​التعامل مع تهديدات الحوثي ملف شائك يهدد العلاقة بين واشنطن وتل أبيب

> «الأيام» غرفة الأخبار:

> يُعد التعامل مع "التهديد الحوثي" أحد الملفات الشائكة التي تهدد بتفجر العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، فرغم الدعم العسكري المفتوح الذي تقدمه واشنطن للمجهود الحربي للاحتلال، ثمة خلافات جوهرية بين الطرفين، أهمها أن واشنطن لا تبدو مرتاحة لفكرة حرب بلا نهاية في غزة، فضلًا عن تشككها في إمكانية إخضاع القطاع للسيطرة الإسرائيلية.

تبدو الخلافات أصعب حول ما يفعله الحوثيون في البحر الأحمر، إذ ترفض واشنطن توجيه ضربة عسكرية مباشرة للحوثيين، ما دفع نتنياهو لإبلاغ الإدارة الأميركية عزمه التحرك عسكريًا ضدهم إذا لم تتخذ واشنطن أي إجراءات . في الأخير، قررت واشنطن التدخل على استحياء من أجل حماية السفن التي قد يستهدفها الحوثيون، دون أن تتخذ قرارًا بالتصعيد المباشر ضدهم. وينبع هذا القرار المتحفِّظ حيال التهديدات الأمنية التي تواجه الملاحة في البحر الأحمر من حسابات معقدة، تتعلق في جوهرها بالأوضاع في اليمن والحرب الدائرة فيها منذ عام 2014.

يرتبط الموقف الأمريكي بعدم الاشتباك مع الحوثيين بتعقيدات أكبر متعلقة بحرب اليمن المُمتدة منذ تسع سنوات، حيث ترفض الولايات المتحدة وضع الجماعة على قوائم الإرهاب حتى اللحظة (باستثناء فترة قصيرة أواخر عهد إدارة ترامب) لترتيبات تعلقت بإقناع الأطراف المشاركة في الحرب باستحالة حسم الصراع عسكريًا، وضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات. ومع ظهور بوادر على رغبة الأطراف المختلفة في تليين مواقفها والتفاوض على حل سياسي، ترى الولايات المتحدة أنه لا يمكن المغامرة بالعودة إلى المربع صفر، وخاصة أن الحوثيين أثبتوا أنهم مكون لا يمكن تجاوزه في أي حل.

بالنسبة للسعودية التي تدخلت في اليمن منذ مارس عام 2015، بهدف ما وصفته بإعادة الشرعية اليمنية منذ سيطرة الحوثي على العاصمة صنعاء، فهي ترغب على ما يبدو في تقليل انخراطها المباشر خاصة على الصعيد العسكري، علاوة على أن جماعة الحوثي شملتها مؤخرًا مسارات سعودي عملت على خفض التصعيد وإعادة العلاقات الدبلوماسية. وبحسب ما نشرته وكالة "رويترز"، ضغطت السعودية على الولايات المتحدة، وطلبت منها بوضوح عدم مهاجمة الحوثيين، والالتزام معهم بضبط النفس، لأن ذلك يضُر بعملية السلام التي تقودها في اليمن، كما أن الاندفاع نحو حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط يهدد الممرات البحرية التي يمُر عبرها النفط السعودي، وهي أكبر مُصدر للنفط عالميًا.

في غضون ذلك، دلَّلت شواهد عدة على التأثير الذي أحدثه "طوفان الأقصى" على القرار السياسي العربي، بما في ذلك داخل اليمن نفسه. ومن ضمن التحولات الجديدة امتناع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا عن المشاركة في التحالف البحري الذي دعت إليه الولايات المتحدة لحماية خطوط الملاحة التي تتعرض لتهديدات الحوثيين، ما يعني نظريًا أن الجيش اليمني سوف يمتنع ضمنيا عن قتال الحوثيين في الداخل، وهو نفسه النداء الذي وجهته الجماعة لخصومها بـ"عدم التورط في أي أعمال عسكرية لصالح الكيان الصهيوني بالتزامن مع جرائمه في غزة، لأن من شأن ذلك أن يُشعل اليمن ضد الجميع".

وفي الوقت الذي يقول فيه الحوثيون الذين يسيطرون على ثلاثة موانئ رئيسية إن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر لها أهداف مُحددة ومعروفة للجميع ولا تستهدف إلا السفن الإسرائيلية، دعت الولايات المتحدة لتوسيع قوة المهام المشتركة 153، وهي وحدة عسكرية تضم 39 دولة تركز على تأمين ومكافحة الإرهاب في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد تولَّت مصر قيادتها منذ ديسمبر 2022، قبل تسليمها إلى الأسطول الخامس الأميركي الذي يتولى قيادتها حاليًا منذ يونيو الماضي. وبينما تتصدر مصر وإلى جوارها السعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة مسؤولية حماية التجارة العالمية، وسلامة عبور ناقلات النفط من قناة السويس، لا يبدو أن أحدا من هؤلاء يرغب في خوض مواجهة مباشرة مع الحوثيين في هذا التوقيت، خاصة أن عملية كتلك سوف تظهر بوصفها خدمة للمصالح الإسرائيلية أكثر من كونها طريقة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر.

وما يزيد من تعقيد الموقف أن إيران هدَّدت رسميًا على لسان وزير دفاعها من أن ذلك التحالف سيواجه مشكلات استثنائية، ووجَّهت تحذيرًا ضمنيًا للجميع بأن المنطقة لم تعُد قادرة على تحمل المزيد من صراعات القوى نتيجة ما أسماه بـ "الحماقات الأمريكية"، على حد تعبيره. وفي ضوء ذلك، لا أحد يميل لاتخاذ خطوات أحادية متسرعة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بسبب الرفض العربي من جهة وحتى إحجام العديد من حلفاء الولايات المتحدة الغربيين عن المشاركة وفي مقدمتهم إسبانيا، ومنعا لهدم سنوات من السلام مع الحوثيين من جهة أخرى، إلى جانب الرغبة في عدم توسيع الحرب إقليميًا، وهو نهج حرصت عليه واشنطن جزئيًا بعد أن حثت إسرائيل على عدم الرد عسكريًا على الحوثيين، لأن ذلك يمكن أن يشعل صراعًا أوسع في منطقة على حافة الهاوية بالفعل، بحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية .
  • تعقيدات نقاط القوة والضعف
بيد أنه لا التحذيرات ولا التحركات الأميركية المحدودة أفلحت في دفع الحوثيين لإيقاف هجماتهم التي تسببت في توقف شبه كامل لوصول السفن إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، وإجبار السفن المتجهة إلى إسرائيل على استخدام الطريق الأطول للوصول إلى أوروبا حول أفريقيا حتى لا تُستَهدف، ما يجعل الرحلة أطول بثلاثة أسابيع وأكثر تكلفة. ورغم ابتعاد ميناء إيلات عن قاعدة إطلاق الصواريخ الحوثية في صنعاء بنحو 2000 كيلومتر تقريبًا، فإن الصواريخ الحوثية استطاعت الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية بغض النظر عن محدودية ما حققته من أضرار. وسبق ونقل موقع "بوليتيكو" الأمريكي عن مسؤولين في البنتاغون أن تكلفة إسقاط مُسيَّرات وصواريخ الحوثيين تُشكِّل مصدر قلق متزايد، حيث تكلف الصواريخ مليوني دولار لاعتراض مُسيَّرة تكلفتها ألفا دولار، وهو ما يرفع كلفة الصراع، ويدفع واشنطن للنظر في خيارات أقل تكلفة للدفاع الجوي، ومنها المفاوضات.

ما يزيد الأمور تعقيدًا لدى الولايات المتحدة أنها ترغب في تحقيق أهداف متعارضة في الوقت نفسه. فمن ناحية، تعتبر نفسها مُلزمة بحماية المصالح الإسرائيلية والبحر الأحمر باعتباره منطقة ذات مصالح استراتيجية، ومن ناحية أخرى لا ترغب في زيادة التصعيد مع إيران وحلفائها في المنطقة كي لا تزيد الأمور تعقيدًا على المحور الشمالي ممثلًا في حزب الله اللبناني، الذي بدأ بالفعل اشتباكات مع إسرائيل ما انفكت تزداد عنفًا. وفي الوقت نفسه، اختبرت إيران شرعية تصعيدها عبر المؤتمر الدولي الذي دعت إليه من أجل غزة، وحضره ممثلون عن أكثر من 50 دولة، وانتقد جميعهم الولايات المتحدة، ما يشير إلى أن واشنطن قد تتجه لمراجعة خيارات الاحتواء أو التصعيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى