لعنة الوحدة الاندماجية.. متى ستستفيق القوى السياسية اليمنية من غفلتها؟

> لم تجلب الوحدات الاندماجية إلا الفشل وكانت تجربة الوحدة السورية المصرية خير مثال على ذلك، والتي لم تصمد إلا بضعة سنين بعدها تم الانفصال من جانب واحد، وبحكمة الرئيس عبدالناصر جنب الشعب المصري والسوري حروبًا لا طائل منها وانتهت بفك الارتباط السلس.

لكن جذوة الوحدة لم تنطفئ وظلت تراود الكثيرين من القادة العرب والأحزاب القومية العربية الأخرى، وظل الإعلام يولول ليل نهار على الوحدة بصيغتها الاندماجية، في الوقت الذي توجد صيغ أخرى مثل الوحدة الفيدرالية والكونفدرالية.

لم يكلف أحد بدراسة أسباب فشل الوحدة الاندماجية بين الدول العربية، ولم تبحث مراكز الدراسات ولا حتى المؤسسات التعليمية في الجامعات، وخاصة التي تدرس العلوم السياسية لطلابها، أين يكمن الخلل؟ وما هي الاستنتاجات التي تعطى كدروس تاريخية يتطلب تجنبها أو اختيار طرق وحدوية أخرى تكون ملائمة للواقع العربي، بل كانت النخب السياسية العربية ترمي فشلها على مؤامرات الاستعمار والرجعية.

لدى العرب أقدم مؤسسة سياسية (الجامعة العربية) تجمع كل الأنظمة العربية بمختلف توجهاتها، تشكلت منذ العام 1945م، ولكنها ظلت مظلة سياسية مرت عليها عقود من الزمن ولم تتغير، تشكلت فيها أطر سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية وغيرها، وظلت تلك الأطر في مكانها لم تنتقل إلى أرض الوقع، ولم تتأثر بتطور الأنظمة السياسية وتطور العلاقات الدولية، التي نشاهدها أمامنا، وكأن الزمن تجمد عند العرب، بينما تأسست منظمات إقليمية بعد الجامعة العربية بسنوات، مثل الاتحاد الأوروبي، وهي لا تجمع شعوبها لغة واحدة، ولا تاريخ مشترك، ولا دين واحد، وعلى أرض أوروبا دارت حربان عالميتان، ومع ذلك تحولت إلى كيان سياسي كونفدرالي، يتحرك الإنسان الأوروبي في جغرافيتها دون قيود، كما تتحرك الاستثمارات والتجارة أيضًا دون أي قيود، حتى إن ذلك الكيان أصدر عملة موحدة، وبنكًا مركزيًا واحدًا، ولكن كل ذلك لم يلغِ سيادة كل دولة من أعضاء ذلك الاتحاد.

وفي عالمنا العربي النموذج الوحيد الذي نجح هي دولة الإمارات العربية المتحدة، في صيغتها الاتحادية، وأصبحت دولة لها كيانها السياسي المتماسك، واقتصادها المزدهر، وعلاقاتها الدولية المؤثرة، ونجحت في مجالات علمية هائلة، بما في ذلك اقتحام الفضاء، وأصبح يشار لها بالبنان بين دول العالم.

وجاءت الوحدة اليمنية الاندماجية في ظرف تحولات عالمية كبيرة، وبدلًا من أن تكون عاملًا للأمن والاستقرار، والنهوض والتنمية، تحولت إلى كارثة حقيقية، دخلت في أزمات وصراعات وحروب بين دولة الجنوب ودولة الشمال، وانتصر الشمال واحتل الجنوب، وهناك تفاصيل معروفة لا داعي لتكرارها.

التحالف الذي احتل الجنوب انفض بعد شهر عسل طويل، استمر عقدين من الزمن تقريبًا، وأحد أسبابه الأساسية هو الاستئثار بالسلطة والثروة من قبل طرف، وإقصاء الطرف الآخر، وذهب كل منهم يبحث عن تحالفات واصطفافات جديدة، فالإخوان المسلمون ومعهم أحزاب المشترك. وعلي عبدالله صالح وراءه المؤتمر الشعبي العام وبعض الأحزاب الصغيرة، وتقاسما السلطة بعد تسليمها إلى طرف ثالث، وكل منهم يعتبر ذلك الطرف سلمًا للعبور، وكانت بالنسبة لكل منهم استراحة محارب حتى تتشكل تحالفات جديدة، سبقهم الزعيم في تحالفه مع أنصار الله الحوثيين، الطائفة الأقل حجمًا في المذهب الزيدي، والمرتبطة بالمذهب الاثني عشري، وسلمها ما لديه من عهدة، وهو الجيش والأمن والسلطات المركزية والمحلية للدولة، التي كان يملك أغلبها، بينما الطرف الآخر لم يقاوم، بل استسلم وولى هاربًا، منهم من ذهب إلى عدن، والبعض الآخر إلى السعودية.

شنّ الانقلابيون حربًا دارت رحاها على أرض الجنوب، وما زال في ذهنهم أن الجنوب سيذهب بعيدًا عن الوحدة الاندماجية، وخاصة وقد تمكن الجنوب من حشد طاقاته لاستعادة دولته، ومع ذلك تلقى الانقلابيون هزيمة من قبل المقاومة الجنوبية بمساعدة التحالف العربي، وعادوا إلى ما وراء حدود عام 90م.

السؤال إلى متى سيظل فكر القوى السياسية اليمنية متكلسًا ومصرًا على هذا النمط من شكل الدولة، حتى بعد أن شاهدوا فشلها في عقر دارها، وأضاعوا الجمهورية في عقر دارها صنعاء، وتدار من قبل نظام ولاية الفقيه، أما آن لهم أن يعيدوا صياغة مفهوم الدولة، حتى يستطيعوا أن يقنعوا أنصارهم بجدوى استعادة الجمهورية أولًا، ومن ثم التفكير بحاجة اسمها وحدة، إلى متى سيظلون حكامًا على الجنوب؟ وهل يعتقدون أن الدعم الإقليمي والعالمي سيستمر إلى ما لا نهاية وبدون حدود، وإلى متى سيظل الإقليم والعالم يحتجزون الجنوب رهينة لمشروع سياسي فاشل، وكأنه سبب الحروب والدمار وعدم الاستقرار في المنطقة؟

الجنوب رسم خارطة طريق المستقبل، وعمدها بدماء شهدائه وأقرها اللقاء التشاوري للقوى الجنوبية في مايو الماضي، بأن الجنوب سيتحول إلى دولة اتحادية، وكل إقليم فيه سيحكم نفسه ذاتيًا دون تدخل من المركز، وهذا هو طريق المصالحة والتغيير والبناء والمشاركة الواسعة، من قبل سكان كل إقليم ليشكلوا أنموذجًا يحتذى به، ولتكون دولة الجنوب دولة سلام واستقرار، تبني علاقاتها مع الجيران على أسس الأمن المشترك والتعاون البناء، لخدمة مصالح شعوبنا وأمتنا العربية والإسلامية.

حان الوقت لكي تستفيق القوى السياسية اليمنية من سباتها، وأن تبادر وتتخذ خطوات عملية لرص صفوف مناصريها في أراضي سيطرة الحوثيين، وتقديم مشروع سياسي وفق ما سيتوافقون عليه، لاستعادة أولًا الجمهورية، وبناء دولة على أسس عصرية جديدة تحمي مصالح كل مواطنيها، وتثبت الأمن والاستقرار مع جيرانها، وهذا طريق شاق وطويل، عليهم أن لا يتأخروا في أخذ الخطوة الأولى.

لا أحد يحلم بأن تظل الأوضاع كما هي عليه في الجنوب، فلن يقبله الجنوبيون، وهذه التشكيلة القائمة من حكومة ورئاسة لا تمثلهم، وهي ليست معنية بمعاناة شعب الجنوب، الذي يزداد فقرًا يومًا بعد يوم، وتتردى أوضاعه المعيشية، ويتدهور أمنه واستقراره، ولا أحد يعلم ماذا تخبئ له الأيام القادمة من كوارث، إن استمر الوضع كما هو عليه الآن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى