​التغيير الحكومي وحراك التسويات والحلقة المفقودة

>
​بالتوازي مع تغيير رئيس حكومة الشرعية يجري حراك سياسي في اليمن من خلال ظهور المبعوثين  الأمريكي والأممي في بعض العواصم العربية المنخرطة بالتسوية التي تعثرت لفترة وجيزة بينما حرب الممرات التي انخرط بها الحوثي مستمرة في البحر الأحمر، وكذا ازدياد الأعمال القتالية على طول خط المواجهة مع الجنوب، ومن جانب آخر يقوم التحالف الغربي بتوجيه ضربات جوية لمناطق الحوثي كل ذلك النشاط السياسي والحربي يجري في وقت واحد وكأننا نشاهد فيلمًا هنديًا معدًا بعناية فائقة.

والسؤال كيف سيتم جمع أطراف الأزمة والمشهد السياسي والعسكري مبعثر ولا يجمعه أي جامع وكل حدث منفصل عن الآخر؟ هل نحن أمام مسرحية أعدت سلفًا وتجري فصولها تحت إشراف مخرج عالمي وإقليمي؟ وهل يستطيع أن يصل إلى النهاية التي يريدها ويتم فرضها على واقع لا يتحمل الكثير من فصولها؟
 
الحوثي انقلابي وتحركه أجندات إقليمية لا علاقة لها بالمجتمع اليمني، والشرعية كطرف أصبحت في العناية المركزة ولا تستطيع أن تؤثر على الواقع التي هي فيه وتستمد ديمومتها من الدعم الإقليمي والدولي، ومجلس انتقالي يمثل الجنوب مقيد في شراكة مع الشرعية المغيبة ويشاهد معاناة شعب الجنوب؛ ولكنه غير قادر على رفعها أو إزالتها بسبب عدم تمكنه من إدارة شؤون الجنوب بشكل مستقل حتى الآن.

أمام هذه التعقيدات التي نراها أمامنا يرتسم مشهدًا سياسيًا وعسكريًا متناقضًا كيف سيتم إدارة تسويات دون الخوض في تفاصيل ذلك المشهد المعقد؟ هل سيتم فرض تسويات سياسية من بنات أفكار الدول المنخرطة بالتسوية؟ وهل ستكون ملائمة لما يجري على الواقع؟ وما هي الضمانات التي يمتلكها رعاة مشروع التسوية لتحقيقها؟ هل سيتخلى الحوثي عن مشروعه السياسي لصالح المشروع الوطني اليمني؟ وهل الشرعية ستتخلى عن مشروعها الوطني لصالح المشروع الحوثي؟ وهما مشروعان متناقضان، وهل سيتخلى الانتقالي عن مشروعه السياسي لاستعادة دولة الجنوب للمشاريع اليمنية والحوثية؟ اعتقد أن في الأمر صعوبة بالغة وإذا عدنا للتاريخ القريب نجد أن كل المشاريع اليمنية حوثية وشرعية تلتقيان عند نقطة واحدة وهي إعادة الجنوب إلى باب اليمن، ودليلنا قيامهما بغزو الجنوب في 2015 بتحالف الحوثي وعفاش وسيروا الجيش اليمني لاحتلال عدن والجنوب وفي ذات الاتجاه الشرعية سيرت جيشها من مأرب لغزو عدن في عام 2019م ولم يستطيعا فرض إرادتهما.. إذًا كيف ستجمع ممثلي تلك المشاريع على طاولة حوار واحدة ولديهم مشاريع متناقضة؟ ولا أعتقد أن يقبل الانتقالي أن يجلس على طاولة واحدة معهم قبل أن تتوضح المشاريع التي يحملها كل منهم ومن الخطأ أن يذهب الانتقالي للمفاوضات ضمن مشروع الشرعية الذي يتناقض مع المشروع الجنوبي وإن ذهب فهو الخاسر الأكبر؛ لأنه قد تصل الشرعية والحوثي إلى تفاهمات ويضعون الانتقالي بالزاوية أما أن يقبل بمشروعهم المشترك أو يرفض، وهنا سيصطدم مع الرعاة الإقليميين والدوليين  وسيعتبرونه متمردًا ويفرضون عليه عقوبات.

من يعتقد بأنه سيحقق اختراقًا سياسيًا على الطاولة بعد أن عجز عن تحقيقها في ميدان المعركة فهو واهم، ولكن إحقاقًا للحق يجب أن يأخذ كل مفاوض الحيز الذي يتناسب مع حجمه على الأرض وبالتالي سيكون من المنطقي أن يكون الحوار جنوبي شمالي وما على الشرعية إلا أن تذهب للتفاوض مع الحوثي وبقية القوى السياسية الأخرى  للوصول إلى حلول وتفاهمات حول شكل الدولة هناك، وبعدها يشكل وفد مشترك من الحوثي والشرعية للتفاوض مع  الانتقالي والقوى الجنوبية الأخرى وعندها سيكون التفاوض بين الشمال والجنوب.. أما غير ذلك  فالتسوية التي يسوق لها الإقليم والعالم بهذا الرتم غير عادلة وغير منطقية وسيكون مآلها الفشل.

هناك إجماع جنوبي على استعادة الدولة الجنوبية وإن شذ نفر قليل من الجنوبيين فإنهم لا يمثلون إلا أنفسهم وأحزابهم ذات المنشأ الشمالي ولا علاقة للجنوب بهم فالطريق الآمن أن يجري التفاوض على أس المشكلة وهي معضلة الوحدة الفاشلة بين الجنوب والشمال وكل ما طرأ بعد ذلك لا يتعدى تفاصيل لفشل القوى السياسية اليمنية التي لم ترتقِ بعد إلى مستوى المسؤولية التاريخية وأدخل البلاد والعباد في حروب طاحنة.
هذا التفاوض يمكن أن يقود إلى مصالحة تاريخية بين كافة القوى السياسية في إطار كل من الجنوب والشمال وبعدها لبناء الثقة من أجل العيش المشترك بين الجنوب والشمال في أمن واستقرار ووئام في دولتين متجاورتين تسهمان في أمن الإقليم والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى