حان الوقت لتعديل المسارات.. الجنوب يدار ذاتيًا الآن

> الحوثي أصبح يتحكم بمعظم جغرافية الجمهورية العربية اليمنية، ويستمد قوته الأساسية من استكانة الشعب اليمني والقوى السياسية وإذعانهم لإرادته. ورغم فظاعة القبضة الأمنية القوية والتجاوزات التي يرتكبها بحق المواطنين رجالًا ونساءً وأطفالًا، إلا أنهم لم يبدوا أي مقاومة تذكر، حتى ولو كانت سلمية، ومن ناحيه أخرى الطرف الآخر من القوى السياسية اليمنية التي تمثل الشرعية لم تعمل بجد على إسقاطه، بل ومستعدة للجلوس معه على طاولة المفاوضات للتسوية وهي تحتجز الجنوب كرهينة، تحت ذريعة أنها المعترف بها دوليًا وإقليميًا، وتضعه للمساومة مقابل اعتراف الحوثي بها، ومنحها هامشًا سياسيًا للمشاركة في السلطة، وما يهمها أن صنعاء قد تغيرت وأصبحت طهران الصغيرة في جزيرة العرب.

ماراثون المفاوضات التي جرت مع الحوثي منذ الهدنة الأولى يعتبر اعترافًا إقليميًا ودوليًا، فيه والتفاصيل الأخرى تطبخ على نار هادئة وحصل على ترضيات، منها فتح ميناء الحديدة، ومطار صنعاء، وكثير من التسهيلات لتطمينه، والغريب بأنه الوحيد الذي يتم التفاوض معه وللمرة الثالثة. برفض التوقيع على الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها، أما الشرعية جاهزة للتوقيع حتى دون معرفة تفاصيل الاتفاق.

يعرف الجميع أن الجنوب بعد تحريره سلم للشرعية لأدارته تحت قيادة التحالف، ومع الأسف مع مرور الوقت أضحت أوضاع الجنوب تسير من سيئ إلى الأسوأ، بفعل سياسة الشرعية السيئة وتعاملها معه، وفق معيار بأن لا تسمح بتطبيع أوضاعه، وإيجاد نشاط اقتصادي وتنموي في حده الأدنى، حتى لا تتقوى المشاعر الانفصالية لدى الجنوبيين، حسب تصريح أحد قادة الشرعية على الهواء مباشرة، وتتفنن الشرعية في نشر الفساد والإرهاب والعبث بخدماته والتصرف بإيراداته في مجالات بعيدة عن الجنوب، ولم تلزم المحافظات الشمالية التي تتبعها بتوريد أي فلس إلى البنك المركزي بعدن، حتى وصل الجنوب اليوم إلى أدنى مستوى من الحياة المعيشية، بانهيار خطير للعملة، مع عدم دفع المرتبات، وانهيار الخدمات الكهربائية في عز الشتاء، كل ذلك قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وينفجر الشارع الجنوبي، وتخرج الأمور عن السيطرة،

دخل الحوثي لعبة الصراع الدولي من أوسع الأبواب مستغلًا قضية غزة، ويحاول من خلالها المزايدة لكسب تعاطف محلي وإقليمي ودولي لما لهذه القضية من مكانة في قلوب العرب والمسلمين وحتى العالم، وهو في الأساس تسبب في جلب أساطيل العالم ليسيطروا على مضيق باب المندب، بحجة حماية الملاحة الدولية، كما تسبب في ضرب قناة السويس وغيرها من المشاكل المصاحبة لمثل هذه الأعمال الحربية، التي سيتضرر منه العالم أجمع، غير أن هناك مستفيد واحد من كل هذا، وهي إيران التي تسعى لتثبيت موطئ قدم لها في مضيق باب المندب، حتى تصبح قوة إقليمية عظمى، عندما يكون تحت تصرفها مضيق باب المندب، إضافة إلى مضيق هرمز، وبالمناسبة نفس إيران تقوم بمهادنة الأمريكان في لبنان والعراق وسوريا، وقبل يومين أصدر الحشد الشعبي بيان توقيف العمليات العسكرية ضد القواعد الأمريكية، بتعليمات من قائد الحرس الثوري، أما حزب الله فظل شهرين يقصف برج الاتصالات على الحدود اللبنانية الاسرائيلية، واما ذراعها في سوريا لم يحرك ساكنًا، رغم الضربات الإسرائيلية للقواعد الإيرانية في سوريا.

السؤال لماذا اختارت إيران التصعيد في اليمن باستمرار إطلاق الصواريخ على السفن العابرة في المضيق؟ وكيف يقبل الأمريكان هدنة في العراق ولبنان وسوريا وتظل جبهة باب المندب ساخنة؟ وما وراء هذه المعادلة المضروبة؟ وهل هناك أجندات متفق عليها في اليمن مع إيران؟ ننتظر وستكشف لنا الأيام ما وراء الأكمة

أمام الوضع الملتبس للصراع. الدائر في البحر الأحمر يرافق ذلك إطلاق الحوثي الصواريخ الباليستية نحو المدن الجنوبية، ويشن هجمات برية على طول الحدود الجنوبية، مستغلًا غطاء هذه الحرب البحرية والصراع المفتعل مع التحالف العالمي في باب المندب، ليمكنه من الحشد والتجييش ضد الجنوب مع صمت مطبق للشرعية بجناحيها المجلس الرئاسي والحكومة، مع احتقان شديد بالشارع الجنوبي بسبب المعاناة الكبيرة في الكهرباء والمياه والرواتب، وانهيار العملة المحلية، وغلاء المعيشة، وزد على ذلك إطلاق عناصر الإرهاب ضد القوات الجنوبية، كل ذاك تشكل ظروفًا قابلة لانفجار الشارع الجنوبي في وجه الجميع، وهنا يأتي السؤال المهم أين موقع الانتقالي المفوض من قبل الشعب لاستعادة دولة الجنوب؟ هل سيلتقط اللحظة التاريخية لاستعادة زمام الأمور بالحفاظ على ما تبقى من كرامة لشعب الجنوب قبل أن تفلت الأمور من بين يديه ويأتي من يملأ الفراغ ويركب الموجه، ويختلط الحابل بالنابل وتضيع البوصلة عن الجميع؟

الحوثي أطلق النار على عملية التسوية وأدخل الإقليم والعالم في حرب الممرات، وكما أطلق المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح، النار على الوحدة بغزو الجنوب في عام 1994م، وتكرر ذلك في غزو 2015 بالاشتراك مع الحوثي، وكانت الضربة القاضية في غزو الجنوب من قبل الشرعية في 2019م، إضافة إلى الحروب الأخرى الموجهة ضد الجنوب، واليوم نشاهد شعب الجنوب يحتضر من الظلم وقساوة المعاناة التي يعيشها، بسبب سياسة الشرعية، ألا يكفي ذلك؟ إلى متى سننتظر إلى أن يباد شعب بكامله على أرضه؟ حان الوقت لتعديل المسارات ويعطى للجنوب حقه المشروع في إدارة شؤونه مثله مثل غيره من الشعوب، فالواقع اليوم على الأرض أن الجنوب ما زال محتلًا ويدار بعقلية القبيلي المتخلف، ولا يغرنكم الألقاب العلمية، فهي تباع في سوق الملح في باب اليمن مثلها مثل الرتب العسكرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى