثر بسبب دعم بايدن بعد مذبحة 7 تشرين الأول مادياً واقتصادياً وعسكرياً وردعياً وسياسياً. ثمة ادعاء مركزي يطرح في أوساط من يعارضون سياسة الإدارة الأمريكي وهو أن دعم بايدن قلص أداة الضغط والتأثير لديه. فقد أيد مكافأة إسرائيل بشكل كبير، وتحدث عن تدمير حماس، وهو الذي لم يضغط في أي يوم ولم يطلب من إسرائيل وقفاً شاملاً لإطلاق النار. لذلك، سيقع في شرك سياسي إذا طلب من إسرائيل التوقف. إضافة إلى ذلك، الدعم غير المتزن بالنسبة للمنتقدين ركز نحوه انتقاداً داخلياً ودولياً، في حين أن تأثيره في الحرب ضئيل.

والعكس هو الصحيح؛ ذلك لأن دعمه ليس محل شك، ولأن تاريخه في كل ما يتعلق بإسرائيل لا تشوبه شائبة، ولأن اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة كبير، فإن هامش مناورته أكبر وقدرته على تنفيذ التغييرات وتكييف سياسته غير محدود، دون أن يخسر أي رصيد سياسي. إذا تابعنا مراحل الصيغة السياسية الأمريكية، تبدو إسرائيل قريبة جداً من النقطة التي سينفد فيها صبر بايدن. يقتنع من هم في محيطه بأن هدف نتنياهو هو إطالة الحرب لأطول فترة ممكنة، لا لرؤية إنجاز استراتيجي مهم، الذي لدى الأمريكيين شكوك حول تحققه، بل لإنقاذ نفسه من أزماته السياسية والعائلية وعدم الإضرار بصورته. بعد مرور 61 يوماً على الحرب، يسهل نسيان أن بايدن لم يستدع نتنياهو إلى البيت الأبيض لتسعة أشهر بسبب معارضته الحازمة والفظة للانقلاب النظامي الذي أراد نتنياهو إحداثه في إسرائيل.

الثقة بين واشنطن ونتنياهو معدومة؛ فالأخير يعاني من عجز كبير في الثقة، ويعتبر حليفاً لا يعتمد عليه. أما بايدن، فيرى أن نتنياهو جر ويجر إسرائيل إلى خارج مجال القيم المشتركة التي هي أساس العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة. خلافاً لنتنياهو، لا يعتبر بايدن دولة إسرائيل وبنيامين نتنياهو كياناً واحداً حسب أسلوب لويس الرابع عشر وفرنسا، بل من ينتقدونه يعتبرون دعمه كنوع من الارتباط بنتنياهو. لذلك، عندما يقتنع بايدن بأن سياسة إسرائيل تعارض مواقف الولايات المتحدة وأنها تهدد مصالح رئيسية للولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر – منع التصعيد – وأنها غير شريكة في أي حالة في التفكير والتخطيط وتشكيل السياسة في غزة في اليوم التالي، فلن يتردد في تطبيق المرحلة النهائية في معادلة الردود الأمريكية.

بدأ العملية وزير الخارجية الأمريكي، الذي أوضح لإسرائيل بأنها لا تملك أشهراً، بل بضعة أسابيع، لمواصلة الحرب. وتواصل مع وزير الدفاع لويس أوستن، الذي حذر إسرائيل من أن أي عملية واسعة في جنوب قطاع غزة ستتحول من نجاح تكتيكي إلى فشل استراتيجي. ثم جاء خطاب نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس في دبي، حيث عرضت فيه للمرة الأولى خطة أفكار منظمة لأمريكا حول غزة ما بعد الحرب.

القاسم المشترك بين الثلاثة هو أن الولايات المتحدة استنتجت أن الحرب بالصيغة الحالية قد استنفدت نفسها، وأن على إسرائيل إجراء ملاءمات مهمة، وأن تبتعد عن إعلانها اليومي بأن الحرب ستستمر “أشهراً طويلة” إلى حين “تدمير حماس”. تم طرح ستة مبادئ موجهة، وهي: لن تغيير على حدود القطاع؛ ولا احتلال إسرائيلي لغزة؛ ولن يكون أي نقل للسكان الفلسطينيين داخل القطاع أو خارجه؛ ولن حصار مستمراً للقطاع؛ ولن تكون غزة بنية تحتية للإرهاب؛ ويجب تعزيز سلطة فلسطينية محدثة كي تشكل، حتى لو لم يكن هذا على الفور، جزءاً من البنية السلطوية في القطاع الذي سيتم توحيده مع الضفة الغربية.

لا يتفق نتنياهو مع أي مبدأ من هذه المبادئ. إضافة إلى ذلك، ألغى خيار السلطة الفلسطينية. يتبلور موقف داخل الإدارة الأمريكية يعتبر نتنياهو شخصاً واقعاً في أزمة سياسية ويبحث عن المواجهة مع بايدن كي يظهر وكأنه مُنع من تحقيق انتصار حاسم يغير الوضع. لا يكفي اتهام رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية وقائد المنطقة الجنوبية ورئيس “الشاباك”، بل يحتاج الأمر إلى هدف أكبر منهم لتضخيم حجم المهمة التي أعدها التاريخ لنتنياهو، ويحتاج إلى شخص لاتهامه. تقترب اللحظة التي سينفد فيها صبر بايدن ويقوم فيها بعملية فصل حادة بين دعمه لإسرائيل وبين سلوك نتنياهو.

 ألون بنكاس

هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى