ولي ذكرياتي.. كتاب رصد بإتقان أحداث عقود من الزمن عاصرها الكاتب في مسيرته العسكرية

> أثناء قراءتي للذكريات وجدت نفسي أعيش لحظات شيقة، أعادتني إلى الخلف إلى سنوات كنا جزءًا من تلك المؤسسة العسكرية الوطنية الجنوبية، والتي نشأت مع بداية القرن العشرين بوحدات صغيرة محدودة، لأغراض تخدم الأمن والاستقرار في المنطقة، التي كانت تديرها بريطانيا ليس الجنوب وحسب، وحتى الخليج العربي والقرن الأفريقي.

سعدت بالتعرف على نشأة ذلك الشاب الخلوق ناصر الحربي الذي انضم كأحد منتسبي جيش الجنوب العربي في منتصف الستينات، وعادة من ينضم لتلك المؤسسة العسكرية يعاد تشكيل شخصيته، ليخرج من عباءة المدنية إلى رحاب النشاط العسكري، يتعلم مبادئ النظام والانضباط وحسن الأداء والتمسك بالقانون، حتى تصبح تلك جزءًا من شخصيته الجديدة، ترافقه في مسيرته العسكرية حتى النهاية.

احتوى في طياته خبرة سنين من العمل الجاد في إطار القوات المسلحة
احتوى في طياته خبرة سنين من العمل الجاد في إطار القوات المسلحة

تنقل في مسيرته العسكرية من موقع إلى آخر في إطار المؤسسة العسكرية في الداخل والخارج، وكسب خبرات أهلته لكي يحصل في نهاية سبعينات القرن الماضي على فرصة تأهيل عالٍ في الإدارة والإمداد والتموين، وتخرج من الأكاديمية العسكرية بمرتبة الشرف، وعاد إلى الوطن ليواصل الخدمة.

ما لفت انتباهي بعد عودته في عام 81م من الدراسة انشغل بمنصبه الجديد، لمواصلة أعمال الهيكلة للقوات على الطريق الذي بدأنا في إجرائها في نهاية السبعينات، ووفقًا لقرار وزير الدفاع آنذاك علي عنتر، ورئيس الأركان العامة بن حسينون. بإعادة الهيكلة، وإعداد الخطة الخمسية 81/85، وأضاف رئيس الأركان بناء خط دفاعي في مدخل وادي حضرموت، وغادرنا للدراسة العليا في موسكو.

شكلت لجنة برئاستي وعضوية رئيس العمليات حسين عرب، ورئيس الإمداد والتموين عبدربه هادي، بدأنا في إعادة النظر في هيكلة القوات، حيث خضنا نقاشات مطولة ومعقدة وخاصة مع المستشارين السوفييت، الذين كانوا يدافعون عن خطة سابقة كانوا هم من أعدها 77/81، وكنا نراها غير عملية ولا تناسب مسرح العمليات القتالية لبلادنا، ولا تتوافق مع إمكانياتنا الاقتصادية، ولا مع القوى البشرية، فقد كانت مضخمة بدون فعالية عسكرية، ولا يستفاد منها أثناء الأعمال القتالية، ولا يستوعبها مسرح العمليات خاصة، وقد خرجنا من حرب 79 م، أثبتت عدم فعاليتها على الأرض عند الاستخدامات القتالية، وخفضنا مستويات وحدات الدعم المستقلة للدبابات والمدفعية إلى مستوى الكتائب، لكن مع إنشاء لواء مدرع وألوية الصواريخ كاحتياط لوزارة الدفاع، وسرى ذلك على تشكيلات القوات الجوية والبحرية الداعمة، لتكون على مستوى الأسراب والتشكيلات البحرية، وأعددنا الميزانيات. واعتمدنا القوى البشرية لكل وحدة مع أنواع التسليح وغير ذلك.

وتم إصدار قرارات من قبل وزير الدفاع لتصبح نافذة. تم إعداد الخطة الخمسية وفقًا لثلاث محددات، أولًا خطة تأهيل الكادر محليًا وخارجيًا، ثانيًا خطة توريد الأسلحة، ثالثًا خطة بناء البنية التحتية، من مطارات وموانئ ومعسكرات وورش الخ، وكليات ومدارس متنوعة، مع تحديد مواقعها وخطة مستقلة للاستعداد القتالي، والجاهزية القتالية، مع تطوير منظومة الإنذار المبكر، وتأهيل نقاط القيادة والسيطرة، وتم تقديم الخطة بتفاصيل أخرى أكثر لمجلس الدفاع الوطني الأعلى، وتمت المصادقة عليها في 18 نوفمبر من عام 80 .

أما تجهيز خط الدفاع في مدخل وادي حضرموت فقد اتخذ قرارًا بإجراء مناورة بقوام لواء مشاة معزز بالذخيرة الحية في منطقة العبر، تشترك فيه القوات الجوية، ولواء مليشيات من وادي حضرموت، وبعد انتهائها يتحول اللواء مع فريق من سلاح المهندسين للبدء في تنفيذ الخط الدفاعي، وفق التصاميم المصادق عليها من قبل وزير الدفاع،

كاتب الذكريات كانت له إسهامات كبيرة في نقل تجربة البناء التنظيمي والعسكري، وكذا المعارف العسكرية التي حصل عليها، إلى مؤسسات الجيش اليمني قبل الوحدة وبعد الوحدة، وإسهاماته الكبيرة أفادت تلك القوات إلى حد كبير وظل يواصل عطاءاته، مثله مثل بقية الكوادر العسكرية الجنوبية في مختلف صنوف القوات المسلحة اليمنية.

كتابة الذكريات ليس بالأمر السهل، ولكنها قدرة وفن، ومع تحديد خط مستقيم في تقييم الأحداث كما هي وإن تمت الزيادة أو النقصان، يشار إليها بأنها تعبر عن وجهة نظر كاتب الذكريات، وعلى العموم فقد توفق الأخ ناصر الحربي، في سرد ذكرياته بصدق وأمانة متجردًا من الذات، وأنصح كل قادة القوات المسلحة ممن لديهم القدرة على كتابة المذكرات أن لا يبخلوا في تسجيل كل ما لديهم من خبرات وتجارب، لإنارة طريق الأجيال القادمة وليتعرفوا على إنجازات الأجيال السابقة، وكذا الإخفاقات، وهذه الذكريات تستحق من المهتمين التعرف على سير بناء القوات المسلحة، وما رافقها من صعوبات، ومن إيجابيات وإخفاقات. وأخيرًا شكرًا للعميد ناصر الحربي، على تفضله بإطلاعي على هذا الكتاب الهام، ونتمنى له المزيد من إعداد ما لديه من خبرات ونشرها للاستفادة منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى